في ظلِّ الأحداث التي تمر بها أمتنا، وحالة التضييق والحصار التي تفرض على الدعوة، وحالة الحرب التي يتعرَّض لها الدعاة، وكم الدماء التي سالت، والأنفس التي ارتقت، والجراح التي نزفت، والمعتقلات التي بالأحرار امتلأت، وجب علينا أن نلتفت لبعض الواجبات في ضوء هذه الأحداث والتطورات، خاصةً وقد انكشفت بعض الجوانب الحقيقية لهذا الصراع، وقد أظهرت أنه يدور حول هوية الأمة ودينها ورجال دعوتها.. من هنا تأتي هذه الواجبات التي ينبه إليها الداعية الأستاذ محمد حامد عليوة والتي يتطلبها الوقت، وهي:
1) التحلي بالربانية، وحسن الصلة بالله تبارك وتعالى، وتعلُّق القلوب به، والتذلل إليه، والانكسار بين يديه، واللجوء إليه، والاحتماء بقوته، والحياة في معيته، والاستعانة به، وطلب العون والتوفيق منه، فهو نعم المولى ونعم النصير. (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)) (إبراهيم).
2) الثقة بوعد الله الحق في نُصرة دينه ودعوته وعباده الصالحين، واليقين بأنَّ الله عليمٌ بالظالمين، وأنه سبحانه بما يعملون مُحيط. ولابد من الثقة في المنهج الذي نقوم عليه ونتحرك به (صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138)) (البقرة).
ومع الثقة بوعد الله واليقين بقدرته والثقة في منهجه نحتاج إلى البصيرة بمعالم طريق الدعوة، والثقة به، وأنه رغم مشاقه وعقباته فهو طريق الأصالة الذي سلكه الأولون من الدعاة والمصلحين (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف: من الآية 108).
3) الصبر والثبات أمام الفتن والشبهات، والمحن والابتلاءات، والشدائد والمُلِمَّاتٌ؛ لأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرًا، وأن الثبات على المبادئ مهما كثرت الخطوب، وضاقت الدروب هو نصر المرحلة، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
4) الالتفاف حول قيادة الدعوة، والثقة بها، والاطمئنان القلبي نحوها، ثقة في كفاءتها وإخلاصها، واطمئنانًا عميقًا نحوها ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة في غير معصية، في جوٍّ من الأخوة الصادقة، والنصيحة البنَّاءة، والمساندة والمؤازرة. وأن نجعل من الثقة فيها حائطًا منيعًا تهوي عنده مكائد شق الصفوف، وهمزات الشياطين. (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) (رواه البخاري ومسلم).
5) عدم اليأس، وتجاوز الصعاب باليقين والأمل، والصبر على الآلام بالصمود والعمل، ولنعرف أن للنصر والتمكين ضريبة وثمن، لأن اليأس ليس من شيم المؤمنين. ولنعلم أن أسلافنا الأكارم على طريق الدعوة تعرضوا لما هو أشد من ذلك، فلم يتطرق اليأس إلى نفوسهم، فصبروا وثبتوا فنصرهم الله وأيدهم، فبقيت فكرتهم، وانتشرت دعوتهم، وعم الدنيا خير جماعتهم . (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف: من الآية 87).
6) الحرص على الأخوة، وألفة القلوب، ووحدة الصفوف، لأن في الأخوة سر القوة، وفي ظل الأحداث والفتن تظهر معادن الرجال، ولقد ضرب أسلافنا الأكارم على طريق الدعوة أفضل المثل في التآخي والتحاب والتواد، الأمر الذي عمق وحدتهم، وقوى جماعتهم، وأراح قلوبهم، وأغاظ عدوهم، ويد الله مع الجماعة. (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) رواه البخاري ومسلم .
7) اليقين الجازم بأن الحق يحمل قوته فيه، والباطل يحمل ضعفه فيه، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وبالتالي لا مجال للضعف أو الاستكانة (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) (آل عمران).
وأنه رغم ما أصابنا من أذى ومسنا من قرح، فلا مجال للوهن ولا للحزن، لأن الأذى في الله لنا فيه الخير (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) (آل عمران).
8) الحرص على السلمية، والثبات على ذلك، وعدم الالتفات لدعوات العنف، فهذا ما يتمناه الانقلابيون، أن ينقلوا الأحرار رجال الحرية والشرعية إلى مربع العنف وإراقة الدماء، ليجدوا هم مبررًا لمزيد من الإجرام والقتل، وغطاء لمزيد من القمع وإراقة الدماء والفساد في الأرض.
ولنجعل قول الله عز وجل نصب أعيننا (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) 28 المائدة، فمنهجنا في الإصلاح والتغيير واضح المعالم لا نحيد عنه مهما كانت الخطوب، وعظمت التضحيات، وطالت الأوقات. ولنعلم أن هذه السلمية تقتلهم وتفضح تآمرهم وكذبهم، وإن شاء الله ستكون سببا في زوالهم، طالما هناك إصرار واستمرار، ولن يضيع حق وراءه مطالب، والله من فوقهم قوي غالب .
9) ضرورة الالتحام مع أحرار الوطن وشرفاء الأمة الذين يرفضون الانقلاب على الشرعية، ويرغبون لأهل مصر الحرية والكرامة والعدالة، ويرفضون الظلم والعودة لحياة الذل والهوان. كما يجب التواصل مع العامة في القرى والمدن، سواء من خدعهم كذب وتضليل الإعلام، أو غير المتفاعلين مع الحدث، لنوضح لهم حقيقة ما جري ويجري ، ولنحتشد مع كل حر شريف حتى تعود الشرعية.
10) ضرورة تعلق القلوب بالله وحده – بعد الأخذ بكل أسباب النصر- فهو المستعان وعليه التكلان، وعدم الالتفات لكثرة الحشود أو الأنصار، أو القدرة على التنظيم والتجميع والحشد، أو ربط تحقق المقاصد والنصر بدعم من هنا أو وعد من هناك، فالنصر من عند الله وحده (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران)، وإن تأخر النصر وطال انتظاره، فلا تنصرف القلوب لغير الله، أو تتعلق في طلب النصر بغيره سبحانه؛ لأنه بعد التسليم واليقين (وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، يأتي الفرج القريب (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)) (الأحزاب).
وفي الختام نسأل الله الكبير أن يكشف الغمة عن الأمة، وأن يمكن لدينه في مصر وسائر بلاد المسلمين، وأن يفتح لأوليائه البلاد وقلوب العباد، وأن ينزل عاجل نقمته بالقتلة والمجرمين الذين انتهكوا الحرمات، وصادروا الحريات، وقتلوا الأبرياء، وحبسوا الشرفاء والعلماء. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم.