صدمة شديدة تلقاها مشاهدو أحد البرامج الفضائية، حين قرر الضيف الكريم أنه لا يوجد حبٌّ بين الزوجين، وأن من الأوهام السائدة في العالم العربي الاعتقاد بوجود (حب) في العلاقة الزوجية؛ معللا ذلك؛ «بأن العلاقة تختلف تماما عن العلاقة الشعورية قبل الزواج»، حينها قلت: إنه يريد أن يقول: إن (الحب) العاطفي الفارغ من المسؤوليات، الذي لا يتمثله واقع، وإنما هو مجموعة من الرومانسيات، والوعود المؤجلة، وتبادل مشاعر مهما كانت حقيقية، كل ذلك سيضمحل بعد الزواج؛ ليواجه الزوجان حياةً عملية، وعِشْرة يومية، فيها من الحقوق والواجبات، ما يحتاج معه إلى شعور آخر أطلق الله تعالى عليه: (مودة)، ووصف المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الزوجة بالودود، وقد قال الضيف: «تبقى المودة»، وهنا تقع إشكالية المصطلح التي اصطادت الضيف؛ فمن الذي فرَّقَ بين الحب والمودة، فالمودة هي المحبة -كما في معاجم اللغة-، بل هي خالص الحب، فمن كثر حبه سمي ودودا، وهي الكلمة التي تجمع في معناها الوئام مع المحبة، وهو ما تضيفه الحياة الزوجية إلى الحب.
وعند النفسيين تعني المودة: «الشعور بالانسجام بين شخصين، أو أكثر، شعورا ينبع من الاحتكاك الاجتماعي والعاطفي الدائم»، ونلاحظ كلمة الدائم، فالاستمرارية هي أبرز خصائص الحب الزواجي.
لكن الضيف أخرج مصطلح (الحب) تماما من دائرة الحياة الزوجية، ولو بعد ثمانية عشر شهرا عند الرجل، وأربع سنوات عند المرأة، بينما يستخدمه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويؤكد بقاءه حتى بعد وفاة زوجته خديجة؛ فيقول عنها ـ رضي الله عنها ـ : «إني قد رُزِقْتُ حُبَّها» رواه مسلم. فكيف يذبل (الحب)، وقد بقي مورقا، تتمايل أغصانه الطاهرة حتى بعد وفاة أحد الزوجين، بل إن الشواهد على وفاة أحد الزوجين ـ بعد الآخر بقليل ـ كثيرة وعجيبة، وأكثرها موت الرجل بعد امرأته.
ثم يصدمنا الضيف الكريم بقضية أخرى: هي: أن المرأة تخطئ حين تعطي زوجها مشاعر عميقة جدا، حتى إنها تستهلك من المشاعر سبعة أضعاف الرجل، فينفد ما عندها، وهو ـ كما يقول ـ سبب انتشار ما يسمى: (الطلاق العاطفي)، حيث يوجد من كل عشر حالات سبع حالات طلاق عاطفي في الوطن العربي؛ ويعلل ذلك بأن الوعي مفقود، فالمرأة تقوم بممارسات قاتلة مع الزوج؛ حيث تحرق المراحل التي سيمر بها الحب الزواجي فتعجل بانقضائه مبكرا، وهو ما يسميه الإغراق العاطفي، ثم يفسره بأنه الاهتمام الزائد بالزوج، وبهذا يصبح الاهتمام بالزوج عند ـ ضيف البرنامج ـ من خطيئات الزوجة، وهنا يدعم المقدمان هذا الكلام بتعليقات تزيد من توغل هذه المعلومة الخاطئة في نفس المشاهد، وأما أنا فأتذكر النصوص الشرعية الوافرة، التي تحث المرأة على الاهتمام الكبير بزوجها، وأنه بابها إلى الجنة، وأن السجود لو جاز لأحد غير الله تعالى لجاز لها (أن تسجد لزوجها)، بينما هو يناديها بأن تكون أنانية، «أحبي نفسك أكثر، عُمري ما سمعت زوجا يقول: إنه ضحى من أجل زوجته».
أما أنا فقد سمعت ورأيت رجالا كثيرين ضحوا ولا يزالون يضحون من أجل زوجاتهم في كل الميادين، بل سمعت اعترافات الرجال بحبهم لزوجاتهم بعد عقود من الزواج.
وكان الأولى أن يذكرنا الضيف الكريم بأن الحياة الزوجية شراكة يقودها الرجل، وليس أن نوهم الزوجة بأن الرجل يأخذ أكثر مما يعطي، إلى درجة 70/30، والعكس للزوجة!!
ثم (يزيد الطين بلة) حين يطرح سؤالا: الرجل متى يفسد؟ فيكون الجواب: «حين يتلقى كمية هائلة من المشاعر العاطفية، ولذا: فالرجل يجب أن يجوع عاطفيا، عندما يشبع يهرب تلقائيا».
إذن: أختي الزوجة، جوعي زوجك عاطفيا حتى تفتحي له عشرة أبواب من الشر والفتنة؛ وهناك قد لا تدركينه؛ لأنه يستطيع أن يحب عشرا من النسوة في وقت واحد كما أجاب الضيف مضيفه.