إنّ عالم النفس الأمريكي غوتمان استطاع من خلال مراقبته للطريقة التي يتصرف بها الزوجان في أثناء الخلاف أن يتنبأ بالعلاقات الزوجية التي ستنتهي بالطلاق خلال ثلاث سنوات بنسبة من الدقة وصلت إلى 94% فما العلامات التي لاحظها غوتمان والتي استطاع من خلالها أن يتنبأ بمصير العلاقة الزوجية بهذه الدرجة من الدقة؟ لقد وجد غوتمان ثلاث علامات أساسية تميز الخلافات بين الأزواج الذين تنتهي علاقتهم بالانفصال وهي:
1- الهجوم الشخصي بدلاً من انتقاد الفعل:
لا أحد منّا يحب أن يُهاجم حتى ولو كان على خطأ! عندما يُهاجم الإنسان تتحرك في نفسه المشاعر السلبية تجاه الشخص الذي هاجمه ولا يفكر إلا في الرد بهجوم معاكس، فإذا قال الزوج لزوجته مثلا: “أنت مهملة” لأنها لم ترتب المنزل فلا يتوقع منها أن تسارع إلى ترتيب المنزل، بل سترد عليه بهجوم معاكس وتقول: “أنت أناني لا تفكر إلّا في نفسك ولا تقدر الجهد الذي أبذله في أعمال المنزل”. أما إذا قال لها: “هناك الكثير من الأشياء المبعثرة على الأرض” فعندها ستصلها رسالة الزوج بأنّ عليها أن تبذل مزيداً من الجهد في ترتيب المنزل دون أن تشعر بالاستفزاز والمهاجمة. ولا تكفي الكلمات اللطيفة هنا، بل لابدّ من الأسلوب اللطيف أيضاً، فقد يقول الزوج لزوجته: “هناك الكثير من الأشياء المبعثرة على الأرض” بلطف ورفق وقد يقولها بحنق وغضب، فالطريقة التي تقال بها الكلمات تلعب دوراً أكبر بكثير من الكلمات ذاتها. عندما يراعي كلٌّ من الزوجين مشاعر الطرف الآخر في أثناء انتقاده ويتجنب الهجوم والإساءة فإنّ الطرف الآخر سييرد على هذه المراعاة بالمثل أمّا عندما يتعمد كلّ منهما الجرح والإساءة فستشتعل بينهما حرب ضروس سيكون النصر فيها لمن يسبب للآخر أكبر قدر ممكن من الأذى والإساءة!
2- اتخاذ الموقف الدفاعي دائماً:
عاتبت سلوى زوجها حسان قائلة: “منذ فترة طويلة لم نخرج معاً” فكان رده: “ألا ترين كم أنا مشغول” فأجابته: “مشغول.. مشغول.. دائماً مشغول وكأنني غير موجودة في حياتك” هذا مثال على الموقف الدفاعي الذي يتخذه أحد الزوجين عندما يلومه الزوج الآخر. يستطيع كلّ واحد منا أن يجد تبريراً لأيِّ عمل يقوم به وقد يكون هذا التبرير منطقياً ومعقولاً لكن العلاقة بين الزوجين لا تقوم على التبريرات المنطقية، وإنما تقوم على تفهم المشاعر واحترامها. فلو أنّ حسان أجاب زوجته قائلاً: “أقدر شعورك بالوحدة يا عزيزتي، بعد أيام وبمجرد انتهائي من المشروع الذي يشغلني سنخرج إلى العشاء معاً” لو قال حسان ذلك لزوجته لتفهمت سبب انشغاله وانتظرته حتى يفرغ للخروج معها. هذا لا يعني أن تبرير التصرفات هو أمر ممنوع، لكن التبرير وحده لا يكفي، بل قد يؤدي إلى نتائج معاكسة إذا لم يترافق بتفهم للمشاعر ومراعاتها.
3- مقابلة الطرف الآخر بالجمود واللامبالاة:
يعاني عدنان من توتر دائم في علاقته الزوجية. صحيحٌ أنّه لم يعد يتشاجر كثيراً مع زوجته، لكن مشاعره تجاهها أصبحت أكثر سلبية مما كانت عليه عندما كانا يتشاجران. فهو يأتي من عمله ويتناول طعام الغداء بسرعة، ولا يتحدث مع زوجته إلا في الأمور الضرورية، بعد ذلك يدخل إلى غرفته لكي يرتاح وفي المساء يختفي خلف جرائده أو يقضي السهرة مسمِّراً نظره على التلفزيون. قد يسود بعض البيوت هذا الهدوء الظاهر المبطن بدرجة كبيرة من التوتر والمشاعر السلبية، ويصل الزوجان إلى هذه المرحلة عندما يقتنع كلٌّ منهما بأنّ الطرف الآخر لا يفهمه، وهكذا يدخل الزوجان في حالة من التعايش يتصرفان فيها وكأنّهما نزيلان في فندق، ويقتصر التفاعل بينهما على الأمور التي يحتاجان إليها لتسيير شؤون المنزل والأولاد، ويتخلل هذا الهدوء المحتقن فترات من الشجار والانفجار العاطفي يعبِّر خلالها كلّ منهما عن مشاعره السلبية تجاه الآخر، ثمّ تعود الهدنة المفتوحة بينهما، وقد ترسخت عند كلّ منهما القناعة بأنّ لا جدوى من الحديث مع الطرف الآخر. عندما يصل الزوجان إلى هذه المرحلة غالباً ما تنتهي العلاقة بينهما بالطلاق إذا إذا كانت هناك موانع اقتصادية أو اجتماعية.
لكي لا يصل الزوجان إلى هذه المرحلة يجب أن يظل التواصل قائماً بينهما فالانسحاب والانعزال لا يحل المشاكل بل يزيدها تفاقماً، وأكثر ما يساعد على التواصل هو احترام مشاعر الطرف الآخر، والحرص على عدم إيذائها. هذا الاحترام عندما يحققه أحد الطرفين لا يستطيع الطرف الآخر إلا أن يبادله باحترام مماثل، وفي ظل الاحترام المتبادل سيشعر كلّ طرف بالأمن عندما يتحدث مع الطرف الآخر وبأنّ هذا الطرف لن يتجاهله أو يهزأ منه، بل سيتقبله ويتفهمه، ولو لم يتفق معه في الرأي، وعندها لن يضطر أيّ من الزوجين إلى الانسحاب والاعتزال وبناء جدار سميك يفصله عن الآخر.
المصدر: كتاب الذكاء العاطفي في الأسرة