الأحد 10 نوفمبر 2024 / 08-جمادى الأولى-1446

الشخصية المستفزة.



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف وأفضل وأطهر خلق الله، قرائي الأعزاء هذه سلسلة جديدة أطرحها بين يديكم لنفهم ونتعرف ونحكم على الطبيعة الإنسانية التي خلقها المولى عز وجل ووضع فيها أسرارا وإبداعات كثيرة جعلت لكل منا شخصيته المتفردة التي تستحيل أن تتكرر في شخص آخر، ومع ذلك فقد اتفق العلماء على وجود سمات لكل شخصية نستطيع أن نحكم من خلالها عليها، ونعرف كيف نتعامل معها، ومن هنا فسأتناول أكثر من شكل للشخصية الإنسانية، وانتهي بالشخصية المتكاملة ألا وهي شخصية الحبيب محمد عليه أفضل وأتم التسليم، وكيف علمت هذه الشخصية الرائعة البشرية أجمع إلى اليوم وحتى يوم الدين.

واخترت الشخصية المستفزة كأول شخصية أحاول معكم اختراقها والتعرف على أسرارها وأوضاعها، لما لها من أسرار وخبايا لم يتطرق إليها الكثيرون وهنا نود أن نتعرف عليها، ما هي تلك الشخصية وما سماتها وكيف نتعامل معها؟

يقول سبحانه وتعالى في الآية الثالثة عشرة من سورة ص ” واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ” وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لتلك الآية قيل هو الغناء، قال مجاهد باللهو والغناء أي استخفهم بذلك وابتعد عنهم، وهذا الأمر للنبي صلوات الله عليه.

كما يقول المولى في كتابه العزيز في نفس السورة أيضا في الآية 178 لنبيه صلى الله عليه وسلم ” وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا”.

والاستفزاز يعني: الحمل على الترحل، وهو استفعال من (فز) بمعنى بارح المكان، أي كادوا أن يسعوا أن تكون فازا ، أي خارجا من مكة ، وتقدم معنى هذا الفعل عند قوله واستفزز من استطعت في هذه السورة ، والمعنى : كادوا أن يخرجوك من بلدك ، وذلك بأن هموا بأن يخرجوه كرها ثم صرفهم الله عن ذلك ليكون خروجه بغير إكراه حين خرج مهاجرا عن غير علم منهم; لأنهم ارتأوا بعد زمان أن يبقوه بينهم حتى يقتلوه .

والاستفزاز في الأصل شيء إيجابي ومطلوب للشخص بمعنى أنه تحفيز الشخص لتحدي إمكانياته وبذل قصارى الجهد بشكل مستمر لكي يكون أكثر إيجابية أي أن الشيء يستفز الشخص لكي يبذل قصارى جهده حتى يصل إلى أفضل مستوى ممكن، ويكون إيجابيا أيضا إذا استفزه الشخص الذي أمامه بهدف تنمية قدراته ووصوله لأفضل أداء ممكن، كما يستخدم هذا المصطلح دائما في الحروب والخطب الحماسية بهدف إثارة العدو أحيانا، أو تحفيز الجيش تارة أخرى، والاستفزاز لا يكون استفزازا إلا إذا تجاوب الطرف الآخر للشخص المستفز.

وبالنسبة للاستفزاز الذي نقصده فهو نوع من أنواع العنف النفسي غير المرغوب فيه وصورة من صور القصور الذهني وعدم الثقة بالنفس حيال مواقف الحياة، وضعف في الشخصية والإيمان، كما يعتبر أحد أوجه النقص في شخصية الفرد، وعدم القدرة على حل المشكلات، كما أن هذا الشخص يتصف في أغلب الأحيان بالعصبية إضافة إلى كره الآخرين له ونفورهم منه، وادعائه المعرفة بدون حجة أو دلائل منطقية مقبولة، وإعجاب هذا الشخص كثيرا بآرائه ورفضه آراء الآخرين ممن هم أكثر منه ثقافة وأقل.

والاستفزاز يعني أيضا إثارة شيء ما لدى الغير وتحويل المسار وخطف الأنظار، وتكون هذه الإثارة عن طريق الكلام المكتوب أو الكلام أو عن طريق تصرفات أو حركات أو مواقف تبدر من هذا الشخص سواء أكان ذلك عمدا وبنية مبيتة أو بطريقة عفوية وتلقائية وعادة ما يكون وقع ذلك سلبيا في نفسية المتلقي ويحرك فيه انفعالات مختلفة من بينها الخوف أو الغضب أو الاستياء أو الثورة لكن وفي بعض الحالات قد تبعث على انفعالات موجبة مثل الإعجاب أو الاستغراب والاستحسان.

فقد تستفزك فتاة حسناء تختال في لبس ملفت، وقد يستفزك صديق أو عدو بكلام جارح قد يكون صادقا أو كاذبا وقد يستفزك موقف حزين كرؤية شيخ ضرير يستهزئ به آخرون، فالقاسم المشترك لكل هذه المواقف هو إثارة انتباهك بشيء غير متوقع أو قد يخالف مبادئك وقيمك.

والاستفزاز الذي نقصده هو المتعمد من شخص يكون من خلال كلامه وطريقة وأسلوب حديثه وهدفه فرض نفسه وإثبات وجوده ورفع قيمته مقابل التنقيص من شأن من أمامه وإحباط معنوياته، ويستخدم هذا الشخص أسلوب عادة ما يكون به إثارة وتهجم واستعمال كلام كاذب ومضلل ومليء بالاتهامات المباشرة وغير المباشرة إضافة للسخرية من الآخرين في حديثه.

والأشخاص يقعون في فخ الاستفزاز فيقللون من احترام الناس لهم لأنهم سقطوا في الأسلوب الدنيئ الذي حاورهم به ‘ المستفز ” ، وهناك أناسا محترمين فقدوا فجأة هيبتهم لمجرد كلام أو موقف مستفز ومنهم من هو بارع في هذا “الفن” أي فن الاستفزاز حيث يستدرجك بالكلام القوي الذي عادة ما يكون عن أشياء واقعية لكن تراه يضخمها فيقلل من مزاياك ويضخم من عيوبك أو قد يركز على موقف معين فيتصرف فيه ببراعة حتى يجعل منك الشيطان ذاته ويضعك في الصورة التي يريد أن يصورك بها عمدا.

والاستفزاز مؤشر لضعف الشخصية وقلة الحيلة وانعكاس للقلق داخل نفس غير سوية وحسب تعاليم ديننا الحنيف فإن المسلم هادئ بطبعه يمتص غضب أخيه ولا يستفز بسهولة وإنما عليه الصبر، ولا يعتدي على أخيه لمجرد الضيق منه.

أما كيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع الشخص الاستفزازي فيمكن ذلك من خلال حسن الظن بالآخرين واعتبار أن ذلك الشخص المستفز هو شخص مريض أو معاق يحتاج مني الى المساعدة وتقدير حالته بعدم وجود ردات فعل معاكسه تزيد الأمر تعقيداً وسوءا، كما يجب أن يقتنع الشخص أن الاستفزاز يمثل شخصية المستفز ولا يمثل شخصيتي بل أنه علي أن احمل معي إمكانيات وقدرات للتعامل مع كل ما أواجهه وان أكون دائما منتصراً على نفس ونزعات الشيطان وان امتلك قدراً من الإرادة والسيطرة والتي تمكنني أن أكون شخصاً حكيماً وحليماً، وعليك تجاهل هذا الشخص والثقة بالنفس أمامه.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم