الأحد 22 ديسمبر 2024 / 21-جمادى الآخرة-1446

إذا كبر ابنك صاحبه



هل نحن نتحاور مع أبنائنا؟ سؤال بالغ التعقيد رغم سهولته!، فالأحاديث الكثيرة التي نتداولها مع الأبناء ليست بالضرورة ترتقي لرتبة الحوار، ولا تصل للنتيجة المبتغاة لأنها حديث من طرف يرسل دائماً إلى طرف آخر يفترض منه الاستقبال دائماً، وهذه قاعدة هشة لا يُبنى عليها أي طموح.

إننا بحاجة ابتداء للإيمان بالاستماع الفاعل، والتحلي كآباء بثقافة الإنصات، فالحوار الحقيقي يحتاج لإنصات حقيقي، والأب المثالي هو الذي يتقن فن السؤال والاستماع كما يتقن فن التوجيه، بل ويتعدى ذلك لمحاولة تشجيعه على التوغل في وجهة نظره ولو كانت خلاف مزاج الأب أو الأم، والحوار المكتمل بين الأبناء وآبائهم بكافة أشكاله هو فرصة مهمة لتعزيز الثقة في نفس الابن أو البنت، وفتح الطريق للتعبير عن الذات.

تعوّد كثير من الآباء على الحديث مع الأبناء بصيغ الأمر والنهي والنقد والتوجيه، وحتى في الحوار فإنه يتحول إلى حوار عامودي يأتي من الأعلى إلى الأسفل، وهذا النمط من التواصل لا يصنع الحوار الأهم والأكثر تأثيراً، فالنمط العامودي يحمل رسالة التعليم بروح الأمر والنهي، بعكس الحوار الأفقي بين الأبناء والآباء فهو يحسس الأبناء باحترام شخصياتهم، ويعطيهم دفعة تشجيعية قوية إلى الأمام، فهي رسالة بناء وإنضاج بروح التفاوض.

البعض قد يؤمن بالحوار مع الأبناء ولكنه يتجنبه خوفاً على الهيبة أن تمس، فيبقيه في حدود معينة مضمونة العواقب، وحالة الخوف المبالغ فيه من الطرفين تصنع حواجز نفسية بين الابن وأبيه، وتفوّت فرصاً كثيرة كانت جديرة بالحوار، وماعلم هذا الأب أن الحوار يزرع الاحترام، وفقده يزرع الحواجز والخوف.

من أخطر الأساليب التي ينتهجها بعض الآباء مع أبنائهم في الحوار هي الاستهزاء بأشخاصهم لقتل أفكارهم، فيحاول التقليل والتهكم من شخصيته فيكون انعكاسها سلبياً على آرائهم ونفسياتهم.

وبعض الآباء يحاول استخدام قدراته العقلية أو تفوقه في المعلومة لكي يمارس أسلوب “التعجيز” مع هذا الابن الذي يريد أن يحاور، فهو نوع من إسقاط الحوار قبل أن يبدأ، وهذا ينافي أهداف الحوار المستهدف من الأساس.

ارتفاع سقف الحوار علامة صحية ودلالة إيجابية في وعي الأب، وهذا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يغضب من الشاب الذي جاء يستأذنه بالزنا، بل قربه إليه وأجلسه بجواره وحاوره بعقلانية وهدوء، فالغضب وإرهاب الابن ليس هو النتيجة الأكثر وعياً للأب المحاور.

عندما يدور رحى الحوار حول أخطاء الأبناء، وفي لحظات المصارحة والمكاشفة مع الأبناء يجب تأجيل اللوم، والنقاش والمُدَارسة المستقبلية أهم من العقوبة الآنية.

الحوار الأسري ليس جلسات مغلقة لها طقوس متحفزة، فالأحاديث العابرة فرصة كبيرة لتحفيز الحوار وتشجيع الأبناء لإبداء الرأي والحوار حوله، وبرامج التواصل المكتوبة كالواتس أب ونحوها فرصة أخرى لأن بعض الأبناء يعبر بالكتابة بشكل أفضل من المحادثة الشفوية.

في تراثنا مثال جميل: (إذا كبر ابنك خاويه)، وأنا أقول: خاويه حتى قبل أن يكبر، وتذكروا أن الابن سيخرج إلى المجتمع بصورة متطرفة إذا فقد أجواء الحوار، وفي كل أنحاء العالم لا تسأل عن الإنتاج الذي يغيب عنه الحوار في أجواء يخيم عليها استبداد سياسي واجتماعي وأسري.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم