الكشف عن الذات:
يعتبر الكشف عن الذات والتعريف بالخطوط العريضة للشخصية الخطوة الأولى التي ينبغي أن يقوم بها كلّ من الخطيبين تجاه الآخر، لماله من أهمية كبيرة في إرساء الحجر الأساسي للحب بينهما.
ذلك أنّ التعريف بالذات وكشف هويتها يمهّد الطريق لحصول التوافق النفسي والسلوكي بين الخطيب وخطيبته، من خلال وقوف كلّ طرف على خصائص الآخر الشخصية، وبالتالي قدرته على التعامل معه بنجاح.
من جانب آخر يعتبر الكشف عن الذات نوعاً من إعلان الطمأنينة التي يستشعرها الشخص بإزاء الطرف الآخر.
بالطبع ليس معنى الكشف عن الذات الذي ندعو إليه الخطيبين، ذكر المعايب أو الأخطاء التي اقترفها الشخص وتردى فيها قبل الخطوبة ثمّ تسنّى له أن يتخلص ويتوب منها. وليس معناه استعراضاً خيالياً لما لم يتسن للشخص تحقيقه في واقع حياته. وليس هو كذلك تعريفاً بالتفاصيل الدقيقة التي لا تعبر عن جوهر الكيان الذاتي للمرء.
بل إنّ التعريف بالذات معناه ذكر الخصائص الشخصية وما يتصف به من طباع وأخلاق ومعتقدات وأفكار وأذواق ورغبات وعادات، واهتمامات ثقافية أو اجتماعية أو رياضية، أو غير ذلك.
ويتطلب الكشف عن الذات البعد عن التكلّف والتصنع السلوكي الذي يمارسه غالبية الأزواج في مرحلة الخطوبة، والتصرف بدلاً من ذلك بتلقائية وعفوية.
معرفة الطرف الآخر:
إذا كان الكشف عن الذات ضرورياً لإرساء القواعد الأولى الأساسية للحب بين الخطيبين – الزوجين –، فإنّ معرفة الطرف الآخر لا تقل أهمية في هذا الشأن. ذلك أنّ المعرفة المتبادلة بين الطرفين اللذين ارتبطا بالزواج تشكل الأساس الذي لا غنى عنه في تشييد صرح قوي متين بين الطرفين المتحابين.
وبما أنّ النجاح في الخطوبة والزواج يعتمد على توافر مجموعة عوامل من بينها: الحب الصادق، والانسجام القلبي، والتوافق الفكري والسلوكي، والتضحية والعطاء، والمشاركة في الآمال والآلام، فإنّ معرفة الطرف الآخر هي أحد العوامل المهمة التي تسهم في نجاح الخطوبة وحصول السعادة بين الزوجين.
ولأنّ معرفة الآخر ينبغي أن تكون حقيقية وشاملة ووافية تتضح من خلالها معالم شخصية الآخر، وتتحدد على ضوئها طبيعة التعامل معه، فهي – أي المعرفة – يجب أن تشمل جوانب كثيرة من أبرزها: أفكاره ومعتقداته – طباعه وأخلاقه – ميوله وإهتماماته – أذواقه ورغباته – عاداته وتقاليده – أعماله ونشاطاته – خبراته ومهاراته – أهله وأقاربه – مفاتيح قلبه – ما يفرحه وما يحزنه – ما يحبه وما يكرهه… إلخ.
فهل الشخص الآخر – الخطيب أو الخطيبة – يحمل فكراً دينياً ناضجاً أم فكراً ناقصاً ومشوهاً؟ وهل يتسم سلوكه بالاعتدال أم ينحو نحو التشدد؟ وهل هو معطاء وكريم أم يتصف بالتقتير والشح؟ وهل يرغب في قضاء وقت الفراغ داخل البيت أم خارج البيت؟ وهل هو انبساطي أم انطوائي؟ وهل يحب قراءة الكتب والجرائد أم مشاهدة التلفزيون والدخول على الإنترنت؟
كلما استطاع المرء أن يتفهم الآخر ويتعرف على ملامح شخصيته على نحو أفضل، كان أكثر قدرة على التعامل معه، وعلى تحقيق تكيف أنجح.
تبادل مشاعر الحب:
الحاجة إلى الحب هي واحدة من أهم الحاجات الإنسانية، فالإنسان يتعطش للمودة وينشد الحب ويريد من أعماق قلبه أن يكون محبوباً من الآخرين.
وعندما يقترن شاب بفتاة فإنّ أوّل ما ينتظره الشاب من الفتاة الحب، وأوّل ما تنتظره الفتاة من الشاب الحب. فكلاهما ينشد الحب من الآخر، ويريد أن يشعر بحب الآخر له. ولهذا الأمر أثر كبير في حاضر ومستقبل حياتهما الزوجية، فحينما يشعر الشاب أو الفتاة بأنّه محبوب من الآخر ويطلع على مقدار مودته له نفذ الآخر إلى قلبه، وغمرته البهجة والسعادة، وصار أكثر حباً وعطاءً وتضحية للآخر.
وفي هذا يقول الرسول الأكرم (ص): “قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً”.
لذلك من الضروري أن يعبّر الخطيب دائماً عن مشاعر حبه لخطيبته، وأن تعبّر الخطيبة دائماً عن مشاعر حبها لخطيبها يقول الرسول الأكرم (ص): “أفضل نسائكم المرأة التي تودّ وتحب”.
وهناك من المهارات الزوجية والوسائل العاطفية الشيء الكثير الذي يستطيع بها الخطيبان أن يعبّرا عن حبهما لبعضهما البعض، ويتبادلان من خلالها مشاعر المودة بينهما. فقد تكون الوسيلة كلمة حب رقيقة مثل (أنا أحبك)، (أنت حياتي)، (اشتقت إليك). وقد تكون الوسيلة ابتسامة مشرقة، أو همسة حلوة، أو نظرة شوق، أو لمسة حنونة، أو غير ذلك.
فليتعلم الخطيبان:
– فن لغة الحب
– فن التعبير عن المشاعر
– فن التواصل القلبي
– فن لغة العيون
– فن لغة نبرات الصوت
– فن تعبيرات الوجه
فكم لهذه الأمور من سحر على القلوب!!
التكيف مع الآخر:
من المؤكد أنّ ثمة اختلافات بإزاء شؤون الحياة المشتركة، تنشأ بين الزوجين في مرحلة الخطوبة، تجعل الرباط الزوجي في هذه المرحلة وما بعدها، محفوفاً بمخاطر الفشل.
بعض تلك الاختلافات ناشيء من العادات والتقاليد التي نشأ وتربى عليها كلّ منهما. وبعضها الآخر يعود إلى تباين أمزجة وطباع كلّ من الشخصيتين عن الأخرى، فيما يتعلق بالأمور الدينية والعلاقات الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي يتمسك بها كلّ منهما، وفيما يتعلق بنظام الحياة وأساليب التفكير والميول الثقافية، وغير ذلك من فروق وتباينات.
إزاء هذه الاختلافات والتباينات فإنّ هناك ثلاثة خيارات يمكن أن ينتهجها الزوج والزوجة في التعامل بينهما:
– الخيار الأوّل: الصدامات المستمرة بين الطرفين.
– الخيار الثاني: الطلاق.
– الخيار الثالث: التكيف مع الآخر.
وليس من شك أنّ الخيار الأخير هو المطلوب، إذ لا يمكن العيش في ظل حياة تسودها الاضطرابات والصدامات المستمرة، ولا يمكن اللجوء إلى الطلاق مع كلّ حالة طلاق، فمآل ذلك أن لا تبقى أسرة على وجه الأرض.
فلم يبق إذاً إلا التسليم بالأمر الواقع، وبذل الجهود للتكيف مع الآخر، إما عبر ترويض النفس وتقديم التنازلات عن بعض السلوكيات المخالفة والغير مقبولة، للاقتراب نفسياً وسلوكياً من الطرف الآخر، أو عن طريق اكتساب عادات وطباع مقبولة مقاربة لعادات وطباع الآخر.
وليس معنى هذا ضرورة تطابق الخطيبين في كلِّ أمر من أمور الحياة، بحيث يصير كلّ واحد منهما صورة طبق الأصل من الثاني، وإنما توافر درجة معقولة من التوافق والتكيف تسمح بمسايرة كلّ منهما للآخر، والعيش معه بانسجام ووئام ومحبة. ولهذا يؤكد الإمام الصادق (ع) على التوافق بين الزوجين بقوله: “لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها”.
الفطام النفسي عن الأهل:
يعد الفطام النفسي عن الأهل والاعتماد على النفس عاملاً أساسياً في نجاح الخطوبة – والزواج أيضاً – وضمان استمرارها واستقرارها. والعكس صحيح، فإنّ اعتماد الخطيبين – الشاب والشابة – بدرجة كبيرة على أهليهما يشكل عائقاً أساسياً في استمرار خطوبتهما ونجاح زواجهما.
حيث تكشف الوقائع عن أنّ الأشخاص الذين لا يتمتعون بالاستقلالية ويعتمدون على الأهل في كلِّ صغيرة وكبيرة من حياتهم، يعجزون عن إدارة أمورهم الشخصية والأسرية، ويتعرضون إلى مشكلات زوجية كثيرة، بسبب تدخل الأهل سلباً في شؤون حياتهم اليومية.
وتتبدّى أهمية الفطام النفسي بالنسبة للخطيبين في القدرة على تأسيس أسرة جديدة تجمعهما وتولّي مسؤولياتها، وفي التخلص من سيطرة الأهل عليهما والتحرر من تسيير دفة حياتهما، وفي ترسّم أهداف مستقبلية لأسرتهما والتخطيط لتحقيقها. كذلك تظهر أهمية الفطام النفسي في التخلص من الاتكالية والعيالة التي كانت تلازم الخطيبين وهما في رعاية أسرتيهما وتحت مسؤولياتهما.
وحتى يتسنى للخطيبين تحقيق الفطام النفسي عن الأهل، يجب على الخطيب أوّلاً أن يعتمد على نفسه في إعالة نفسه وزوجته، وتأمين مسكنه ومستلزمات زواجه.
كما يجب على الخطيبين أن يقوما معاً بالتخطيط لزواجهما والعمل على تنفيذ ما يضعاه من خطط. كذلك يجب عليهما أن يشقا طريقهما اعتماداً على نفسيهما نحو اكتساب الفنون والمهارات اللازمة للزواج والبيت الزوجي. وعليهما كذلك ألا يسمحا لأحد بالتدخل في إدارة شؤونهما الخاصة وفيما يقع بينهما من خلافات ونزاعات إلا عند الضرورة.
إضافة إلى ذلك عليهما أن يتعلما استشراف مستقبل حياتهما، والإمساك بدفة أسرتهما الجديدة، وتوجيهها نحو المستقبل الذي يرغبان في تحقيقه، وأخيراً يتعلمان الاعتماد على النفس في قيادة نفسيهما وتوجيه مشاعرهما وضبط سلوكياتهما والتحكم في رغباتهما ونوازعهما الذاتية.
اكتساب المعارف والمهارات اللازمة للزواج:
كما أنّ الشخص الذي يريد أن يشتغل بوظيفة أو مهنة معينة – كالطبابة والتعليم مثلاً – يحتاج أن تكون لديه معارف ومهارات تتعلق بتلك الوظيفة والمهنة، كذلك الشخص الذي يريد الزواج، فإنّه بحاجة إلى أن تتوافر لديه معارف ومهارات خاصة ترتبط بالزواج، لأنّ الزواج علم وفن، يقوم على أسس ودعائم ومعارف ومهارات، شأنه في ذلك شأن أي علم من العلوم وأي فن من الفنون.
ومهما كان الخطيب والخطيبة مثقفين وحاصلين على أعلى المؤهلات الدراسية، فإنّهما يكونان بحاجة إلى اكتساب المعارف الأساسية عن الزواج، والمهارات الضرورية للحياة الزوجية.
وأما عن طبيعة المعارف والمهارات اللازمة للزواج، والتي يجب على الخطيبين أن يهيئا نفسيهما لاكتسابها والإلمام بها، إما عن طريق الإطلاع على الكتب العلمية والثقافية التي تعنى بالحياة الزوجية، أو عن طريق حضور الحلقات والدورات التدريبية المختصة بالإعداد الثقافي والنفسي والجنسي للزواج، أو عن طريق الاستفادة من التجارب والخبرات الزوجية الناجحة في هذا الشأن – فإنّها – أي المعارف والمهارات – يجب أن تتضمّن المفردات التالية:
يقول الإمام الصادق (ع):
“إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصن”.
المصدر: مركز البيت السعيد للتدريب الاجتماعي/ سلسلة التوعية الأسرية (4)