نهرب ـ أحيانا ـ من بيوتنا إلى الفضاء، إلى خلوة لا نرغب أن يكون معنا فيها أحد، إلى طرف شاطئ لنترك أعيننا وكأنهما زلاقتا لاعب غرق تحت الأمواج، وربما هرب آخرون إلى كهوف الدمار الخلقي والتيه العقلي.
وأحيانا نصنع مثل رجل الأعمال الغارق في ديونه، حين لجأ إلى كرسي في حديقة عامة ملتفا بحزن عميق، متأملا في وضع شركته الآيلة إلى الإفلاس؟
فجأة! ظهر له رجل عجوز وقال له: “أرى أن هناك ما يزعجك”، فكأنما انفتحت أمامه نافذة الأمل الوضيء الذي كان ينتظره، فراح يبثه ما أصابه، واليأس يعقد حبله حوله رقبته، فرد عليه العجوز قائلا: “أعتقد أن بإمكاني مساعدتك”، ثم سأل الرجل عن اسمه وكتب له (شيكا) وسلّمهُ له قائلاً: “خذ هذه النقود وقابلني بعد سنة بهذا المكان لتعيد المبلغ”،
وبعدها رحل العجوز وبقي رجل الأعمال مشدوها يقلب بين يديه شيكًا بمبلغ نصف مليون دولار عليه توقيع: جون دي روكفلر) رجل أعمال أمريكي كان أكثر رجال العالم ثراء فترة 1839م – 1937م)، جمع ثروته من عمله في مجال البترول، وأنفق منها خلال حياته 550 مليون دولار أمريكي تقريبًا في مشروعات خيرية).
أفاق الرجل من ذهوله، وكأنما ضخ العجوز وقودا جديدا في دمه، فقال بحماسة: الآن أستطيع أن أمحو بهذه النقود كل ما يقلقني، ثم فكر لوهلة وقرر أن يسعى لحفظ شركته من الإفلاس دون أن يلجأ لصرف الشيك الذي اتخذه مصدر أمان وقوة له.
وانطلق بتفاؤل نحو شركته وبدأ أعماله ودخل بمفاوضات ناجحة مع الدائنين لتأجيل تاريخ الدفع. واستطاع تحقيق عمليات بيع كبيرة لصالح شركته. وخلال بضعة شهور استطاع أن يسدد ديونه، وبدأ يربح من جديد.
وبعد انتهاء السنة المحددة من قبل ذلك العجوز، ذهب الرجل إلى الحديقة متحمساً فوجد ذلك الرجل العجوز بانتظاره على الكرسي نفسه، فلم يستطع أن يتمالك نفسه فأعطاه الشيك الذي لم يصرفه، وبدأ يقص عليه قصة النجاحات التي حققها دون أن يصرف الشيك. وفجأة قاطعته ممرضة مسرعة باتجاه العجوز قائلة: شكرا للرب أني وجدتك هنا، فأخذته من يده، وقالت لرجل الأعمال: أرجو ألا يكون قد أزعجك، فهو دائم الهروب من مستشفى المجانين المجاور لهذه الحديقة، ويدّعي للناس بأنه ” جون دي روكفلر “.
كثيرا ما نكون بحاجة إلى مجرد (إحساس) بالقوة؛ لنستعيد كل ما فقدناه من دوافع، وهو ما قد نحصل عليه من مساندين يتمتعون بوفرة (المشاعر الإيجابية)، وهم ليسوا دائما موجودين حولنا، ولو وُجدوا لربما كانوا مشغولين عنا، على أن ما يمتلكه الآخرون ـ وإن أذنوا لنا باستعارته حينا من الدهر ـ فإننا لا نملكه، لذا فإن علينا أن نمتلك ما نحتاج إليه، حتى ولو كان الذي نحتاجه ملكا لآبائنا، وعدم إدراك هذه الحقيقة هو الذي يجعل بعض أبناء الأثرياء يفقدون كل ثروة آبائهم، حين يعتمدون عليها، فيعطلوا طاقاتهم، ويهملوا ملكاتهم، ولا يرسموا للمستقبل هدفا ذا بال.
وهو مشكلة كثير من أبناء الفقراء كذلك، الذين استسلموا لواقع ذويهم، ولسلسلة من الآباء والأجداد توارثت الفقر، وعاشت في بيئة فقيرة تعودت على الأخذ، فاستسلموا للجمود؛ وكأنهم يؤمنون بنظرية (الدم الأزرق)، حتى اقتنعوا بأنهم لن يستطيعوا أن يغيروا جينات الفقر الوهمية التي سيطرت صورها على منافذ تفكيرهم، حتى غشيت أعينهم عن قصص أقرب الأثرياء إليهم، أولئك الذين بدأوا من الصفر، فليس للثراء نسب، كما أن الفقر ليس له قبيلة.
حقيقة:
اليأس تدمير حقيقي لأجهزتنا البناءة.. ولن يربح الفشل مثل أن نسمح له أن يغرس شتلته البشعة في بساتيننا.. إذا اسودت السماء، فقد آذنت بالغيث..