الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عندما يكره الإنسان أن يشاركه غيره في حقه، عندئذ نقول: إن هذا الإنسان يغار من غيره، لذلك فالغيرة تغيّر يحصل في الإنسان بسبب ما يلحقه. وترتبط الغيرة دائماً بالمرأة، وبخاصة غيرة الزوج [ ] على زوجته، وغيرة الزوجة [ ] على زوجها، وفيما يتعلق بغيرة الزوج [ ] على زوجته، فإنها تعني منعه لها عن التعلق بأجنبي بنظر أو حديث أو غير ذلك.
وسنحاول هنا التعرف على بعض النماذج التي نتبين منها مدى غيرة الرجل على زوجته، فهذا سعد بن عبادة -رضي الله عنه- يقول: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (تعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة).
وها هو الزبير زوج أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- يضرب لنا أروع الأمثلة على غيرة الزوج [ ] على زوجته، فتقول أسماء -رضي الله عنها-: (تزوجني الزبير وما له من الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضج وغير فرسه فكنت أعلف فرسه واستقي الماء وأخر زغربة وأعجن ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأسي، وهي مبني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال: أخ أخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلى أبي بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني).
نستدل من الصورتين السابقتين أن المسلم يغار على زوجته غيرة عظيمة، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهؤلاء الصحابة [ ] -رضي الله عنهم- أجمعين يضربون لنا أروع الأمثلة على الغيرة، أعني غيرةالزوج [ ] على زوجته، وتلك القدوة والأسوة الحسنة على كل مسلم الاقتداء بها في حياته، ولكن المشاهد أن الغيرة قلت لأسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أن الرجل انشغل كثيراً عن أهله بعمله وأعبائه اليومية، فلم يعد يسأل عن أهله باستمرار، ووسائل الإعلام سمحت لكثير من العادات والتقاليد الغربية على مجتمعاتنا تتسرب إلينا مما جعل قلة من الأزواج يستهينون بمسألة الغيرة على زوجاتهم، وكذلك الإقبال على ملذات الحياة الدنيا [ ] لدرجة الإسراف مما جعل تلك القلة بسبب شرهها للدنيا لا تقيم وزناً للغيرة.
وأتمنى أن تتعلم تلك القلة من هذه النماذج السابقة وغيرها كثير، وتعود إلى صدورهم مرة أخرى على نحو قوى، فيغارون على زوجاتهم.
ومن الضروري التنبيه على أن للغيرة حدوداً، فالغيرة الزائدة عن الحد قد تنقلب نقمة على صاحبها، أقصد أن الغيرة قد تتحول إلى شك من الزوج [ ] في سلوكيات زوجته لدرجة أنه قد يتهمها بالخيانة الزوجية، فنحن هنا ندعو تلك القلة إلى الغيرة على زوجاتهم على نحو ما تفعل الأغلبية من أزواج المسلمين، وذلك لا يعني أننا ندعو الجميع إلى الغيرة المفرطة التي قد تنقلب إلى الضد فتؤدي إلى انهيار الأسرة، لا، نحن ندعو إلى الغيرة العاقلة الملتزمة، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأسوة الحسنة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين