إن الخلافات والفشل في المواجهة ووجود بعض الصراعات أمر لا مفر منه في الحباة الزوجية, فكلنا يميل لأن يرى الأمور بصورة مختلفة نوعًا ما، على الأقل بعض الوقت… ونحن شديدوا الاقتناع بأننا على حق.. وهذا مرده في المقام الأول أننا مقتنعون أننا ننظر بصورة صحيحة للأمور وحتى عندما لا نكون على حق (فمن السهل أن باللائمة على شريك حياتنا,أو على موضوع ما, أو نقاش ما, أو خلاف ما أو حتى عدم اتفاق كمبرر لعدم سعادتنا ,إلا أن الواقع يشهد أن الجاني الحقيقي في أغلب الأوقات هو عنادنا الشخصي, وعدم رغبتنا في التنازل عن حاجتنا أن نكون على صواب دائمًا.
ولو استطعنا أن نتخلى عن دافعنا الذاتي ونروض غرورنا وأن نتخلى عن ضرورة أن نكون شديدي العناد, فمن المدهش تلك السرعة التي تحل بها المشاكل بدون إحداث أي ألم…) [لا تهتم بصغائر الأمورفي العلاقات الزوجية – د.ريتشارد كارلسون, وكريستين كارلسون – 368 ,369 بتصرف].
إن السر يكمن في الإيمان الراسخ بأن النجاح لا يعني أن نظل دائمًا على صواب, وأن النجاح يتحقق بالتواضع, وأن عدونا هو العناد وليس شريك حياتنا.
في حديقة الحيوان:
في حديقة الحيوان.. نظر الزوج إلى طائر صغير، وأخذ يتأمله مع زوجته مع زوجته, ثم قال: ما أجمل هذا العصفور.
فأجابت الزوجة: عفوًا إنها عصفورة.
فقال الزوج: عصفور.
فقالت الزوجة: عصفورة.
وتشبث كل منهما برأيه, واحتدم الجدال, وتحول إلى مناقشة ,فمشاجرة لم تهدأ نارها إلا بعد وقت طويل.. وبعد مضي سنة تذكر الزوج هذه الحادثة, فقال لزوجته ضاحكًا: أتذكرين تلك المشاجرة البلهاء بخصوص العصفور؟
فقالت: نعم أذكر, كادت أن تحدث بيننا أزمة كبيرة بسبب عصفورة.
فقال الزوج: عصفورة ولكنها لم تكن عصفورة بل عصفور.
قالت: كلا بل عصفورة.
واحتدم القتال من جديد.
هذه قصة رمزية، فكم هناك من عصفور وعصفورة وراء المشاجرات بين الأزواج؟
مشكلة العناد:
إن من أكبر المشاكل التي تعترض الحياة الزوجية مشكلة العناد, فالعناد والتصلب في الرأي والجمود وعدم المرونة تضفي على الأسرة جًوا خانقًا, وتنشر في البيت ظلالا قاتمة, وتهيئ المناخ لنفثات الشيطان وهمزاته, مما ينذر بالاقتراب من الخطر, ولذلك فإن مراعاة كلا الزوجين لطباع الآخر, ومحاولةالتكيف والتفاعل مع ما يصعب تغييره أمريحتمه “الوعي” و”الذكاء الزوجي”.
إن الزوج الذي يتفرد برأيه مخطئ, والذي يتخذ القرار غير الصائب لمجرد مخالفة رأي زوجته, وقد تبين له صوابها, هو رجل لا يقدر المصلحة, ويضع كبرياءه في موضعه, ويحقق انتصارات زائفة لا مكان لها إلا في عقله هو دونأحد سواه , كما انه يفقد مكانته لدى زوجته.
من يبدأ أولًا: إن من الملاحظ دائمًا أن عناد الزوج يسبق عناد الزوجة, فالأخير يأتي غالبًا كرد فعل لعناد الزوج, وتعليل ذلك أمر سهل, فالزوج يبذل ما يستطيع من جهد لإثبات سيطرته وهيمنته, بالغاء ومحو أي رأي خلاف رأيه, وهو حين يفعل ذلك يضع الزوجة في موقف يحتم عليها أن تتخذ لنفسها موقفا من ثلاث:
-إما التصادم معه.
-أو مهادنة هذا الموقف المستفز والسكوت والهدوء.
-أو دفع الزوج لفتح باب الحوار معها.. فتأخذ شكل العناد السلبي؛ لكسر صراحة رأي الزوج وتمييع قراراته, كي تفتح ثغرة للحوار والمناقشة بأقل قدر ممكن من الخسائر.
موقف عناد:
وقف أحد الأزواج يرن جرس الباب وزوجته بالداخل نائمة لا تفتح وحجتها في ذلك أن معه مفتاحًا للباب, فلماذا يرن الجرس ويزعجها بالنهوض لفتح الباب له واستقباله؟ وتعتبر ذلك نوعًا من الاستعباد لمجرد السيد الرجل وسيطرته, وظلت تهذي بهذه الأفكار المنكرة على الرغم من أنها رأته حاملًا في كلتا يديه بعض طلبات البيت من خبز وفاكهة وخلافه, وأنه كان يستعين ببعض ما تبقى له من أجزاء يده في رن الجرس, وظلت تبادله الحجة بالحجة وتجادله وترد عليه كلمة بكلمة, وأنه كان بامكانه وضع ما معه على الأرض, حتى يفتح الباب بالمفتاح ثم يحمل هذه الأشياء مرة أخرى, فهل هذه الزوجة تنشد الاستمرار والنجاح مهما كان زوجها صبورا واسع الصدر؟
إن عناد الزوجة تدفع الزواج على طريق شائك.
من أسباب العناد:
-قد يكون السبب في عناد الزوجة راجع الى الزوج, فإن تسلط الزوج وعدم استشارته للزوجة وتحقير رأيها والاستهزاء به يدفع الزوجة الى العناد.
-عدم تكيف الزوجة مع الزوج والشعور باختلاف الطباع، فيكون العناد هو صورة التعبير عن رفض الزوجة سلوك زوجها.
-عدم الانسجام بين الزوجين في حياتهما الزوجية.
-قد ترجع أسبابه الى أسباب في النشئة والتربية.
-للعناد أسباب نفسية وتربوية مختلفة، تختلف باختلاف التربية الأسرية، والعلاقات الوالدية، وأسلوب الثواب والعقاب، ومستوى الوعي الثقافي والفكري، ودرجة النضج والإدراك، إلى غير ذلك من أسباب.
والعناد نوعان: إيجابي وسلبي.
العناد الإيجابي ويتمثل في عناد الإرادة والتصميم، وهو إذا أصر الطفل على محاولة إصلاح لعبة أو غيرها محاولات عديدة حتى يصل إلى إصلاحها تمامًا، وهذا النوع من العناد نشجعه وندعمه حتى تقوى إرادة الإنسان في الوصول للنجاح.
أما العناد السلبي فيأخذ صورًا مختلفة نتيجة أسلوب وطريقة التربية الأسرية، فهناك عناد مفتقد للوعي والإدراك والنضج، مثال إذا أصرت الزوجة على شراء أشياء كمالية لا داعي لها، وظروف زوجها المالية لا تسمح ويحاول إقناعها بشتى الطرق ولكنها تصر على طلباتها دون وعي وإدراك بظروف زوجها، فتتسبب له في مشكلات عديدة، ويحدث بينهما فجوة.
كما أن هناك من الزوجات من تعتقد أن إصرارها على مواقفها يدل على قوة شخصيتها ويزيد من قيمتها ومكانتها عند زوجها فيحقق لها ما تريد.
علاج العناد بين الأزواج:
– معرفة أسباب العناد.
– معرفة ما يغضب كل طرف لمراعاة مشاعر الطرف الآخر وفي حالة الخطأ يعترف بالخطأ ويعتذر.
– قليلا من العناد وكثيرًا من الحب والود واللين والمرونة.
– تجنب موطن النزاع والبحث عن النقاط المشتركة, فمن المعروف أن العلاقة الزوجية القائمة على التفاهم والوضوح والتضحية والتسامح والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات.
تساهم في استمرار الحياة الزوجية وقوتها بحب ومودة واحترام، أما إن قامت العلاقة بين الزوجين على الأنانية والعناد وتصيد الأخطاء والمشاجرات المستمرة على كل صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يسرع بتصدع الأسرة وتنكلها، ويشتت شمل أفرادها، وقد يقضي على كيانها.
-المرأة المسلمة تراعى زوجها لأنه أمانة في يدها، فهي منبع الإحساس والرحمة والمشاعر وتدفق الحنان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة: الودود الولود الغيور على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول: والله لا أذوق غمضًا حتى ترضى عني هي في الجنة هي في الجنة) [رواه الطبراني].
-دخول طرف ثالث:
من أحد الأسرتين أو كليهما، استشارة زواجية، علاج زواجي أو عائلي. ودخول الطرف الثالث يصبح ضروريًا فى حالة إصرار أو عناد أحد الطرفين أو كليهما, وفي حالة تفاقم المشكلة بما يستدعى جهودًا خارجية لاستعادة التناغم في الحياة الزوجية بعد إحداث تغييرات في مواقف الطرفين من خلال إقناع أو ضغط أو ضمانات خارجية تضمن عدم انتهاك طرف لحقوق الآخر.