الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

الفن الراقي المحترم!



علم الله الإنسان البيان ليتعرف إلى الرحمن، ليطلب العلم، ليتكلم، ليعبر عن أفكاره، وعن مشاعره تعبيراً شفهياً وكتابياً ويتلقى أفكار الآخرين، ومشاعرهم، قراءةً أو سماعاً.

وهذا من كرامة الإنسان على الله عز وجل، فلولا أنه مكرم لما علمه البيان، فهنيئاً لمن استخدم البيان لطلب العلم، وفي تعليم العلم والويل لمن استخدم البيان لإثارة الشهوات. فعلى سبيل المثال لو أراد أستاذ في كلية من كليات الطب البشري أن يشرح لطلابه العملية الجنسية – باعتبارها حاجة فسيولوجية من حاجات الإنسان- الهدف منها إبقاء الجنس البشري، ولو أراد من باب البيان أن تمارس تلك العملية من متطوعين أمام الطلاب، هل يدخل ذلك في إطار (البيان)؟ وقس على ذلك، هل من باب البيان أن نقوم بشرح أعضاء الجسم البشري لأبنائنا – كما تفعل بعض المدارس الأجنبية في مصر – من خلال عرض أحد الأولاد أمام التلاميذ عار من ملابسه؟

وهل من باب البيان أن يقوم المغتصب بإعادة كيف قام بالاغتصاب أمام وكيل النيابة ليشرح له ويبين كيف قام بالاغتصاب؟ وهل من باب البيان تمثيل وتجسيد القصص الماجنة، والأدب الرخيص.. بما يعني لمس جسد المرأة وتقبيلها و.. و.. ليس في الخفاء، بل في العلن وأمام كاميرات التصوير؟ أين نذهب بقول الله تعالى في سورة النور: ” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}. فالأمر واضح وضوح الشمس أن يغض المؤمنين من أبصارهم، فكيف بمن يعتلي امرأة في التمثيل ويقبلها ويلمسها في جميع جسدها بشهوة وشبق!!

هناك تمثيل وفن يثير الشهوات السفلى في الإنسان، هناك أدب يقلب الإنسان إلى كائن شهواني متمرد.

الفن هو تعبير عن المجتمع ويجب أن يسمو بنفس الإنسان فلا يكون مشخص لحالته فقط بل يساعد في تقديم الحلول وهناك أمثلة جيدة جداً قدمت فناً راقياً احترم عقل المشاهد وتقاليد المجتمع مثل مسلسل “الشهد والدموع” و ” ذئاب الجبل ” ومعظم أعمال الفنان المرحوم حسن عابدين التي كانت تشاهدها كل الأسر المصرية دون استحياء والكثير الكثير.

يقول الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية إن ما يميز الفن في الحضارة الإسلامية هو ارتباطه الدائم بالوحي الرباني المتمثل في القرآن الكريم والذي يحفل في كثير من آياته بالتصوير الفني والأدبي والقصصي، فالقرآن الكريم يستخدم التصوير الفني كثيراً لإيصال المعنى وتبسيطه للقارئ فهو بتعبير الأديب الشهيد سيد قطب” يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية “.

فالأسلوب القرآني “ينقلك إلى مسرح الحوادث الأول الذي وقعت فيه الحادثة قبل نزول القرآن، أو مسرح الأحداث فيما يلي نزول القرآن – فالله يعلم الغيب وما حوى – وتشتعل الدراما القرآنية حتى ينسى المستمع أن هذا قرآن يتلى، ومثل يضرب، ويتخيل أنه يعيش الأحداث كما تقع وكأنها تعرض أمامه”.

ولا يخرج الفن الإسلامي عن منظومة القيم الإسلامية التي تدعو إلى التوحيد والعدل والتسامح والإيثار وقيم الجمال الذي لا يخدش الحياء فما زال المسلم يسعى جاهداً إلى طاعة ربه ملتمساً كل سبيل حتى يُرضي الله تعالى ويفوز بالفردوس الأعلى الذي أبدعه الخالق وأوجد فيه من الجمال الحسي والمعنوي والصور الجمالية التي أراد الله تعالى بها أن يحبب عبده فيها لكي يتقرب إليه حتى يفوز بها، ففيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت، وفي تقرب العبد إلى ربه صلاح حاله في الدنيا والآخرة.

ويرى د. جمعة أن منظومة القيم المأخوذة من الأسماء الحسنى، قد ساهمت في ترقيق طبع الإنسان ومزجه بالربانية حتى لا يكون حاداً، فهناك بعض النـاس جاد وحاد، أما هذا فهو جاد لكنه ليس بحاد، إنما صبور وهين، وباطنه طاهر، وظاهره راق.

(آمنت بالإنسان ) كلمة كانت كامنة وراء الحضارة الإسلامية، فهذه الحضارة حضارة إنسانية، ولم يقتصر الأمر على هذا، بل إنها أمة آمنت في مصادرها وتاريخها برعاية الأكوان، هذه الأكوان التي حولنا، أول عقيدة لنا فيها أنها مخلوقة، وأنها فانيـة، وأن لها ظاهراً وباطناً، وأنها تُسبّح، فآمن المسلمون بأن الكون يسبح: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء :44]،

تخيل أن هذا الإنسان يؤمن أن هذا الخشب، وهذه النافذة، وهذا الحائط كلها كائنات تسبح لله، كيف سيكون تعامله معها؟ بدون شك أنه سيتعامل معها بغير فساد ولا إفساد لبيئة ولا لغيرها. آمنوا بأن هذا الكون يسجد، وكانوا إذا سجدوا سجدوا مع الكون لرب العالمين، إذن هو يشعر بأنه في تيار يسير في طريق رب العالمين، ولذلك أسموا منهاج التعبد والمعرفة بالحق سبحانه: (الطريق إلى الله )، وهو كلام له دلالة، فكأن الطريق ينتهي بنا إلى الله، وقد قال المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – (من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) (رواه مسلم)، أي: سلك منهجاً يلتمس فيه علما، فهو إذن منهج حياة.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم