الخميس 19 سبتمبر 2024 / 16-ربيع الأول-1446

اقرأني إذا كنت شابا .. فقط



أريد أن أحكي لك حكاية يا ولدي، ليست من صنع خيالي، ولا من بنات أفكاري، لكنها دهمتني فأفزعتني.
التي قصتها عليَّ لم تنم ليلتَها، ترك التسهيد خنادق رهيبة في دهاليز نفسها، ظهر في تهدُّج صوتها، وحشرجةٍ مرة خنقتها أكثر من مرة، وهي تحاول أن تغالب عبرتها.
كانت الحيرة تلفُّ رُؤيتها، وتعصف بعقلها، أحست بأنها لا تستطيع حتى التفكير المنطقي السليم، الذي يجعلها قادرة على اتخاذ قرار سليم، لا يؤذي حبة قلبها، وفلذة كبدها، وجمال حياتها.

نعم .. لقد آذاها كثيرا من حيث يعلم، ومن حيث لا يعلم، لكنها لن تؤذيه أبدا، وحتى لو تصرفت بحزم إزاء ما أرّقها منه وأنهك عافيتها .. فهي أولا وأخيرا: (أم).
صدقني .. لقد ربيته منذ طفولته على الإيمان، وأرضعته حبَّ الله – تعالى – ونما لحمه ودمه على الفضيلة، وأودعته مدرسة تحفيظ القرآن الكريم منذ الابتدائية، ونقّيتُ بيتي من كل ما قد يجرح تنشئتَه، واليوم أنا أحسُّ بأنني فشلت في تربيته، والصدمة أكبر من أن أصفها لك.

لا أخفيك أن هذه القصة لم تكن – للأسف – حالة شاذة، ولا نادرة، لكنها .. أيضا ليست – ولله الحمد – سائدة ولا ظاهرة، فقط ما أريده منك أن تحدد موقفك مما قرأتلقد ضاقت عليَّ الدنيا بما رحبت، هل هذا الذي يخون تربيتي له: (ولدي)؟ هل هو ـ بالفعل ـ الذي تلبّستُ أيامَه ولياليَه؛ حتى لا يختل تحت قدميه الجسر، ولا يتيه في عتمة العصر؟
آهٍ من كمدٍ لا آخرَ له، لقد رأيت في مراسلاته ما يُنبئ عن انحراف لا أدري ما حجمُه؟ ولا أدري كيف سيتناساه جسمُه، وقد حذرني المرشدون من مغبة آثاره، وأنه ربما بقي بقية عمره يعاني من أضراره.
المصيبة الكبرى التي تشظت مثل قنبلة مجنونة في صدر أم رؤوم، هي: من اختطف ولدُها منها؟ 
من الذي أخذ بقلبه عنها؟ كيف تربيه على الشموخ، ويرضى لنفسه الخنوع؟ كيف تستشرف له مستقبلا مبهرا، وهو يرتكس في نُقاعة من خطيئة دنيئة، مَن هؤلاء الذين دخلوا عليها بيتها من خلال شاشة جواله؟ 
كيف يفضلهم على قيمه وأخلاقه التي ربته عليها؟ بل، كيف يفضلهم عليها هي شخصيا؟ كيف استجاب لهم؟ ألم يفكر في حُرقةِ قلبها عليه؟ ألم يتخيل ماذا ستؤول الأمور إليه؟
نعم كثير من شبابنا يظن الاستجابة لنزوة عارضة، سحابة صيف، ورنة حَجَرٍ في نهر، وتهادي ورقةٍ من شجرة، لا .. بل هي بداية كل مدمن خمر، وضحية مخدِّرات، ومجرم عصابات.
لا ألومها إذا انتحبت دما، فالخسارة في المال لها عوض، لكن خسارة الدين والخلق والفضيلة لا عوض لها.
ومن حقها وحقه عليَّ ألا أذكر من ملامح القصة إلا ما يتكرر، وأطوي التفاصيل الدالة على الأشخاص؛ منهجا أتبعه ما استطعت.
لا أخفيك أن هذه القصة لم تكن – للأسف – حالة شاذة، ولا نادرة، لكنها .. أيضا ليست – ولله الحمد – سائدة ولا ظاهرة، فقط ما أريده منك أن تحدد موقفك مما قرأت، وأن تبني على موقفك هذا سلوكا يليق ببنوتك، وبجلال حبك لأمك.
بل أن يكون لك موقف أكثر إيجابية .. بأن يكون لك دور فيمن حولك من الشباب، الذين استدبروا طفولتهم وراء ظهورهم، وتنكروا لمن تخلقوا في جوفها، وكأنهم نبتات برية، ليس لها باذرٌ، ولا راعٍ، ولا ساقٍ.
فرق بين من يرفع رأس والديه عزَّا وفخرا، وبين من ينكسهما ذلا وقهرا.
بين من يتوراى والداه عن الخلق خزيا، وبين من يرفع الله به ذكرهما في الدنيا، ودرجاتهما في الآخرة.
ولدي .. كن لوالديك .. من أيهما تريده أنت – مستقبلا – من ولدك.

Dr_holybi@ تويتر


 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم