ازدادت نسبة عقوق الأولاد عن ذي قبل، وإن كانت ليست ظاهرة في مجتمع يقدس (بر الوالدين)، ولكنها في بعض الإحصاءات الرسمية فاقت كل أنواع العنف الأسري الأخرى، حسب ما اطلعت عليه.
ولا شك أن من أسبابها المتغيرات الإعلامية الشرسة التي افترست عقول الأولاد، وربما حتى افترست أجسادهم بمأكولات وملبوسات وتسليات أصبح لها تأثير على سلوكهم.
ويبقى للتعامل الأبوي أثر كبير في حدوث البر أو العقوق، فهناك من عقَّ ولده قبل أن يعقه، كما في الأثر الشهير عن عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ، وإن مما اتفق عليه النفسيون أن الإنسان ينطبع بالصفات التي تلصق به، فإذا نودي بالعنيد أثبت ذلك بالعناد، وإذا نودي بالغبي تخلف، وإذا نودي بالمشاغب، استشاط ليثبت جدارته بهذا اللقب البطولي.
فلماذا لا يقلب المربون الألفاظ؛ ليعيدوها إلى طبيعتها، أنت إنسان طيب، خلوق، مطيع، محب لإخوانك، تؤثر أصدقاءك، تحب القراءة والمذاكرة، وغيرها من الصفات التي توحي فعلا للابن أن يحمل هذه الصفات فيبدأ في التغيير نحو الأفضل.
إن الإنسان ـ بشكل عام ـ يحتاج إلى مداراة ومداخل؛ للنفاذ إلى نفسه، والتأثير فيها، وهو هدف التواصل أصلا، ويكون ذلك بعدد من وسائل التهيئة النفسية لمحاورة الولد، منها: النداء الرقيق، بإضافته إلى الولد: يا بني. يقول الله عز وجل على لسان لقمان الحكيم؛ وهو يعظ ولده: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [سورة لقمان 31/17]. وبالنداء العاطفي الحميم: يا حبيبي.. تعال معي لنتناول الغداء. وبالتكنية: يا أبا فلان. يقول أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: “إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير”، وباسمه مكبرا لا مصغرا: يا محمد.. وليس: (يا حميد) مثلا.. إلا تملحا. ثم يبدأ الحديث بإظهار مشاعر ودية، فإن إظهار الحب والتعاطف يساعد الولد على نموه النفسي؛ ويمكن الوالد أن يستخدم كلمات دالة على ذلك في بدء حديثه، ويظهر بشاشة خلال اللقاء به، وأن يأخذ بيده أو يضع يدك على كتفه.
“عندما تكون الكلمات مضمخة بمشاعرنا الحقيقية المتعاطفة، حينئذ تنفذ مباشرة إلى قلب الولد”، كما يقول لأديل فابر، وإيلين مازلش.
وليعلم الوالد أن الكلمات والإيماءات التي تدل على الكراهية تؤدي إلى اضطراب نفسي وضمور الشخصية لدى الولد.
ومن أفضل الوسائل النفسية لتهيئة الولد للاستجابة للتوجيه أسلوب الاسترخاء البدني والنفسي، حينما يكون الولد في حالة شد عصبي أو جسدي، فيمكن أن يفعل التالي: يحترم مشاعره ويبدي قبولها، (من حقك أن تغضب من أستاذك لأنه ضربك أمام زملائك)، ثم أظهر للولد أنك تنصت لما يقوله لك (هيه.. قل.. أكمل، أوه.. ام..) مع هز الرأس، وانبهار العينين، و… ثم كرر بعض ما يقوله لك بصياغة سليمة وعاطفة جياشة (أمام الطلاب؟ أوه..). وإذا استطعت فسم مشاعره، وانتظر تصحيح الولد لك: ـ إذن تأثرت؟ فقد يجيب الولد: بل أحسست بالقهر!، فتعيد: إذن أحسست بالقهر؟! هنا سيرتاح جدا؛ لأنه أحس بأنك فهمت مشاعره، وصدقتها أيضا، وأصبح جاهزا لآخر الجولة، وهي: حل مشكلته بنفسه والتصريح بالحل الكامن في نفسه، أو الاستماع إلى التوجيه، واختم الحوار بالتجاوب معه وتقديم النصائح والمقترحات، واستمع لرأيه فيها، مثل: هذا أستاذك ومن حقه عليك احترامه، كما يمكنك يا حبيبي ألا تمكن الأستاذ من إيذائك مرة أخرى، بأن تحرص على أداء واجباتك، وأن تنصت جيدا للدرس.. بارك الله فيك.
كل ما في الأمر هو أن تكشف لولدك واقعه الداخلي ليحسن التعامل معه.
إذا لم نتعامل مع أولادنا في هذا الزمن بمثل هذا، فلا نسأل ـ بعد ذلك ـ عن الانحراف، والجنوح، والتخلف الدراسي، والعقوق!!.