الإنسان هو الإنسان، ولو قرأت التاريخ لن تجد الإنسان السابق يختلف عن إنسان العصر الحديث، إلا في شكل التطوُّر، ولكن ليس في أساس الشخصية.
موضوعنا اليوم عن دور الحملات الصليبية في فهم العالم الآخر عاطفياً وجنسياً.
نحن نعلم من التاريخ أنّ الحملات الصليبية هي حملات استهدفت نشر الفكر المسيحي في العالم. ولكن جنود وقادة الحملات الصليبية كانوا يتشربون من عادات وتقاليد الشعوب الذين يأتون لتبشيرها. وكبشر، كانت لهم اهتمامات عديدة بالآخرين، وعلى رأس هذه الاهتمامات كان الجانبان الجنسي والعاطفي. فبعد أن ينتهي الكلام أو يرتاح السيف، تنطلق الأحاسيس متسائلة عن الإشباع العاطفي والجنسي، وكيف هو لدى هذا الشعب.
هناك، وكما يذكر التاريخ، كثير من النبل والشهامة لدى بعض رجال الحملات التبشيرية. ولكن أيضاً كان هناك كثير من الأخطاء والتدمير الذي حصل. والسبب في رأيي أنّ الحملات التبشيرية، مثل أي حملات دينية أو سياسية، فيها مجموعات مرتزقة تندس. هذه المجموعة تنظر إلى الأمر على أنّه استفادة وسلطة. لكن، حين دخل الصليبيون الذين جاء بعضهم عن قناعة إلى الجزء الشرقي من العالم، حيث العرب الأتراك، وحيث الإسلام، واجهوا أوّل ما واجهوا شيئاً غريباً، وهو أن هناك حضارة تهتم بجسم الإنسان ونظافته، وهم الذين كانوا يعيشون بحمامات عامة وقذرة، وكانت فكرة الاستحمام غير شائعة لديهم، وجدوا أنّه كي تكون مقبولاً اجتماعياً وجنسياً لهذا يعني أنّه يجب أن تكون نظيفاً ورائحتك طيبة. ولو قرأت ما كتبه رواد الحملات التبشيرية عنا لوجدت كم أبدوا من الحب والاحترام لنظافتنا واهتمامنا بالرائحة والجنس النظيف، كما تعلموا أ،ّه لجعل أجسادهم مقبولة جنسياً، فإن عليهم التخلص من الملابس الثقيلة والجوارب الخشنة، وأنّ الجسد ليكون صحياً بشكل عام، ولكي يؤدي دوره الجنسي، يجب أن يتنفس ويشم الهواء، ووضع ملابس عديدة يعرضه لأمراض جلدية. وهناك، حيث اختلط رجال التبشير برجال المتعة والحرير في تركيا وبعض الدول الإسلامية، عرفوا معنى الحب والجنس، في الموسيقى والعطور والملابس الحرير، وفن القصص التي تثير حماسة الحب والجنس.
وعرض المبشرون، وخاصة في تركيا، مفهوم “الحريم”، أي النساء اللواتي احترفن الرقص والمتعة، وعرفوا مفهوم الزواج والعشيقات، وكيف أنّ الجنس تأنٍّ وأنّه متعة، عكس ذلك التفريغ السريع الذي عاشوه في حضارتهم التي لا تعرف إلا أنّه إشباع سريع والسلام.
وبعد سنوات أراد البعض منهم الحياة في الشرق ولم يقبل العودة. والبعض ممن عادوا حصلت لهم صدمة حضارية، ووجدوا أن ما تعودوا عليه لن يمكنهم من التكيف مع القديم الذي تربوا عليه. ويقال إنّ أهم ما نقلته هذه الحملات التبشيرية حين عاد رجالها إلى بلادهم، هو إقامة حمامات عامة وخاصة، وفن استخدام الصابون والاستحمام قبل وبعد الجنس. وخصصت محلات لبيع الجسد، وطرق صحية للتعامل مع ذلك.
إنّ الصليبيين تعلموا فنون الرومانسية من الشرق، حيث الجنس يفترض أن يقترن بالطعام الجيِّد وفن الغواية والملابس الشفافة للنوم، والموسيقى والعطر، وكأنها أساسيات للإنسان حتى يتمتع بالجنس. ورجعوا كذلك ومعهم من الشرق، والعرب بالذات، فن الشعر والوصف لجعل الحب والجنس أكثر متعة.
إنّه شيء لافت فعلاً: جاءونا رجالاً شاهرين سيوفهم، وعادوا بحضارة الحب والجمال والجنس الإنساني.
والآن، نحن نستورد منهم الرومانسية وأصول الجنس.. يا للعجب.