لا أحبُّ أن أنقل الخبر السيئ، وإن كان لا بد من ذلك، فأدع من يستهويه ذلك أن يقوم بهذه المهمة الكئيبة، فلا طاقة لي بأن أتحول ـ عن طريق الارتباط الشرطي ـ إلى جزء من كابوس دائم، سوف يلتف على عنق صاحبه كلما تذكر النبأ ولو بعد حين، لا سيما إذا كان النبأ مما لا يمكن أن ينسى.
فماذا سيصنع الأطباء، ومن يعملون في الأجهزة الأمنية، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومكافحة المخدرات، وغيرها؟ ممن يضطرون ـ بحكم عملهم ـ إلى أن ينقلوا الأخبار السيئة إلى آباء وأمهات وأولياء أمور، فيما حدث لأبنائهم وبناتهم.
كلنا يحب أن يتجنب نقل مثل هذه الأخبار المؤلمة، وقد يمر بعضنا بحالة عصبية عند الاقتراب من التلفظ بها كما يؤكد النفسيون.
لذا يحتاج الأمر إلى خبرة ورباطة جأش، لترتيب الأوليات، والتدرج مع من سيتلقى الخبر؛ دون أن يصدم.. فماذا سيقول الذي يريد أن يخبر الأهل بأن ابنهم مدمن مخدرات، أو أن ابنتهم وجدت في خلوة مع شاب، أو أن أباهم عثر عليه مقتولا، أو .. أي خبر تعيس، نسأل الله أن يعافينا والمسلمين من شره.
(الحقيقة) لا تسوغ للناقل أن ينقلها كما هي من أول وهلة، فوقع خبر الموت على أهل الميت ليس واحدا.
فهناك فرق بين من تعذّب بالمرض حتى رجا أهله له الفرج، أو من هو في غيبوبة وقد بلغ من الكبر عتيا، وبين من مات موتا مفاجئا، في حادث سير، أو بمرض صرعه في لحظة، أو مثل ذلك، فإن توقع الأثر على أهل المصاب مهم جدا في اختيار الشخص الذي يمكن الحديث معه، ومدى قدرته على تحمل وقع الخبر، وتصرفه تصرفا سليما حكيما.
والأفضل ألا يخبره في الهاتف، بل لا بد من الحضور إلا إذا تعذر، وأن يعرف ناقل الخبر بنفسه بهدوء، وبمركزه الوظيفي، ودوره في التعامل مع المقصود.
ومن الأفضل أن يأخذه بيده إلى مكان هادئ بعيدا عن أعين الناس؛ حتى لا يتأثر بهم، أو يتأثروا به، ثم يجلسا على كرسيين قريبين جدا من بعضهما، حتى لا يقع على الأرض، وليمسك به ويربت عليه إذا احتاج إلى ذلك.
ثم يفتتح الموضوع بأول القصة مما يهيئه للاستماع إلى النهاية المؤلمة، متجنبا الكلمات القاسية شديدة الوقع، مثل: مجرم، جنازة، سجن، أو ما شابه ذلك.
وهنا منحنى آخر للموضوع، هو: هل من حق المريض أن يعلم بمرضه، إذا كان مرضه قاتلا غالبا؟
(نعم)، وليس من حق أهله منع الأطباء من ذلك، فلعله يفي بدين، أو يقلع عن ذنب، أو يذكر أهله بحق له، أو يكتب وصية، أو يتحلل ممن ظلم، أو يعفو عن ظالم، ويكون ذلك بالطريقة السلسة السابقة.
وهناك ما يسمى الطب التلطيفي، الذي يُعنى بمثل هؤلاء المبتلين، ويقوم على العلاج النفسي والمعنوي للمريض، واستخدام الطب البديل لتسكين الآلام والأعراض، والدعم الاجتماعي والأسري، ومساعدة المريض على ممارسة حياته بشكل يلائم احتياجاته دون الإضرار بالآخرين، ومساعدته وذويه على اتخاذ القرارات.
من المهم ـ بعد هذا ـ أن يتم تحديد قسم خاص في المؤسسات الطبية والأمنية لنقل الأخبار السيئة إلى الأسر بكفاءة عالية، ويكون جزءا من قسم العلاقات العامة، ويتم تدريب الموظفين والموظفات على مهاراته، من قبل مختصين ومختصات في النفس والسلوك والطب التلطيفي.. وللجميع أتمنى السلامة.