الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

التمور .. الثروة القادمة



منذ أكثر من عشر سنوات، كنت أتحدث مع بعض المسؤولين والمختصين في مجال التمور عن الجمود الذي أصاب سوق التمور في واحة الأحساء، وتحوله إلى مجرد أكوام، تباع بأبخس الأثمان، وهي التي تحتضن أفضل أنواع التمور في العالم، وتضم غابة من النخيل تهتز بمليوني جذع، وتنهمر منها ملايين الأطنان، وتسيل من ردهات مستودعاتها أنهار العسل التمري (الدبس)، ولو لم يكن في النخيل ثمر، لكانت أجزاء النخلة من عرقها إلى سعفها كنزا ينافس الغابات العالمية، التي عرف الإنسان هناك كيف يستثمر كل عود فيها.

عاشت أمُّ النخيل وواحة الحياة عرسا وطنيا احتفت فيه بحراك اقتصادي جديد، يؤكد أن مملكة الخير لا تقف عند مورد واحد من موارد المال والغذاء، طوت به (هجر) العهد التقليدي في التعامل مع (التمرة)، الذي لا يتعدى ضغطها وتخزينها، ثم بيعها هكذا خاما، وأثبتت أن التمر هو (الثروة القادمة).
القادمة بالاغتناء الغذائي، الذي يعد القوة الأكثر أثرا في الاستقرار الأمني، والاستقرار الاجتماعي، والمكانة العالمية.
الثروة القادمة بالمال، حتى لا يبقى النفط المصدر الوحيد أو شبه الوحيد لمواردنا. الثروة القادمة بالتميز الصناعي، والإنتاج المعرفي، حيث نتوقع أن يتجاوز المزارع الأحسائي ما وصل إليه الآن من الصناعات التحويلية الرائعة للتمر، التي أدهشت زوار معرض أمانة الأحساء (ويا التمر أحلى)، أن يتجاوز ذلك إلى منتجات أخرى تعج بها الواحة الغنية بالمياه الجوفية والمزارع المائجة خضرة وجمالا.
فلا تزال الحمضيات، والرمان، والنبق، والخضراوات، كنوزا أخرى تنتظر مزيدا من الاهتمام والالتفات.
لجامعة الملك فيصل جهود عالمية في خدمة (النخلة)، وتحالف الأمانة مع الجامعة مع تجار التمور، سيعجل بنهضة عملاقة، تجعل العالم كله يلتفت إلى هذه الواحة المتربعة وسط بحار الرمال في الربع الخالي، والنجاحات التي حققها الروبيان في المملكة حتى غدا الأفضل على مستوى العالم، وتنقل بين القارات، حتى وصل الى أمريكا وأوروبا بجدارة، يكفي أنموذجا لما نتوقعه للتمر في المستقبل القريب بإذن الله تعالى.
ما قدمه تجار التمور في الأحساء من منتجات جديدة للتمر، تمتاز بالجودة، والجدة، والمواصفات الصحية العالية، والتعليب المنافس للحلويات التي تأتينا من كل بلدان العالم، سيكون له أثره حتى في الجانب الصحي، حيث لا توجد أية أضرار جانبية لمثل هذه المنتجات، بل لها آثار إيجابية عالية، بينما أصبحت الحلويات والبقلوات من أسباب انتشار بعض الأمراض.
ما سرني حقا أن يدشن الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية، بحضور الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث، والأمير بدر بن محمد بن جلوي، محافظ الأحساء، المهرجان، ويقفوا جميعا وقفة تشجيع ومساندة للمزارع والتاجر، ليعلنوا رؤية إستراتيجية تجعل من الأحساء موطن التمور عبر آليات عمل مرحلية في تحويل التمور من منتجٍ زراعي شعبي إلى منتجٍ اقتصادي واستثماري وسياحي كبير ومميز يسجل باسم الأحساء، بل باسم (السعودية).
ولا شك في أن الإقبال الكبير على المعرض، مؤشر كبير على تقبل المواطن هذه المنتجات، وعقد صفقات بلغت الملايين على المستوى الإقليمي دليل على الجدوى الاقتصادية العالمية المتوقعة من هذا التحول الرائع، بل إنه سيعيد – بإذن الله – الرغبة إلى الأحسائيين أن يعودوا إلى ما هجروه من مزارعهم، بعد أن أصبحت مناجم من الذهب الأسمر.

Dr_holybi@ تويتر

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم