الجمعة 27 ديسمبر 2024 / 26-جمادى الآخرة-1446

اصنع مليونيرا



كان مالك إحدى الشركات غنيا للغاية، وكان لديه: (45) مليونيرا يعملون لديه، سأله أحد الصحفيين: “كيف تمكنت من إقناع هذا العدد الكبير من المليونيرات أن يعملوا لديك؟ أجاب: “عندما بدأوا العمل لدي لم يكونوا مليونيرات، إن إخراج أفضل ما في الناس يشبه البحث عن الذهب.. يجب أن تستمر في الحفر وإزالة التراب حتى تكتشف عرق الذهب”.

 

 

 

أضعفُ الإدارات تلك التي همها الحضور والانصراف، بينما لم تكلف نفسها أن تقيس ما بينهما من الإنتاج الفردي للموظف، ولا حتى الإنتاج العام للمؤسسة، فهي- أصلا- لا تملك استراتيجية ولا خطة تشغيلية، فقدت روح العلاقات الإنسانية في القيادة، ولذلك فإنها تتعامل مع أجساد لا أرواح، ولذا لا يحس منسوبوها بالنماء حتى فقدوا الانتماء.

الدور المنوط بالمؤسسات هو الإسهام في صناعة الإنسان المبدع، المنتج، المتحضر، وليس استهلاك طاقته لتمرير الأعمال المحنطة عبر أنامله.

هو السؤال الذي تجيبه (أرامكو السعودية) بالفعل دون الحاجة لنطرحه عليها: كيف استطاعت هذه الشركة العملاقة أن تحشد كل هذه الألوف بصياغة خاصة، لا تتشابه مع الآخرين؟ ولك أن تسأل متقاعديها (وهم الذين أمضوا غالب أعمارهم فيها) عن أثرها في بناء شخصياتهم، وتشييد منازلهم، وتعاملهم مع أسرهم، وذوقهم الرفيع في قيادة سياراتهم، ومدى رغبتهم في الانضباط واحترام الأنظمة؛ لتعلم أي أثر يمكن أن تتركه المنظمة المؤسسية في موظفيها.

نحن نحتاج إلى مؤسسات اجتماعية قادرة على بناء الإنسان الذي يقدم الخدمة فيها، وليس الاقتصار على تقديم الخدمة للمستفيد الأخير، دون الاهتمام بمقدِّمها، وهو سبب الانكفاء الذي نراه في بعضها حتى تتآكل وتضمحل، وقد تغلق، وهو سبب التسرب الذي يحولها إلى مجرد محطة انتظار لموظفيها للبحث عن أفضل منها، وهو سبب ضعف الخدمة المقدمة منها كما وكيفا، وقد يرجع ذلك إلى تقليل المبالغ المخصصة لتدريب منسوبيها وتطويرهم، وعدم وجود رؤية واعية عند إدارتها.

نحن نحتاج إلى أندية أدبية تصنع الأدباء لا أن تكون لهم مجرد (كوفي شوب)، أو مطبعة كتب، أو استراحة من عناء العمل الرسمي.

نحن نحتاج إلى جامعات تصنع الباحثين العالميين، بتبني نموهم المعرفي، وتمويل أبحاثهم، وتفعيل قدراتهم في التقدم الذي ينشده الوطن، لا أن يبقوا مدرسين فقط، حتى سمعت أحد المسؤولين في جامعة ما يقول لعضو هيئة التدريس النشط في المجال الإبداعي والاجتماعي: “مهمتك هنا تقديم المحاضرات للطلاب فقط”، في إشارة منه لتضايقه من مشاركاته العامة، نعم من مهماته التدريس، ولكن ليس كل مهماته التدريس، بل مهمته الأساس تطوير الحياة كلها من حوله، فإذا لم تكن الجامعات مسؤولة عن الإنتاج المعرفي والتطوير الحضاري للدولة وللمجتمع، فَمَنْ إذن؟ وما الفرق بينها وبين المدارس العامة؟

نحن نحتاج إلى الأسرة التي تصنع العظماء والمخترعين والأفذاذ في كل فن، لا أن تتوهم أن مهمتها فقط توفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن، فما الفرق بينها وبين جمعيات الأيتام إذن؟ والأسر التي كل أولادها مبدعون أو نالوا درجات علمية عالية لم يولدوا كذلك؟

تحديد الأهداف الخاصة بكل فرد داخل منظومتي العمل والأسرة، ووضع الخطط الكفيلة بتحقيقها سيؤدي بعون الله إلى النجاح في صناعة العنصر البشري المنتج، ولن يكون مستجلبا، ولا طارئا، ولا راغبا في غيرها.

مثال:

مؤسسة استشارية تضم مئات المستشارين منوعي التخصصات، مما يوازي ما تضمه عدد من المؤسسات المثيلة، وبتأهل عال، وخبرات متميزة، دائما تواجه هذا السؤال: كيف استطعتم أن تقنعوا كل هؤلاء أن يفضلوا العمل معكم دون غيركم؟ وكيف استطعتم أن تحافظوا عليهم طوال هذه السنين؟ جواب المؤسسة بكل سهولة: “معظمهم حين انضموا إلى المؤسسة لم يكونوا مستشارين”.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم