استنكر العلماء المشاركون في الندوة الشهرية التي نظمتها مجلة التبيان – لسان حال الجمعية الشرعية – بالقاهرة مؤخرا ، محاولات سن قانون جديد للأحوال الشخصية ( قانون موحد يسري على كل المصريين مسلمين وغير مسلمين ) ينال من ثوابت الشريعة الإسلامية في تكوين الأسرة .
وأوضح الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية أن هدم الأسرة المسلمة مؤامرة خطط لها الأعداء منذ فترات بعيدة ونفذت من أجلها محاولات شتى عن طريق الماسونية والجمعيات المشبوهة، ولم يقف مخططهم عند ذلك فحسب بل سعوا لتدمير الجنس البشرى حتى لا يبقى فيه إلا اليهود… وقال في الندوة التي عقدت بعنوان ” أحكام الأسرة في ضوء الثوابت الإسلامية ” وأدارها الدكتور عبد الحليم عويس رئيس تحرير المجلة: إن الإسلام اهتم بالأسرة اهتماما خاصا، فالأسرة في الإسلام لا تنظر للزواج بوصفه مجرد عملية إنسانية أو إلتحام جسدين؛ ولكنها فوق ذلك عملية عبادية وهى الطريق الوحيد لكى تبقى الحياة البشرية لائقة بإنسانية الإنسان، فلا أسرة بلا زواج؛ لأن أى أسرة تكونت خارج نطاق الزواج هي أسرة حيوانية.
وأشار إلى افتقاد الغرب لهذه الأسرة التي سقطت في الوحل وهُدمت، ووقعت في الشذوذ والزواج المثلى والانحراف والإنحلال، مؤكداً في الوقت نفسه اختلاف الأسرة المسلمة في نهجها وأهدافها… لأنها أسرة تحكمها علاقات ربانية للطرفين على قدم المساواة، وهى بنَّاءة حمتها الشريعة بضوابط جعلتها صمام أمان والخلية التي يبنى عليها المجتمع الصالح.
أجندة غربية :
ورفض د. المهدي مصطلح ” تحرير المرأة ” ووصف المنادين بتحريرها من سطوة الرجل كما يدعون بأنهم يهدفون لتحريرها من الدين والقيم والأخلاق لافتا إلى أن الأحكام الإسلامية التي يراد تحرير المرأة منها الآن لم يضعها الرجل للمرأة ، بل وضعها رب الرجل ورب المرأة . وأضاف د. المهدي : هذه المخططات وجدت صدى لها داخل بلادنا الإسلامية وصيغت لها القوانين فإذا كان الإسلام يجبر المرأة على الاستئذان من زوجها قبل الخروج، نجد أن هذه القوانين الجديدة تسمح لها بالسفر والترحال كما تشاء ودون إذن، كما أن هذه القوانين تلغى قوامة الأب والزوج فليس له سلطان طالما أن الفتاة بلغت الخامسة عشرة ليس عليها سلطان، ولها كامل الحرية في الممارسات المحرمة، وهو ما أفرز مشكلات أخرى كالعزوف عن الزواج والعنوسة كذلك أفسحت هذه القوانين للمرأة فرصة التخلص من زوجها من خلال قانون الخلع واستخراج جواز سفر بدون إذن زوجها.
وحذر من الدعوات الأخيرة التي تهدف إلى سن تشريع جديد أو قانون موحد للأحوال الشخصية لأن هذا يجعل الأحوال الشخصية مشتركة بين الإسلام وغيره رغم اختلاف الشريعة الإسلامية عن غيرها، فأن يكون هناك قانون للأحوال الشخصية يجمع المسلمين وغيرهم فإن المتنازل الوحيد هو الإسلام وليس غيره لأن غير المسلم لن يتنازل عن ثوابته التي لا تقر الطلاق وتعدد الزوجات وغير ذلك .
استهداف الأسرة المسلمة :
ومن جانبه أكد المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة خطورة ضرب الأسرة ، وقال إن الأسرة هي اللبنة الأولى للأمة وأن الإسلام دين الجماعة، وبدون الجماعة وبدون الأمة لا يكون الإسلام ومن ثم فإن ضرب الأسرة معناه ضرب الأمة وبالتالى ضرب الإسلام . وأشار إلى أن الإنسان بصفة عامة تعرض لمظالم كثيرة عبر التاريخ وفي كل المجتمعات لكن المرأة حملت من المظالم والقيود أكثر من الرجل ولذلك فنحن نعترف بوجود قضية للمرأة ولكن المشكلة بين المسلمين وغيرهم تكمن في طبيعة الحل، فنحن نريد تحرير المرأة بالإسلام وهم يريدون تحرير المرأة من الإسلام، لذلك فإن هناك نظرتين أو فلسفتين مختلفتين فيما يتعلق بالأسرة.
وأوضح د. عمارة أن الإسلام هو المحرر الحقيقى للإنسان رجلاً كان أو امرأة؛ فالإسلام جعل الرجل والمرأة من نفس واحدة وهذا لم يذكر لا في العهد القديم ولا الجديد وجعل الإسلام الميثاق بينهما ميثاقاً غليظاً وكلمة (الميثاق) في الإسلام لم تستخدم في القرآن إلا في العقد بين الرجل والمرأة، وفي الميثاق الذى أخذه الله تعالى على النبيين والمرسلين. وأكد أن الإسلام أقام الأسرة على ثلاث مكونات وردت في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21) فالسكن والمودة والرحمة هم مكونات الأسرة، وفي المقابل يريد (الآخر) أن تكون الأسرة شركة اقتصادية وبالتالى تتحول الحياة إلى حياة مادية!! في حين ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة مساواة الشقين المتكاملين، فالمرأة تغلب عليها العاطفة والرجل يغلب عليه الحسابات العقلية والقوة، وبالتالى يكون هناك تكامل بين الشقين في حين يريدها الغرب علاقة بين نِدَّين متساويين وبالتالى متنافرين. وأضاف د. عمارة: الإسلام دافع عن قضية المرأة ولكن المشكلة في تطبيق مرجعية الإسلام التي جعلت المرأة والرجل على قَدَمِ المساواة في العمل العام {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} (التوبة: 71) فكل فرائض العمل العام في المجتمع تأتى تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع المحافظة على التمايز الطبيعى بين الذكورة والأنوثة.
ويقول الله تعالى: {لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: 195) فالإسلام لا يريد أن يكون هناك استعلاء للذكر على الأنثى والقرآن الكريم عندما يتحدث عن العلاقة الأسرية يصل إلى درجة أن يقول لنا نحن نريد للمرأة والرجل أن يندمجا إندماجاً كاملاً كأنهما مادتين كيماويتين يتفاعلان فيتحولان إلى مادة واحدة كما قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (البقرة: 187)، وقال: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} (النساء: 21).
تحرير الإسلام للمرأة :
وعن دور المرأة ومكانتها في الإسلام قال الدكتور عمارة : إن المرأة شاركت مع الرجل في تأسيس الدولة وفي إقامة الدين، فهذه هي السيدة خديجة رضى الله عنها التي وقفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى وقالت له: “والله لا يخزيك الله أبداً” ووقفت معه بحكمتها وعقلها ومالها وصلابتها وحينما تُوفيت سُمى العام الذى توفيت فيه بعام الحزن… وأول شهيدة في الإسلام كانت امرأة (سمية بنت خطاب)، وائتمنت السيدة (أسماء بنت أبى بكر) على سر الهجرة، وربت ابنها عبد الله بن الزبير على الفداء والاستشهاد وتصدت لجبروت الحجاج بن يوسف حتى وهى كفيفة البصر، وكانت من قبل ترعى بيت زوجها وترعى فرسه وتحرث أرضه وتحافظ على غيرته الشديدة، وهى عائدة من الحقل وتحمل على رأسها متاعاً، فرق الرسول لحالها وقال لها اركبى على البغلة، فقالت للرسول : لكن زوجى شديد الغيرة، فاحترمت غيرة زوجها وهى تتحدث حتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل البشر، وفي الكتب التي رصدت الصحابة يوجد ألف امرأة رصدها العلماء ضمن ثمانية آلاف قيادة في المجتمع المسلم.
وأشار الدكتور عمارة إلى أن الإسلام هو المحرر للمرأة ولكنه يحررها وتظل أنثى، وتظل حقوقها محكومة بحقوق الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فنحن لسنا ضد مناقشة قضايا المرأة وتحرير المرأة واستخدام مثل هذه المصطلحات ولكن المشكلة في نموذج التحرير وفلسفة التحرير ومرجعية التحرير، فالأمة الإسلامية أمة لها دين مختلف ولها تاريخ مختلف وحضارة مختلفة، بينما الآخرون لهم تاريخ مشين ومرجعية مشينة لذلك هم لديهم مشكلات ليست لدينا وإذا كانوا قدموا لها حلولاً فهذه الحلول لا تلزمنا؛ لأن المشكلات أصلا غير موجودة.
المرأة في الشرائع الأخرى :
وسرد د. عمارة نماذج لمشكلات المرأة الغربية موضحاً أن القرآن والسنة لا تقول بالذى يقول به العهد القديم، فالشريعة اليهودية عندما يموت للمرأة زوج لا تتزوج إلا إذا افتدت نفسها من أخيه وكأنها عبدة أو أمة تشترى نفسها!! وفي التراث اليهودي الرجل يصلى كل صباح صلاة شكر لله لأنه لم يخلقه عبداً ولا وثناً ولا امرأة، فهذه المهانة التي حصل رد فعل غربي عليها غير موجودة أصلاً في الإسلام، وفي النصرانية التي سارت على خطى محرّفة يقول “بولس” في رسالته: ” ..
ذلك لأن الرجل عليه ألا يغطى رأسه باعتباره صورة الله ومجده، أما المرأة فهى مجد الرجل، فإن الرجل لم يؤخذ من المرأة بل المرأة أُخذت من الرجل، والرجل لم يوجد من أجل المرأة بل المرأة وجدت لأجل الرجل؛ ولذا يجب على المرأة أن تضع على رأسها علامة الخضوع…” حتى في الكنيسة غير مسموح للمرأة أن تتكلم ويسمع لها صوت وإذا أرادت أن تسأل تسأل زوجها في البيت، والآن ونحن في القرن الحادي والعشرين ليس هناك كنيسة نصرانية ولا كنيس يهودى يأتمن المرأة على الدين، أما المسلمون ومن أربعة عشر قرناً كانت هناك السيدة خديجة والسيدة عائشة وراويات الحديث والفقيهات، والمرأة التي تراجع عمر بن الخطاب على المنبر وتراجع الفقهاء والعلماء.
وأضاف الدكتور عمارة : التراث اليهودى المسيحى وغيره تراث ملئ بالعداء للمرأة سواء كان في الدين أو في الفلسفة أو في القانون أو في السياسة، فتقول “سيمون دى بوفوار” الزواج هو السجن الأبدى للمرأة يقطع أمالها وأحلامها ومؤسسة الزواج مؤسسة لقهر المرأة يجب هدمها وإلغاؤها!! إننا في الحضارة الإسلامية نجد أن العبقرية ارتبطت بالأخلاق أما في الحضارة الغربية فنجد عباقرة ولكن لا أخلاق لهم وتتكلم “سيمون دى بوفوار” عن أن جسدها هو ملكها وهى حرة فيه تزنى كما تشاء وتعمل إجهاض كما تشاء… وتتكلم أيضاً عن الغيرة فتقول: “الغيرة عاطفة برجوازية يجب التخلص منها” فهم يعتبرون الحياء مرضاً.
وخلص الدكتور عمارة من الأمثلة التي ذكرها إلى أن الأمة الإسلامية أمة متميزة ولها مرجعيتها الإسلامية، وهى مرجعية الفطرة أمام مرجعية معادية للفطرة، والغرب الذى يحاول تطبيق فلسفاته علينا يعاني الآن من الثمار المرة لتلك الفلسفات والتي في مقدمتها : الاغتصاب ، الطفولة غير الشرعية ، القضاء على العفة ، غياب الدفء العائلي ..إلخ
أحكام الأسرة في الإسلام :
شارك في الندوة الدكتور عبد اللطيف عامر أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الزقازيق موضحا ثوابت أحكام الأسرة في الإسلام التي تبدأ بالزواج وما يرتبط به من اختيار ورؤية وخطبة ، وأنه يخضع للأحكام التكليفية الخمسة وهى الحرام والمكروه والمباح والمندوب والواجب، فيكون الزواج في بعض الأحيان واجباً ويكون الزواج في بعض الأحيان حراماً وبين الواجب والحرام أحكام معينة وهذه ثوابت لا نستطيع أن نتحلل منها ، ومن الثوابت في الزواج أن هناك جانبين في عاطفة الإنسان جانب عام يشعر فيه بالانتماء إلى ما يسمى بالأسرة الإنسانية، فالإنسان السوى لابد أن يعترف أنه فرد في هذه الأسرة الإنسانية فالله تعالى خلق الناس من نفس واحدة قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} (النساء: 1).
والجانب الثاني البشري الفطري هو أن الإنسان يجب أن يعيش في ظل أسرة خاصة، وأن تكون له زوجة خاصة وأن يكون له أولاد يدينون له بالطاعة والولاء ويدين لهم بالانفاق والعطف وهذان الجانبان موجودان في نفس كل إنسان وجاء الإسلام لينظف كل العلاقات السابقة عليه من أشكال الزواج غير الصحيحة ويصحح كل هذه الاتجاهات.
الثوابت في عقد الزواج :
وإذا كان الزواج من الثوابت، فإن هناك ثوابت في إجراءات هذا الزواج، حيث أن كل العقود من بيع وشراء وهبة وغيره لا تحتاج لمقدمات لكن الزواج بالذات فإنه يحتاج إلى مقدمات ومن الثوابت في عقد الزواج ما يسمى بالاختيار لقوله صلى الله عليه وسلم: “تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس” وفيه ما يسمى بالرؤية لقوله أيضاً: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما” ، ثم إن هناك الخطبة والشبكة وعقد القران والمهر والدخول كل هذه الأشياء التي تعارف الناس عليها تعد من الثوابت في إجراءات الزواج.
وفيما يتعلق بالخطبة فهناك ثوابت خاصة بها فالإسلام يحرِّم خطبة الرجل على خطبة أخيه لكن إذا عدل الخاطب الأول يستطيع الخاطب الثانى أن يتقدم… ثم يفرق الإسلام بين النكاح والسفاح وبين النكاح والممارسات المثلية التي هي شذوذ في السلوك، وفي هذا الإطار يوضح أن عقد الزواج بأركانه من الثوابت وتوثيق هذا العقد من المتغيرات، فالعقد بما فيه إيجاب وقبول وتوافق يعتبر من الثوابت ولكن توثيق العقد فيما يسمى بعقد القران وتوثيقه في السجلات فهذا من المتغيرات ومن الأمور المستحدثة.
وأضاف الدكتور عامر : كذلك استئمار الأنثى أو استئذانها من الثوابت في إجراءات الزواج لحديث: “الثيب تستأمر والبكر تستأذن وإذنها صمتها” وهذا نوع من أنواع احترام إرادة المرأة واحترام شخصيتها لأنها لا تُجبر على زواج لا تريده.
اعتبر الإسلام “المحرمات من النساء”، والعدة قبل خطبة المعتدة من الثوابت وكذلك تعدد الزوجات وضوابطه وأسبابه من الثوابت وكما أن هناك ثوابت فإن هناك ثوابت في آثار الثوابت
إبطال التبني :
ومن الثوابت أيضاً تصحيح النسب وفرق كبير بين تصحيح النسب والتبني فالله تعالى يقول: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: 4)، ولقد كان من تشريعات اليهودية إذا مات الأخ يجب عليه أن يدخل على زوجة أخيه وأن يتعامل معها وأن يجعل نسبه منها نسباً وامتداداً لأخيه الذى مات يعنى الولد المولود ينسب للأخ الذى مات وهذا صريح في نسبة الولد لغير أبيه والله تعالى يقول: ” ..ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله” وكذلك في المسيحية التي تعتبر التبنى وتجعله أساساً للتوارث ومانعاً من موانع الزواج، ولكن عندما جاء الإسلام وأبطل التبنى كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من وقع عليه نظام إبطال التبنى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (الأحزاب: 37).
حقوق الأطفال :
وأكد الدكتور عامر أن حقوق الأطفال والمحافظة على حياة الجنين من الثوابت في أثار الزواج فلا يصح الاعتداء على حياة الجنين بل إن حضانة الطفل وتربيته بعد أن يولد من الثوابت، كذلك حقوق الطفل في الميراث وثبوت النسب والإقرار بالنسب وهناك ذمة وأهلية وجوب وأهلية أداة، ويعتبر الطفل متى وجد جنيناً له أهلية وجود ثم أهلية أداة ثم تتضح هذه الأهلية حين يتكلف بالتكاليف الشرعية بعد ذلك.
الطلاق من الثوابت :
ويؤكد الدكتور عبد اللطيف عامر على أن الطلاق من الثوابت الشرعية، فهناك دعامتان في بناء الأسرة الدعامة الأولى تفهم في قوله تعالى: “وجعل بينكم مودة ورحمة” وهذه دعامة نفسية موجودة في الزواج وفي بناء الأسرة، الدعامة الثانية تتمثل في الإنفاق {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34)، ومن ثم فإذا اختلت إحدى الدعامتين أو كلتاهما فهل يسارع الرجل بالطلاق ؟.
أجاب الدكتور عامر على ذلك فقال : إذا اختلت الدعامة النفسية يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقاً رضى منها خلقاً آخر” فإذا كان من المفترض وجود الحب والود والمودة إلا أنه في بعض الأحيان تختل هذه الدعامة النفسية فليس شرطاً أن يكون هناك حب أو عشق وإنما يكون هناك إتفاق على بقاء هذه الأسرة وإتفاق على بقاء هذا البنيان… وإذا اختلت الدعامة الثانية المادية وهى الانفاق يفسح الإسلام مكاناً للمرأة الغنية أن تنفق على بيتها وعلى زوجها وأن يكون ذلك ديناً على زوجها إذا أيسر، ولا تكون هناك مبادرة سريعة بالطلاق ولكن كما قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء: 35)، وقال: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء: 128) وقال: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (النساء: 34).
وكل هذه محاولات لتضييق شقة الخلاف بينهما ولكن إذا لم يكن هناك سبيل للصلح والتوفيق فإن آخر الدواء هو اللجوء “للحلال البغيض” فكما جاء في الحديث: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق” والله عز وجل يقول: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} (النساء: 130)، وهذا يكون خيراً من حياة زوجين متنافرين متشاكسين يضرب كل منهما الآخر ويكبل كل منهما الآخر، لأن الإسلام منهج ثابت في بناء هذه الأسرة محكوم بضوابط الإسلام. وختم د. عامر كلمته بقوله : أعتقد أن مصطلح ” الأحوال الشخصية ” لا وجود له في الإسلام ، ذلك أن جميع المعاملات يعتبرها الإسلام أحوالا شخصية .