الأثنين 25 نوفمبر 2024 / 23-جمادى الأولى-1446

التعاطف



التعاطف هو خبرة فهم حالة الآخر من وجهة نظره، أي تضع نفسك في مكانه وتشعر ما يشعر به (أن تلبس حذاء الآخر وتسير فيه). ومن المعروف أن التعاطف يرفع من السلوكيات الاجتماعية الإيجابية (الداعمة). وقد كشفت الأبحاث وجود “الخلايا العصبية المرآتية “mirror neurons,”، والتي تتفاعل أو تستجيب للمشاعر التي يبديها الآخرون ومن ثم تنتج هذه الخلايا المشاعر نفسها التي يبديها الآخر. ويعتقد أن الخلايا العصبية المرآتية تستخدم للتوسط في فهم سلوك الآخرين، حيث يعتقد أن فهم السلوك لا يتم عن طريق المحاكاة- كما وجد العلماء في تجارب على القرود الكبيرة- بل يتم عن طريق نشاط الخلايا المرآتية التي تمكن القرد من فهم سلوك الآخر أو التعرف على ما يقوم به الآخر

كان التعاطف وما زال حتى الآن واحدة من المتغيرات الأساسية في العلاج النفسي الإنساني ويعد جزءاً أساسياً من التدريب في الاتجاهات العلاجية الأخرى، كمتغيرة أساسية تسهم في التحسن. ولكن هذا لم يقتصر على الجانب العلاجي أو الإرشادي فحسب بل أن دراسات كثيرة تشير إلى أهمية التعاطف في عالم الأعمال والإدارة أيضاً على سبيل المثال.

تثبت الأبحاث وبصورة متكررة أن التعاطف يرتبط ارتباطا مباشرا مع النجاح المهني والربح. وتشير الدراسات إلى أن التعاطف يرتبط مع الزيادة في المبيعات وبتحسن الأداء لمدراء فرق تطوير المنتجات، مما يعني أنه يتعين على المؤسسات أن تسعى إلى شحن الموظفين الجدد بمستويات صحية من التعاطف. وعلى الرغم من أن التعاطف هو أداة مطواعة Soft Tool، و مجردة أحيانا في أدوات الشخص، إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج ملموسة بقوة. فالأشخاص الذين يتمتعون بالتعاطف بشكل طبيعي ومستمر – أي الأشخاص الذين يمكن أن يبنوا علاقات إيجابية مع الآخرين بسهولة-، هم الناس الذين يستخدمون التعاطف لتوليد الثقة و بناء الروابط. ومن ناحية أخرى ،فإن عدم القدرة على خبرة التعاطف هي السبب الكامن خلف سبب الكثير من التسلط في البيئات التنظيمية ، وعدم رضا الموظفين والفرق و عدم البيع والحفاظ على الزبائن.

فهل يمكن تنمية التعاطف في الموظفين لزيادة المبيعات و تحسين العمل في الفريق؟

هناك وجهان لهذا: فمن ناحية يمكن تدريب شخصاً ما ليصبح متعاطفاً، والوجه الآخر هو أن تعلم التعاطف يحتاج إلى إرادة في التعلم والالتزام والمثابرة لتعلمه بشكل صحيح ، فتعلم التعاطف ليس سهلاً.

كما يجد الكثير من الأشخاص أن المتطلبات اللازمة كي يكون الإنسان متعاطفاً صعبة وتشعرهم بعدم الارتياح، وهذا ما نواجهه في أثناء التد ريب من بعض المتدربين الذين يجدون أن تعلم التعاطف مسألة شاقة لهم ويريدون الهروب بسرعة إلى تقنية تعليمية. غير أنه بالنسبة لمعظم الأشخاص فإنه يمكن تعلمه مع مرور الوقت. وبطبيعة الحال، فبعض الناس ليس لديهم القدرة على خبرة التعاطف بسبب الأحداث المؤذية وخبرات التعلق غير الآمن التي خبروها من مقدمي الرعاية الأولية في مرحلة الطفولة، وأحيانا بسبب الدماغ والخلل الوراثي ولكن بالنسبة لمعظم الناس فإن ذلك ممكن.

لتنمية التعاطف فائدة: فكلما مارست التعاطف وكانت علاقاتك أفضل، فسوف تزداد رغبتك بالاستمرار. و إذا كنت قادراً على رؤية المشكلة من وجهة نظر الآخر، فسوف يكون احتمال قدرتك على حل الصراعات والخلافات من دون خسارة عالياً جداً. يعتقد أن تنمية التعاطف تستحق أن تحتل الأولوية في تدريب الموظفين. –التعاطف سلاح ذو حدين يمكن أن يساء استغلاله أيضاً. (إعداد).

بعض من التوضيح

التعاطف Empathy والفهم المتعاطف أوالتفهم المتعاطف empathic understanding والفهم المتعاطف الدقيق accurate empathic understanding و التعبير عن المشاعر أو تصوير المشاعر Reflecting of feelings، أو الإطار المرجعي الداخلي internal frame of reference . مرادفات لها نفس المعنى الاصطلاحي ويتم استخدامها في المراجع المختلفة لوصف حالة وجدانية (عاطفية)، لتشير إلى قابلية الشخص للإحساس بالآخر .

التعاطف: القدرة على خبرة الأفكار والمشاعر والخبرة المباشرة للآخر، وهي أكثر من العطف أو المساندة العاطفية Sympathy. كلاهما حالات وجدانية ويستخدمان في سياق واحد أحياناً. في العطف Sympathy أنت تشعر بالأسف مع الشخص أو الشفقة أو الحزن معه ولكن لا تفهم بالتحديد لماذا هو حزين، نشعر معه ولكن لا نفهم محنته أو أزمته ، كقولنا مثلاً “لك تعازي الحارة You have my deepest sympathy إذ قد أحزن له ولكن ليس بالضرورة أن أشعر أو أحس بما تعنيه بالتحديد تلك الخسارة له، أو كم هو من الداخل متأثر بهذا الحدث.

التعاطف Empathy هو أكثر من هذا إنه فهم عالم الخبرة الداخلية للشخص. في اللغة الإنجليزية يستخدم for أي sympathy you feel for the person أما التعاطف فتستخدم معها with (ويترجمها البعض إلى التشاعر) Empathy is a feeling with the person. وهذا فرق. أما عكس العطف Sympathy فهو αντιπάθεια// antipathy//، و عكس Empathy فهو Apathy // ἀπάθεια//

من ناحية ثانية فقد يدخل الإنسان في العطف Sympathy إلى التماهي مع الآخر فيتبنى رؤاه ووجهات نظره وانفعالاته نفسه، وفي التعاطف Empathy، لا يحصل هذا.

إنها تعني كما يقول روجرز الدخول إلى عالم الإدراك الشخصي للآخر والاستقرار في هذا العالم. إنها تحتوي كل لحظة من التحسس لمعاني المشاعر المتبدلة التي تعصف في هذا الآخر، القلق، الغضب، الحنان أو البلبلة أو أية حالة من الخبرة التي يعيشها أو (تعيشها) في اللحظة الراهنة. إنها تعني العيش في حياته مؤقتاً والدخول فيها والتحرك بدون أحكام وإشباع معاني المشاعر التي قلما يشعر بها هو، ولكن عدم المحاولة هنا إزاحة الستار عن المشاعر التي هي بالنسبة له لاشعورية على الإطلاق، إذ أن ذلك سيكون مهدداً. يتضمن التعاطف مشاركة مشاعرك بعالم خبرته، لأنك تنظر بصورة غير منحازة وغير خائف للعناصر التي يقف الآخر تجاهها مرتعبا. وذلك يعني الاختبار المنتظم معه لدقة إدراكات حسك وأن تنساب مع الإجابات التي تحصل عليها.

 

إنك رفيق حميم بالنسبة للآخر في عالمه الداخلي. وعندما تظهِر له أهمية المشاعر في تيار خبرته فإنك بذلك تساعده على تمثل هذه العلاقة القيمة في الخبرة الداخلية وأن يخبر معاني المشاعر المرتبطة بالخبرة بصورة أفضل وأن يستمر في خبرته. أن تكون مع إنسان آخر بهذه الطريقة يعني أنك ترمي في هذه اللحظة طريقة رؤيتك ومعايير قيمك التي تتمسك بها أنت جانباً من أجل الدخول في عالم خبرة الآخر بدون أحكام مسبقة. وهذا يعني إلى حد ما أنك تتراجع أنت نفسك. وهذا ما يستطيعه فقط شخص مستقر كفاية لأنه يعرف بأنه لن يفقد نفسه في عالم خبرة الآخر الذي يمكن أن يبدو غريباً وشاذاً وأنه يستطيع آن يرجع إلى عالمه الذاتي متى أراد بدون صعوبات

الترجمات العربية تترجمها مترادفة في الغالب أي في نفس المعنى مع وجود فرق أو تداخل. في اللغة العلمية الاصطلاحية من الممكن استخدام مصطلح ما وتعريفه إجرائياً (توضيح محتواه ومعناه المقصود) بصورة قد تبتعد قليلاً عن المعنى الدارج لدى العامة. وفي علم النفس بالتحديد فإن هذا قد يسبب بعض اللبس بالطبع. وهذا يشير إلى مدى تأثير المفاهيم الشائعة والدارجة على تعاملنا مع المفاهيم والمصطلحات.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم