تجدد الشوق وتكسر الروتين وتنعش العلاقة
يرفع بعض الأزواج راية المطالبة بالإجازة الزوجية، وأنّه من حقِّ الزوجين أخذ استراحة من بعضهم، مؤمنين بأنها فكرة ذهبية تمنح الطرفين فرصة إنعاش الحياة الزوجية، والخروج عن الروتين اليومي وتغرس اللهفة والاشتياق في نفوسهم، في حين أنّ البعض يستغرب الفكرة ويعتبرها موضة غربية لا تناسب الأسرة العربية، أنها دعوة صريحة للزوجة لعصيان زوجها، أو تشجيع للزوج على هجر زوجته والعودة لحياة العزوبية.
وهذه آراء بعض الأزواج والزوجات حول الإجازة الزوجية للتعرف إلى مدى تقبلهم للفكرة وإذا كانت هذه الإجازة ضرورة، أم أنها رفاهية يمكن الاستغناء عنها، وهل يعترف الرجل الشرقي بأحقية أن تأخذ زوجته إجازة من المسؤولية ورعاية الأبناء، ومدى تقبل مجتمعاتنا العربية لهذه الفكرة، وإمكانية تطبيقها.
حقّ للزوجين:
يقول عمر راشد، موظف بإحدى الدوائر الحكومية، لا تخلو حياة زوجية من بعض المنغصات، فالتزامات الحياة اليومية كثيرة وضغوط العمل مستمرة، وشعرت بعد أقل من عشر سنوات من الزواج ببعض الضيق ورغبتي في الهروب من قيود المسؤولية، ما جعل صديق ينصحني بأخذ إجازة من هذه الواجبات الزوجية لأيام قليلة، حتى أمنح لنفسي فرصة في استعادة توازنها، وتجنب حفلات الشجار اليومي بيني بين زوجتي، التي كادت تؤثر في أبنائنا، وبمجرد أن ابتعدت عن المنزل لثلاثة أيام فقط شعرت بتحسن في حالتي المزاجية وحنين لزوجتي مرة ثانية، واعتبرت هذه الفترة مجرد إجازة زوجية تمنع التراكمات الحياتية التي قد تؤدي إلى موت العاطفة وإثارة المشكلات التي يمكن أن تؤثر سلباً في نفسية الأبناء. واستمرار زواجنا.
يتابع: عندما تأكدت من جدوى الفكرة نصحت زوجتي بها وعلى الرغم من اعتراضها في بادئ الأمر إلا أنني أقنعتها أنّ هذه الأيّام من شأنها أن تساعد على تنقية الجوّ بيننا، وتحفز مشاعر الحب والشوق من جديد، وتوليت مسؤولية الأبناء وكافة شؤون البيت لاكتشف من خلال هذه الفترة القصيرة مدى المسؤولية الشاقة التي تحملها زوجتي من دون أن تشتكي يوماً أو تقصر في حقي وواجباتها تجاهي.
رفض مجتمعي:
ترى رهف النافعي، طبيبة أسنان، أنّه على الرغم من أنّ فكرة الإجازة الزوجية ليست مستساغة في مجتمعتنا، إلا أنها مهمة وفعّالة في تقليص المشكلات الزوجية، وفرصة ذهبية لاستعادة العلاقة العاطفية عافيتها وبريقها الأوّل مع ظروف الحياة ومشكلاتها التي لا تنتهي.
تضيف يجب تطبيق الفكرة بشكل يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا بحيث لا تطول مدتها، وأن تكون بإتفاق الزوجين بحيث يتحمل كلّ طرف مسؤولية المنزل ورعاية الأبناء في غياب الطرف الآخر، وألا تكون هذه الإجازة نوعاً من عقاب أحد الطرفين للآخر أو بعد مشاجرة وتأتي كوسيلة لفض اشتباك بين الزوجين، موضحة ألا تتعدى كونها فترة للانفراد بالنفس، واستعادة الحسابات وتصفية الذهن وشحن الطاقات من جديد، مؤكدة أنّ حصول الزوجة على إجازة من حياتها الزوجية، هو من مصلحة الرجل في المرتبة الأولى، وأن تحمل بعض الأعباء لوقت قصير، لأنّ المرأة لن تصبر على البعد، فهي مخلوق عاطفي، وستختصر مدة الإجازة، وتركض إلى بيتها الذي تعتبره مملكتاها التي لا تستطيع أن تستغني عنها.
تنشيط المشاعر:
تتفق خلود خيري مع النافعي في رأيها، شريطة أن يؤخذها الزوجان في نفس الوقت لتجديد الحنين والشوق خاصة ممن تساعدهم ظروفهم على ذلك، لتكون بمثابة جرعة تنشيطية لمشاعرهما العاطفية وصحتهما الذهنية.
توضح أنّها عندما تقبل على الزواج لن تتردد في أن تأخذ هي وزوجها إجازة زوجية كلما تأزمت الأمور بينهما حتى لا يسمحا بهذه المشكلات أن تستفحل وتقودهما إلى الانفصال.
تكمل: آباؤنا لا يعترفون بفكرة الإجازة الزوجية ويعتبرونها شيئاً غير مهم لكننا كجيل جديد يجب أن نستفيد من هذه التجربة لنتجنب أزمة الطلاق التي أصبحت غالبة على معظم زيجات هذا العصر، ويجب أن نعترف بأنها وصفة سحرية تسهم بشكل فعّال في عودة المشاعر الطيبة والتفاهم بين الزوجين، وتتمنى أن ترتط برجل ذو عقلية غربية تتقبل الفكرة وممارستها من دون حرج أو قيود مجتمعية، وأن تكون الإجازة حقاً للمرأة معترف به والمطالبة به لا يعيبها مثل الرجل خاصة أنّ الزوج في مجتمعاتنا يعيش فرصاً عديدة للإجازة الزوجية بحكم عمله أو السفر لإنهاء بعض المصالح العائلية.
إعلان العصيان:
ترى مروة خليفة، موظفة، أنّه مع الأسف مجتمعاتنا الشرقية تعطي الرجل في الإجازة الزوجية والسفر مع الأصداء والابتعاد عن المسؤولية الأسرية ولكن تسلب المرأة هذا الحقّ وتعتبره عيباً في شخصيتها، وتتهمها بأنها غير قادرة على تحمل المسؤولية، إضافة أنّ الرجل الشرقي يعتبر مطالبة زوجته بإجازة من الحياة الزوجية انقاصاً في رجولته، ولا يعترفون بفاعليتها في تقليص المشكلات اليومية الناتجة عن القرب الدائم أو المشاحنات المستمرة، ومحاولة تدارك هذه الأخطاء من أجل حياة خالية من اصراعات والتنزاعات على أبسط الأمور.
تتابع: عندما طلبت إحدى صديقاتي من زوجها أن تذهب إلى بيت أهلها لأخذ إجازة، نشبت بينهما مشاجرة كبيرة وتدخل الأهل للإصلاح بينهما، أما والدته فقد سخرت من الفكرة باعتراها مجرد تقاليع ابتكرها فتيات اليوم لعدم قدرتهنّ على تحمل مسؤولية الزواج والأبناء، وأنّه لم ينقص غير أن يقوم الرجل بإرضاع الأطفال والطهي وتنظيف المنزل وتذهب النساء للمقهى.
إجازة مؤقتة:
تضيف شاهيناز صموئيل، مهندسة ديكور، أنّ الإجازة الزوجية فكرة مثالية لقتل الروتين اليومي والملل الذي يمكن أن يتسرب لكثير من الزيجات، وكلما كان الزوجان متفاهمين وعلى قدر كبير من الوعي والثقافة أصبحا أكثر تقبلاً لفكرة الإجازة الزوجية والتعامل معها على أنها مجرد وسيلة تتيح للزوجين متسعاً من الوقت لمراجعة ما مروا به من أزمات ومواقف، وانعاش مشاعرهم العاطفية خاصة إذا كانت هذه الفترة اختيارية. تتابع: خلال سبعة أعوام زواج حصلت على إجازة زوجية بشكل غير معلن أو متفق عليه، فظروف الغربة وعمل زوجها تجعلها كلّ عام تأخذ إجازة من زوجها بسفرها إلى بلدتها في بيت أهلها بعيداً عن مسؤولية البيت، واكتشفت أنّ لهذا البعد فائدة كبيرة حيث يتجدد الشوق بينهما والحنين للطرف الآخر مؤكدة أنّ هذه الإجازة المؤقتة وغير المدبرة تخفف عنهما كاهل الإحساس بالمسؤولية، وتبعد عنهما فكرة الالتزام بالشريك.
وهناك فريق آخر من المتزوجين لا يعترفون بالإجازة الزوجية يعتبرونها فترة تخلق فجوة كبيرة بين الطرفين وتشكل خطراً على العلاقة الزوجية وتهددها نتيجة تعوّد كلّ طرف على بعد الآخر، خاصة إذا جاءت هذه الإجازة بعد مشاجرة حيث تكون تمهيداً للانفصال.
ثلاث ساعات:
تستنكر نورة الرفاعي، فكرة الإجازة الزوجية، وتراها غير صائبة وأنّه لا توجد أم زوجة تستطيع أن تأخذ إجازة من أمومتها وعلى الرغم من أنّ المرأة تفني يومها بين عملها وتنظيم شؤون منزلها ورعاية أبنائها إلّا أنّ هذا المجهود ينتهي بابتسامة أبنائها في وجهها أو كلمة شكر وإعجاب من زوجها، مضيفة أنها لا تتخيل أنّه يأتي اليوم وتذهب إلى زوجها وتقول له إنها بدأت تشعر بالملل منه، وإنها تحتاج إلى إجازة بعيداً عن الزوج والأبناء ومسؤولية المنزل.
تؤكد أنّه الحل في المشكلات اليومية التي يواجهها الزوجان ليس في التخلي عن المسؤولية أو تركها على عاتق الطرف الآخر، وأنّه إذا طبقت الإجازة الزوجية سيكون الرجل هو المستفيد الوحيد، وبعض الأزواج عندما يتمردون على حياتهم الزوجية عقب الإجازة ويزداد حنينهم إلى حياة العزوبية من جديد، وتزداد حدة خلافاتهم مع زوجاتهم لأبسط الأمور، موضحة أنّها يمكن أن توافق على أن يأخذ الطرفان استراحة قصيرة بعيداً عن مسؤولية الأبناء ومتطلبات الحياة الزوجية.
بعيداً عن العين:
وبمبدأ “البعيد عن العين، بعيد عن القلب” يعبر أحمد المنصوري عن رفضه للإجازة الزوجية قائلاً: لا أؤمن أنّ البعد يزيد الشوق بين الزوجين خاصة بين حديثي الزواج، وإذ أراد الزوجان أخذ إجازة بعد شهور أو سنوات قليلة من الزواج فما حالهم بعد سنوات طويلة، مضيفاً أنّ هناك بعض الأشخاص غير الأسوياء عندما يعلمون بابتعاد الزوجين يتدخلون لإفساد العلاقة بينهما مما يهدد حياتهم الزوجية.
إجازة مشتركة:
يرى أحمد مرعي أنّ الزواج ليس وظيفة يستطيع طرفاه أخذ إجازة منه، ولو تقبلنا هذه الفكرة البعيدة عن السمة الشرقية للأسر العربية حيث الاستمرار والعطاء وتمسك الزوجين ببعضهما البعض في جميع الأحوال ستكون فرصة جيدة لتدريبهم على البعد والجفاء أو الهروب من المسؤولية أو تركها على عاتق الطرف الآخر بشكل يجعله يشعر بالعناء والملل من هذه العلاقة الزوجية، مشيراً إلى أنّه يفضل فكرة أن يأخذ الزوجان إجازة سوياً بعيداً عن المنزل والحياة اليومية لكسر الروتين أو الفتور الذي يمكن أن يصيب حياتهم الزوجية، وهذا يشعرهم بأنّ سعادتهم في بقائهم سوياً، فجزء من سعادة الشريك أن يشعر برضا ورغبة الطرف الآخر في البقاء والاستمرار في الحياة الزوجية.
شروط وضوابط:
يؤكد دكتور جاسم المرزوقي، استشاري الطب النفسي. أنّ الإجازة الزوجية، تمنح الزوجين فرصة استعادة الحسابات واكتشاف شخصية الآخر عن بعد، وتفجر في داخلهم طاقات لم يكتشفها من قبل ولكن بشروط أهمها ألا تطول مدتها على أسبوع حتى لا تزيد مشاعر الحرية لدى الزوجين، وهي مشاعر يستحسنها الإنسان بعيداً عن الالتزامات اليومية، والواجبات التي لا تنتهي تجاه الآخر فتضخم مشاعر الحرية المفاجئة ويصعب معها تقلص هذه المشاعر، مشيراً إلى أنّ الإجازة تحد من مظاهر السلوك السلبي، لاجتماع الزوجين دائماً في مكان واحد أوقاتاً طويلة وهذا الأمر يولد مشاعر الملل والرغبة في الهروب منه ومن الشريك، فالابتعاد يؤدي إلى زيادة العواطف، وتأجيج الحياة العاطفية والاشتياق بعضهما لبعض، ويشعر كلّ منهما بقيمة الآخر. مؤكداً أن جاءت هذه الإجازة بسبب كثرة الخلافات والمشاحنات الزوجية، فإنّ ابتعاد الأزواج عن بعضهما يأتي على حساب اتخاذ قرار غير مدروس، ويكون فقط من أجل الابتعاد عن المشكلات وتأجيلها وليس حلها، مشيراً إلى أن أخذ إجازة طويلة مهما كانت مدتها، لن يؤدي إلى حلّ المشكلة بل سيقود إلى تراكمها، فيعود الطرفان إلى نقطة الخلاف نفسها.
عبدالله العطر: هدنة شرعية تكسر الروتين اليومي:
يؤكد عبدالله العطر، خبير العلاقات الزوجية، إنّ الإجازة الزوجية تلعب دوراً مهماً في تجديد المشاعر، وكسر روتين الحياة اليومية، وتحريك المياه الراكدة في العلاقة، وأنّ هذه الهدنة الشرعية التي ينالها الزوجان من بعضهما، مسألة لا يستهان بها، ففي تلك الإجازة، يحصل الزوجان على فترة من المراجعة الذاتية، وتقييم المشكلات الزوجية، إضافة إلى رؤية العلاقة من بعيد، موضحاً أنّه خلال هذه الفترة يختلي كلّ شريك بنفسه، ويحاول أن يعيد ترتيب أوراقه، ليس بقصد البحث عن عيوب الآخر، بل بقصد تلمس الأعذار له وذلك بسبب الشعور بالاشتياق إليه، الذي يولد بعد أيّام قليلة من البعاد. ويشير إلى أنّ الاسترخاء في التفكير، وعدم التقيد بروتين الحياة ومسؤولياتها، والبعد عن التوتر والمواجهات والصراعات اليومية تعود على العلاقة الزوجية بثمار رائعة، فالمدة التي تمرّ كفيلة بإنعاش الذاكرة، واستدعاء المشاعر الحلوة التي كانت مغيبة عن الزوجين تحت وطأة الإيقاع السريع والثقيل للحياة الزوجية، لافتة إلى ضرورة أن تؤطر بعدد من الأسس أهمها الوقت، وتحديد الغاية المنشودة منها، الاتفاق على تاريخ بدايتها، وانتهائها، والاتفاق على أنّها إجازة مؤقتة، وعلى أهمية الاتصال الهاتفي من حين إلى آخر، حتى لا يدخل الجفاء هيكل تلك العلاقة ولا تترك الفرصة للتعود على غياب الشريك، والتعامل معها على أنها فرصة لاستعادة اتقاد المشاعر وليس لإطفائها.