كيف تسهم تنمية الكفاءة الذاتية في الصحة النفسية؟
“الكفاءة الذاتية” واحدة من مفاهيم علم النفس التي قد يصعب فهم ما تعنيه، لهذا سنحاول هنا تقديم بعض المعلومات المبسطة حول “الكفاءة الذاتية”، توضح معناها وكيفية نشوئها والتأثير عليها بشكل إيجابي.
كل منا لديه مجموعة كبيرة من القناعات الشخصية. وهي التي تحدد لنا في جزء كبير منها الكيفية التي نتصرف بها ونفكر فيها. فكيف أفكر واكيف أتصرف لا يرتبط بالموقف الموضوعي الذي أنا فيه فحسب بل بقناعاتي الشخصية [وهذه القناعات تشبه البرامج الجاهزة التي تعمل بشكل تلقائي ومن دون توجيه إرادي أو مقصود عند مواجهة موقف محدد، أو هي صورة ذهنية للاستجابة الآلية لمواقف محددة]. فإذا توفرت للإنسان حرية التصرف، فإنه لن يتصرف حتى مع توفر هذه الحرية إلا إذا كان مقتنعاً بأنه قادر أيضاً على القيام بذلك. فالكفاءة الذاتية هي القناعة بأن الإنسان قادر على تحقيق أمر محدد، لهذا فهي صفة أساسية من سماتنا الشخصية.
فإذا كان الإنسان واثقاً أنه قادر على القيام بتصرف ما بنجاح فإن هذا يرفع من الكفاءة الذاتية. وهذا ينطبق أيضاً حتى عندما يكون الاعتقاد المتفائل بالنجاح لايتطابق بالضرورة مع القدرات الحقيقة للإنسان.
فالاتجاهات الإيجابية تحفز الدافعية في معالجة المهام الجديدة والصعبة وتشجع على بذل الجهد والتحمل. والاتجاهات السلبية بالمقابل تجعل الناس يصبحون لامبالين ومن دون مبادرة أو تدفعهم للتخلي عن أهدافهم في وقت مبكر.
ما الفرق بين الكفاءة الذاتية واحترام الذات ومفهوم الذات؟
الكفاءة الذاتية هي القناعات التي تختلف في درجات وضوحها لدى الأفراد بأن الإنسان قادر على تحقيق أداء معين في موقف محدد (كالنجاح في الامتحان على سبيل المثال ). وهذه القناعة بالقدرات الذاتية تحدد كيف يشعر الناس ويفكرون ويحفزون أنفسهم ويتصرفون. إنها تؤثر على الإدراك والأداء بطرق مختلفة. فالكفاءة الذاتية تقتصر على القناعة بأن الإنسان قادر على تعلم أمر ما أو على تنفيذ مهمة محددة على سبيل المثال .
أما احترام الذات فهو الطريقة التي نقيم فيها قيمة الذات لدينا. فاحترام الذات يحدد على سبيل المثال فيما إذا كان الإنسان يحب نفسه أم لا. وبهذا فإن احترام الذات لا يخلق الأهداف الشخصية ولا الإنجاز أو الأداء على عكس الكفاءة الذاتية.
ومفهوم الذات يعني تقييم قيمة الذات. إنه الإدراك الكلي للذات الذي يتشكل من خلال الخبرات مع المحيط ويتأثر بقوة من خلال التعزيز والتقييم الذي يمنحنا إياه الآخرون.
كيف تنشأ الكفاءة الذاتية؟
المنابع الأربعة للكفاءة الذاتية
الخبرات الذاتية: لخبراتنا الذاتية التأثير الأكبر على تشكل القناعة الذاتية. فعندما نعيش خبرة مفادها أننا حققنا هدفاً ما بالاعتماد على أنفسنا فإن هذا سوف يسبب لنا أن ننظر لأنفسنا بأننا سنكون قادرين أيضاً في المستقبل على مواجهة مواقف صعبة. لكن المهم هنا أن يسعى الإنسان ويبذل الجهد لتحقيق الهدف، لا أن يكون متواكلاً، أو لايكون متفائلاً تفاؤلاً وهمياً، بأن الأمور ستتحقق من تلقاء نفسها. فمن لا يبذل الجهد في سبيل أهدافه فإنه لن يتعلم بأنه قادر على التأثير في شيء ما من خلال تصرفاته الذاتية. وأكثر ما يؤثر من الخبرات هي ما يسمى “خبرات الإجادة mastery experiences”. وخبرات الإجادة عبارة عن مواقف لا يكون الإنسان فيها بداية عارفاً كيف سيحل المشكلة، ولكن من خلال بذل الجهد شيئاً فشيئاً تتشكل استراتيجية ناجحة للحل.
التعلم من النموذج: يمكن للكفاءة الذاتية أن تتشكل أيضاً من خلال ملاحظتنا لأشخاص يقومون بحل مشكلة ما من خلال جهودهم الذاتية. إلا أنه من أجل أن الكفاءة الذاتية هنا لابد للقناعات التي تنتقل إلينا من الخارج أن تكون متطابقة (في يوم ما) مع الواقع. أي لابد للمرء أن يحقق النجاح بالفعل يوماً ما.
الحالات الجسدية: بما أن تقييمنا للمواقف يتعلق بحالتنا الجسدية أيضاً، أو بإحساسنا بجسدنا، فإن تقييمنا للحالات الجسدية في موقف محدد يعد مصدراً من مصادر تقييمنا لكفاءتنا الذاتية. فالكفاءة الذاتية على سبيل المثال تستثار من خلال التقييم الإيجابي للعوارض المرافقة للموقف الذي نحن فيه (كخفقان القلب على سبيل المثال في موقف معين)
كيف نؤثر على الكفاءة الذاتية؟
هناك ثلاثة مجالات تؤثر على كفاءتنا الذاتية:
الأسرة: تمارس الأسرة التأثير الأول على الكفاءة الذاتية. فالمحيط الذي يتيح للأطفال مواجهة المشكلات بشكل إيجابي يساعدهم على بناء “الكفاءة الذاتية” (الثقة بقدرة الأطفال على مواجهة مشكلاتهم بأنفسهم وتقديم الدعم عندما يطلبونه وبشكل غير مباشر). على الوالدين أن يشجها أطفالهم على المهام الجديدة وألا يقدم لهم إلا تلك المساعدة التي تتيح لهم مواجهة المشكلة بالفعل. كما أن مديح الأطفال وإبراز قدراتهم أو التأكيد على أدائهم يسهم في أن يطور الأطفال الشعور بمسؤوليتهم الذاتية عن تقدمهم ونجاحهم. إلا أن تأثير الوالدان على أطفالهم يكون أيضاً في الاتجاه الآخر: فالأطفال الذين يبدون الاهتمام يدفعان الوالدان أيضاً لإتاحة إمكانات تعلم لأولادهم، في حين أن الأطفال الأقل اهتماماً أو المنسحبين يدفع الوالدان إلى عدم تحفيزهم بالدرجة نفسها.
الأقران: يؤثر الأقران، أي الأصدقاء وزملاء الصف بشده على نمو الكفاءة الذاتية. وهنا يلعب التعلم وفق النموذج (التعلم بالملاحظة) دوراً كبيراً في هذا المجال. فالأقران غالباً ما يتم إدراكهم على أنهم مشابهون للطفل أو اليافع، كونهم في العمر نفسه تقريباً (وعلى عكس الأخوة). كما أنه غالباً ما لايكون تجريب أشياء جديده ممكناً إلا من خلال الأقران. يضاف إلى ذلك أن التعامل مع الآخرين ضمن المجموعة والفاعل معهم يعد خبرة مهمة لا يمكن الحصول عليها أو تعلمها إلا من الأقران.
المدرسة: يحصل الأطفال على الكثير من التغذية الراجعة حول قدراتهم الذاتية و أدائهم [بشكل مباشر من خلال العلامات وتقييمات المعلمين وبشكل غير مباشر من خلال مركزهم أو وضعهم في الصف]. وفي المدرسة هناك إمكانات كثيرة لبناء البيئة التعليمية تتيح حصول “خبرات الإجادة أو الإتقان”. ومن المهم في البيئة المدرسية أن يمتلك الإنسان “كفاءة ذاتية عالية”.
ما هي تأثيرات الكفاءة الذاتية؟
قبل أن يقوم الإنسان بتصرف ما يحصل بداية شيئاً ما في رأسه. فهو يختار هدفاً ويخطط تصرفاته. وبعد أن يحصل هذا يبدأ بالخطوة الأولى وينفذ التصرف. وفي كل ما يحصل في الرأس قبل التنفيذ الفعلي للتصرف، تعد الكفاءة الذاتية العامل الحاسم.
فالتصرف يقسم إذاً إلى مرحلة الدافعية ومرحلة التنفيذ الفعلي للتصرف.
مرحلة الدافعية: فقط إذا كان الإنسان مقتنعاً بأن التصرف سوف يقود إلى ما يريده وأنه يمتلك القدرة على تنفيذ التصرف، فإنه سيتحرك باتجاه الهدف.
مرحلة التصرف الفعلي: التخطيط لدى الأفراد ذوي الكفاءة الذاتية هو تخطيط تفاؤلي وواقعي وفاعل. فهم يجدون اللحظة المناسبة لتصرفهم، التي ترفع من احتمالات نجاحهم. كما أنه يسهل عليهم القيام بهذه الخطوة الأولى. مقتنعين بهدفهم، يستثمرون في المساعي ويبدون الكثير من الصبر، حتى وإن شعروا أن الأمر صعب عليهم، البدء بهذه الخطوة الأولى.
الأشخاص ذوي الكفاءة الذاتية يتعافون بسرعة من الإخفاقات والنكسات ويعودون بعد الفشل لمبادرتهم لأنهم يثقون بقدراتهم.
نصائح لتقويم الكفاءة الذاتية
تقتصر النصائح هنا على المجال المدرسي. ويمكنك التفكير كيف يمكنك نقل هذه النصائح إلى مواقف أخرى (على سبيل المثال في المجالات الشخصية أو الاجتماعية أو المهنية وغيرها) .
1.وضع أهداف قريبة (قصيرة الأمد)
“لا تفكر كيف يمكنك الوصول بعلامتك في الرياضيات مثلاً من درجة ضعيفة إلى درجة ممتازة. الأفضل أن تشارك كثيراً في الدرس، وتسأل المعلم عما لا تفهمه، وتحضر واجباتك في وقت مبكر.
2.تحضير مخططات للمواجهة
“من المؤسف أنك لم تحصل على علامة جيدة أو لم تنجح، إلا أن هذا ليس سبباً للتشكيك بقدراتك. فألبرت آينشتاين رسب كذلك في صفه إلا أنه قد أصبح “مشهوراً” فيما بعد. [طلع منه شيء]…(تذكر هنا بذل الجهد والسعي)…
3.توصيل خبرات النجاح بطريقة صحيحة
“رائع لقد حللت وظيفة الرياضيات بالأمس بشكل صحيح وها أنت الآن قد تمكنت من المشاركة بالدرس كما قلت لي”
4.إعطاء تغذية راجعة انتقائية ولا تمدح أو تنتقد بالجملة
“الرياضيات ليست بالفعل هي نقطة قوتك، إلا أن هذا ليس سبباً لتفقد شجاعتك، أو لتطأطأ رأسك، ففي مادة العلوم لديك قدرات رائعة. وأنت ابني واسواء كنت هكذا أم هكذا فأنا أحبك، وأنت تلميذي وسواء كنت هكذا أم هكذا فأنا أحترمك وأودك”
5.تفسير النتائج بشكل مثالي
“لو كان لدي الوقت الكافي أو لم تكن المسألة صعبة إلى هذا الحد لكنت تمكنت من حلها.
6.الثقة بالموارد الذاتية
“في الواقع أنا جيد في الرياضيات، وما علي سوى أن أتمرن بشكل أفضل”
7.إجراء حوارات ذاتية بناءة
“لم يقم المعلم بشرح المسألة الجديدة بشكل جيد. لابد لي من أن أتناقش فيها مع زميلي أو صديقي.
فحص الكفاءة الذاتية
هذا الاختبار البسيط يعطيك مؤشراً على كفاءتك الذاتية. قيم العبارات الواردة بين واحد وأربعة (4=تنطبق علي بالضبط، 3= تنطبق علي في معظم الأحيان، 2=تنطبق علي في بعض الأحيان، 1=لا تنطبق علي أبداً) لا يوجد لهذا الاختبار تقييم إلا أن الهدف منه أن يعطيك حافزاً للتفكير بنفسك.
1.إذا تظهر عوائق فإني أجد وسائل وطرق لتحقيق غرضي.
2.إذا بذلت من الجهد كفاية فإني أتمكن من حل المشكلات الصعبة (المسائل الصعبة) دائماً.
3.ليس لدي صعوبة لتحقيق أهدافي وطموحاتي.
4.في المواقف غير المتوقعة أعرف كيف يجب أن أتصرف.
5.حتى عندما تحصل أمور مفاجئة فإني أعرف كيف يمكنني التعامل معها.
6.أواجه الصعوبات بهدوء، لأني أستطيع دائماً الثقة بقدراتي.
7.مهما حصل فإني سوف أنجح.
8.أستطيع إيجاد حل لكل مشكلة.
9.عندما يعترضني أمر جديد، فإني أعرف أني قادر على التعامل معه.
10.إذا ما ظهرت مشكلة ما فإني سوف أتحكم بها بقواي الذاتية.