الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

ما هذا التسارع العجيب في السير خلف هذا التغريب؟



اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَاسْتَمْسِكُوُا بِدِيْنِكُمْ، وَاثْبُتُوْا عَلَى الْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَاصْبِرُوَا عَلَى دِيْنِهِ وَصَابِرُوْا وَرَابِطُوْا؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا والَّذِيْ بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَمَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الصَّادِقُ المصْدُوْقُ صلى الله عليه وسلم.

نعيش في زمن ظهرت فيه الفتنُ وطغت فيه الماديات، وكثرت فيه الشبهات. موجات تغريبية تترى، تهدف إلى حصون الأمة، لتهدمها حصنًا بعد آخر، ما بين موجة ترمي إبعاد الشباب عن دينهم، وفتح باب الشهوات، وتزيين المنكرات، وأخرى تقذف شباكها حول العفيفات الغافلات المؤمنات. وموجة تغريبية أخرى أشد، تهدف للهجوم على المرأة المسلمة بنزع لباسها, وكشف حجابها، والدعوة لاختلاطها، ومجالسة الرجال من غير محارمها، وإظهار مفاتنها، تزخرف لها الأقوال، وتنقل لها الخلافيات.

 

تشنّ هذه الحملة المسعورة غير المسبوقة؛ على حين فترة من العلماء، وخفوت من أصوات الدعاة، وتراخ من المحتسبين، إلا ما رحم ربك. بوسائل الإعلام استعان التغريبيون في غرس ضلالهم ونشر مفاسدهم، إذ الإعلام الهدّام وسيلة خطيرة لزحزحة المجتمعات عن ثوابتها، ليس هذا فحسب, بل سعى أهل المكر إلى استخدام أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، استخدموهم كمعاول هدم، فراحوا ينشئون قنوات تغريبية تنشر العري، وتجمّل الاختلاط، وتوسوس للفتاة بوساوس خداعة, لتهجر أسرتها, وتخالف أمر ربها.. ومن ذلك كثرة برامج المسابقات الغنائية الراقصة، والأفلام الماجنة، والأغاني الساقطة, التي تقتل حياء الفتيات والنساء، وتدعوهم لمشابهة هؤلاء المتبرجات..إنها منظومة من حرب كبار, على كل ثواب الدين الإسلامي.

 

وأسوأ تلك الدعوات التغريبية تأتي ممن يحسبون على العلم والدعوة، بل والهيئة!!، وإن ما سمعناه ورآه الملايين من خروج بعض المحسوبين على العلم في إحدى القنوات الماجنة, وكلامه عن الموسيقى والحجاب، وإظهاره لزوجته معه في الحلقة، وقد كشفت وجهها، وتزينت للناظرين، يدعوهم لتقليده في نزع النقاب، ويزين لهم كشف وجه المرأة، لهو حدث جلل وخطير في مملكتنا الحبيبة, ومما يبيّن خطورة هذه الدعوات المسمومة، أنها تُقدَّم للناس على أن هؤلاء قدوات، فيفتتن الناس بأقوال ضعيفة وفتاوى شاذة.

 

إنها تذكرة سريعة للمرأة المسلمة الصادقة, أن تحافظ على عفتها وحيائها, وأن تستر جميع بدنها حتى الوجه والكفين، وإن الأدلة على وجوب ستر الوجه والكفين كثيرة، في الكتاب والسنة, وأقوال الصحابة والتابعين, وأقوال الأئمة المهديين.

ففي القرآن الكريم قال ربنا تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) فقد “أمر –سبحانه- النساء بإرخاء الجلابيب لئلا يُعرفن ولا يؤذين، وقد كان نساء المؤمنين يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق، وثبت في الصحيح أن المرأة المحرمة تنهى عن الانتقاب والقفازين، مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يُحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن” (مجموع الفتاوى: 15/372).

 

ومن الأدلة أيضًا قوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، قال الإمام أحمد: الزينة الظاهرة: الثياب، وقال: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها، وقد جاء في الحديث: “المرأة عورة”، وهذا يعم جميعها..” (شرح العمدة: 4/267 – 268).وهو حديث صحيح.

وعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: “كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحْرِمَات, فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه” (رواه أبو داود: 1833 وقال الشيخ الألباني: حسن). فهذا بيان من عائشة رضي الله عنها لحال الصحابيات المحرمات؛ أنهن إذا مر بهن الرجال غطين وجوههن، مع أن المرأة ممنوعة من تغطية وجهها وهي محرمة. إذن لماذا يغطين وهن محرمات؟! لأنهن يعلمن أن تغطية الوجه أمام الرجال الأجانب أهم وأوجب.

 

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله, وليضربن بخمرهن على جيوبهن شققن مروطهن فاختمرن بها” (رواه البخاري: 4480). قال ابن حجر: قوله: “فاختمرن” أي: غطين وجوههن. فتح الباري: 8 / 490.

وفي حديث الإفك، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها فذهبت لأقضي حاجتي، فلما عدت، فإذا الجيش كله قد ذهب ولم يعلم بها. قالت: “فتلفعت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني لعلهم يعلمون بفقدي فيعودون، قالت: فمر عليَّ صفوان بن معطل السلمي رضي الله عنه وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته، فرأى سوادي فأقبل عليَّ فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل أن يفرض علينا الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين رآني، قالت: “فلما صحوت خمرت وجهي بجلبابي..”. أين دعاة كشف المرأة لوجهها عن هذه العبارة: “خمرت وجهي بجلبابي”؟!

 

لقد أنزل الله تعالى في سورة النور في الأمر بحجاب المؤمنات: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ), فسمعها الرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم انقلبوا إلى نسائهم، يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، قالت عائشة: فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان”, والأدلة في هذا المعنى كثيرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. فالحجاب الشرعي: هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره، وأولى ذلك وأوله: ستر الوجه؛ لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة.

 

 

إن العالِم الرباني إذا رأى أن ييسر على الناس ، فإن عليه أن يقصر ذلك على أناسٍ لهم أعذار تقتضي التيسير عليهم، أما الخروج على مجتمعات اطمأنت لقولٍ شرعي صحيح في مسألة النقاب، ولزمت نساؤه الحجاب، بأقوال تهدف لإزالة الحجاب فإن هذا لشيء عجاب!!..أين هؤلاء من هذا الحياء النادر؟! ها هي أم المؤمنين عائشة بعد وفاة النبي وأبي بكر ودفنهما في حجرتها تقول عن نفسها -رضي الله عنها-: “كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي فأضع ثوبي، وأقول إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم، فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي؛ حياءً من عمر -رضي الله عنه-” (أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/40 وقال: رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 1712).

والعجب أنها تستحيي من ميت لا يراها، لكنها العفيفة الأبية، رضي الله عنها..

 

 

إننا نعيش في زمن ظهرت فيه بجلاء, تلك المنظوماتُ المخططة لسفور المرأة المسلمة وتبرجها, حتى تسللت إلى عقر درنا, وتأثرت بها بعض نسائنا, ما الذي دهانا؟ ما هذا التسارع العجيب, في السير خلف هذا التغريب؟, لقد كانت نساؤنا محط القدوة في الستر والعفاف والحياء, حتى ظهر ذاك الحجاب المتبرج، وتلك العباءات المزركشة والشيلات الملونة, فمرة على الرأس وأخرى على الكتف، ومرة مخصرة, وأخرى فاتنة, ثم ظهر النقاب الواسع الذي بدت معه تلك العينان المكحلتان, ثم ظهر الحاجبان, ثم بان الخدان, ثم استبدل ذلك باللثام, وظهر الساعد وأطراف شعر الرأس, حتى نزعت جملة من النساء الحجاب.

 

وإذا ما أضفت إلى ذلك الافتتانَ بلبس الضيق والقصير، والمحجم للعورة, والواصف للبشرة, ورأيت الكعب العالي, وتذكرت تبرج النساء في الأعراس والمناسبات، بل والمتنزهاتّ, وعلمت بخبر كثير من السائحات والمبتعثات, إذا تذكرت ذلك ونحوه راعك الأمر وأقض مضجك فداحة الخطب… إنه يا عباد الله دولاب أخذ في التسارع نحو منحدر لا يعلم مداه إلا الله. وهي مسؤولية الجميع في التصدي لعاديات الزمن والتغيير الأرعن.

 

 

إن تساهل كثير من النساء في حفظ حجابهن، وعدم الإنكار عليهن لباسهنّ الضيق أو القصير أو الشفاف لهو ذريعة لترك الاحتشام مطلقاً، فاليوم تلبس إلى نصف الساقين, ويظهر شيء من الكتف، وأجزاءٌ من الصدر، تعرض مفاتنها أمام النساء، فيقلدها الصغار، ويعتاد على ذلك الكبار، فما هي إلا أيام حتى تخرج بلباسها المخزي عند محارمها الرجال، وكلٌّ يقول: هي حرة في لبسها, وبعضهم يقول: لن أنكر عليها حتى لا أحرجها, وهكذا, ووالله لن يقف الأمر عند هذا الحد, إذا لم تجد المرأة من يصونها ويربيها ويرعاها وينكر عليها.

 

يا أمة محمد: أين الرقيب على نسائنا؟! أين الغيرة والعفة على بناتنا؟! أين الرجولة والشهامة والحياء؟أين المروءة والإباء؟

ليسمع أولياء الأمور، ليسمع الآباء والأمهات والأزواج, ليسمعوا جميعاً هذا الحديث العظيم.

عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”[رواه مسلم].

أليس من رأى من تلبس تلك الألبسة المحرمة، أو رأى تلك الأعضاء المنكشفة , ثم لا ينكر عليها، ولا ينصحها: قد غش رعيته وخان أمانته.

 

سيقف الزوج الذي تساهل مع زوجته في لباسها، سيقف الأب الذي لم ينكر على ابنته في لباسها, ستقف الأم المطاوعة لبنتها في لباسها، سيقفون والله جميعاً أمام الجبار: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) .

سيسألون عن هذه الأمانة التي حمِّلوها، وهذه الرعية التي استرعوها، فلنعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، فما أدق الحساب، وما أشد العقاب.

اللهم منّ علينا وعلى نسائنا بالعفة والحياء، واحفظ نساء المسلمين، وجنبهن التبرج والسفور، اللهمّ من أراد نساءنا وبلادنا بكيد وفساد فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، يا سميع الدعاء.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم