نشرت جريدة (اليوم) قبل أيام خلاصة إحصائية صادرة عن المتحدث الرسمي بوزارة العدل، ترصد تميز محافظة الأحساء بانخفاض قضايا إثبات الطلاق فيها لتصل إلى (46) قضية فقط خلال تسعين يوما، وأضاف المصدر: «حيث كانت مكاتب (مراكز) التنمية الأسرية المنتشرة بالمحافظة سببا رئيسا في إصلاح العديد من المشاكل الأسرية».
ومعنى انخفاض معدل الطلاق انخفاض معدل مسببات الفقر والجهل والجريمة، بل والتفكك الاجتماعي، وجنوح الأولاد، فالأسرة هي المحضن الذي يحوط النشء بالرعاية والأمان، ويحدُّ من التأثر السلبي بالسلوك غير المرغوب، أو التوجه المنحرف.
إن تجربة مركز التنمية الأسرية التابع لجمعية البر بالأحساء تجربة محلية بحتة، تنامت حتى بلغت مرحلة (النمذجة) بفضل الله تعالى أولا، ثم برعاية مباشرة ومشجعة من أولياء الأمور، ودعم سخي من وزارة الشؤون الاجتماعية وعدد من المؤسسات المانحة ورجال الأعمال وأهل الخير من هذا الوطن المعطاء.
وهي تجربة قائمة على التوازن في طرح مشروعاتها بين ثلاثة مسارات؛ الأول: الإنماء برفع مستوى الثقافة الأسرية لدى أفراد ومؤسسات المجتمع. والثاني: الوقاية: بنشر الوعي الاجتماعي حول كل ما قد يُوجِد خللاً في بنية الأسرة، ومحاصرة أسباب الفقر، وتذليل عقبات الزواج، وتنوير الشباب المقدمين عليه بأحكامه وحقوقه. والثالث: المعالجة للخلافات الأسرية الحادثة قبل أن تصل إلى حالة طلاق، أو تفككٍ أسـري، أو جنوح أولاد، أو انجرافٍ نحو الجريمة.
ولكون هذا المشروع مشروعا وطنيا، يقوده ولاة الأمور، وتنهض به جمعية أهلية، فقد سعى المركز سعيا حثيثا إلى الإفادة من الطاقات الوطنية المتواجدة في المشافي النفسية، والأقسام العلمية في الجامعات، والمؤسسات التعليمية، والدوائر الحكومية المختلفة، والشركـات، فـي إطـار واحد؛ بحيث يشكلون فريـقا من الخبراء في شتى التخصصات التي يحتاجها العمل المهني المتكامل؛ لتحقيق أهدافه السامية، وتنفيذ برامجه الشاملة لكل أفراد الأسرة. وقد تحقق ذلك بصورة مشرفة، تعكس الألفة التي يعيشها مجتمع الأحساء، كما تؤكد روح (البر) و(الخير) التي تدفع كل محب للأجر والثواب، راغب في خدمة وطنه ومجتمعه للمشاركة بما يجيد، أو ما يهوى، أو ما يميل إليه.
لقد وضع المركز خطة استراتيجية طموحة، قبل أكثر من أربع سنوات، تحقق منها ما لا يقل عن تسعين في المئة ولله الشكر على نعمائه، ومن ملامحها: خفض نسبة الطلاق إلى 10% في الأحساء، والخبر الذي تصدر هذا المقال مؤشر مبشر بهذا التحدي الكبير، ووصول التنمية الأسرية إلى كل أسرة وكل فرد في محافظة الأحساء وتوابعها، والتوسع في التأهيل الأكاديمي الأسري والخيري، والوصول إلى إدارة إلكترونية متكاملة، وتنمية الموارد البشرية الذاتية، والاكتفاء الذاتي ماليا، واستمرار الريادة في العمل الأسري في المملكة العربية السعودية، والوصول إلى الخليجية، ونمذجته على الصعيد العربي، وإنجاز مبنى متكامل الخدمات يتناسب مع حجم رسالة المركز ومناشطه، والوصول إلى إلزامية التأهيل قبل الزواج في المملكة العربية السعودية، وإنشاء عدد من المراكز التوعوية والمعاهد العليا التي تحقق تنمية الأسرة داخل الأحساء، وإنشاء عدد من الفروع للمركز في عدد من مدن الأحساء، وإقامة شراكات كبرى مع عدد من الوزارات والجامعات والشركات والمؤسسات، وتقديم الخبرة والدعم الفني لإنشاء مراكز مثيلة خارج الأحساء.
ولعل من أبرز أسباب ما تحقق من الخير -بعد عون الله- هو وضع هذه الاستراتيجية، ثم وضع الخطط السنوية بناء عليها، يرفدها فريق عمل جعل عمله هذا عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، ويسهم به في أمن بلاده. كما أشيد بالدور الذي يقوم به مكتب الصلح داخل المحكمة، حيث يعالج كثيرا من قضايا الطلاق، ونحوها من الخلافات الأسرية المختلفة.