منذ قديم الزمان عُرفت مهنة العلاقات العامة كواجهة إخبارية أو إعلامية للكيانات المختلفة، لكنها لعهود مختلفة لم تحمل وقتها هذا المسمى الذي أوجدته العولمة، وتغيرات العصر الحديث.
ولأن لكل عصر أدواته صارت العلاقات العامة إحدى الأدوات الهامة في العصر الحديث، بما تملكه من آليات ونظم مطورة، يمكنها إيصال رسالة المنظمة أو الجهة إلى المتعاملين معها، بما يضمن تفعيل التواصل بينهم، وبشكل سريع، يتجاوز الروتين والبيروقراطية والمعوقات التواصلية الأخرى.
وفي الجمعيات الخيرية، كما في المؤسسات الأخرى، أصبح للعلاقات العامة دور ملحوظ في ربط الجمعية بمن يهتمون بتفعيل الدور الخيري للمجتمع، وترسيخ قيم التكاتف الاجتماعي التي حض عليها ديننا الكريم، بما يوضحه الأمر النبوي في هذا الشأن: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا”.
وتؤدي العلاقات العامة عدة وظائف تخدم من خلالها الجمعيات الخيرية، منها أنها تسمح للجمعية بالتواصل مع أعضائها، وبالتالي الاحتفاظ بهم، كما تساعد الجمعية على الوصول إلى أعضاء جدد وجذبهم.
أيضا تساهم العلاقات العامة مع الجمعية في توعية الأفراد والمجتمع حول قضايا معينة، باعتبارها من أنجح الوسائل التي يمكن أن تستخدمها الجمعية لكسب تأييد ومؤازرة الأفراد والمجتمع، بالإضافة إلى تعرف الأفراد والمجتمع على القضايا التي تتناولها الجمعية من خلال العلاقات العامة، فيتكَوّن لديهم تعاطف معها، خاصة إذا كانت هذه القضايا تهمهم؛ وبالتالي يكون ذلك سبيلا لتلقيها الدعم منهم.
وإلى جانب ما سبق تأتي المهمة الرئيسية للعلاقات العامة في تحسين صورة الجمعية من خلال إسهامها الفعال في تكوين الصورة الإيجابية حول الجمعية عبر تواصلها مع أفراد المجتمع؛ ما يؤدي في النهاية إلى استقرار الجمعية، واستمراريتها. ويعني ذلك أن دور العلاقات العامة والإعلام لا يقتصر على التعريف بأنشطة الجمعية فحسب، بل يمتد لاستقبال المعلومات من المجتمع ليعمل من خلالها على تطوير عمل الجمعية، لتلبية رغبات وحاجات المجتمع الداخلي من نواحٍ مختلفة، فضلا عن إنشاء صورة ذهنية إيجابية لها لدى المجتمع الخارجي.
لكن ما أريد التركيز عليه في هذا المقال هو التأكيد على أمر حيوي لاحظته من خلال خبرتي المتواضعة في مجال العلاقات العامة، وهو قلة البحوث العلمية التي تتناول هذا المجال، وأعني دور العلاقات العامة في الجمعيات والمؤسسات الخيرية، فالدراسات البحثية الجامعية في هذا الشأن تعد على أصابع اليد؛ نظرا لقلتها الشديدة، وأيضا نتيجة تركز البحث العلمي في المملكة على العلاقات العامة بشكل عام دون الدراسة المستفيضة لواقع تلك الأداة الهامة في مجال العمل الخيري، لا سيما بعد تأثر بعض تلك الجهات سلبيا نتيجة الخلط المشبوه والمتعمد أحيانا بينها وبين الجهات الداعمة للإرهاب؛ ما جعل كثيرين يتخوفون من المساهمة بطريقة غير مباشرة في تمويل إحدى تلك التنظيمات. وما يزيد الأمر سوءاَ بعض المقالات التي تنشر بين فترة وأخرى في الصحف، ويتحدث فيها أصحابها عن تلك الأمور دون دراية كافية، أو فهم متعمق، فيعملون ـ دون قصد ـ على تشوش الأذهان، ويرمون العاملين في تلك الجهات بتهم باطلة تؤدي بالنهاية إلى تصدير الخوف لمن في قلبه ميل إلى فعل الخير.
إن زيادة البحوث العلمية عن الجمعيات الخيرية ودور العلاقات العامة فيها من شأنه أن يكرس الاهتمام بهذا المجال، ويفتح له أفاقا مستقبلية يتم من خلالها التقريب الفعال بين العلاقات العامة كأداة للتواصل وبين المجتمع ككل كمتلقِ للرسالة الإعلامية للجمعية الخيرية، ولأن دور الإعلام باختلاف أنواعه يعد حيويا وضروريا وهاما؛ فإن تركيزه على الحراك البحثي العلمي في هذا الشأن من شأنه أن يخرج بالجمعيات الخيرية من الإطار القديم المرصود لها إلى إطار آخر أكثر شمولية واتساعا، حتى يحدث التمازج البنّاء بين تلك الجمعيات والوطن، وأيضا يغير كثيرا من الطريقة التقليدية التي تمضي عليها معظم أقسام العلاقات العامة في العمل داخل الجمعيات، فيصبح عملها أكثر ارتباطا بأدوات العصر الحديث، وعقلية من يعيشون فيه.