الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

غواية حرف الدال



بقلم د.خالد بن سعود الحليبي

سعدت كثيرا بحضور ندوة (غواية حرف الدال) في معرض الكتاب الدولي في الرياض، فقد كان هذا الموضوع يشغل بال الغيورين على مستقبل العلم وما يتبعه من تنمية شاملة، لا يصلح أن تقوم على أيدي مجموعة من المزورين. لقد سمعنا بشهادات طبية مزورة؛ فلم أستطع أن أتخيل كيف يمكن أن تصل جرأة الإنسان إلى حد أن يتاجر بأخيه الإنسان!!
وشهدت أحد المتطلعين للظهور الإعلامي يتنهد تنهد اللديغ، وتزوغ عيناه كما تزوغ عينا الهلع المطارد، وهو يقول بأسى: آه .. ثم يردفها .. على الأقل حرف (الدال)،  وما هو إلا قليل من الأشهر وترى الدال العجيبة تتقدم اسمه الكريم، لتلمع بفرشاتها السحرية أطرافه، وتأخذ بيده إلى حيث الصدارة، على رأي من قال: (كلي يا جبة) حين طرد من مأدبة بدونها، وصدر بعد أن لبسها.

أليس من الإحساس بالنقص هذا السباق المحموم إلى (دال) فارغة، لا قيمة لها، ولا يتوقع أن يعترف بها، مادام فينا من يعطي العلم قدره، والمسؤولية حقها؟!
إن دكاكين الوراقين في العهود القديمة كانت تقوم بتصنيع الورق وصقله وتهذيبه ونسخه وتصحيحه، وقد كان لهذه الفئة دور رائع في إثراء الحياة العلمية والثقافية؛ إذ كانت تتطلب سعة في الاطلاع على العلوم والمعارف المختلفة. ولذا أحدثت انتعاشا كبيرا أثر في صناعة النهضة الإسلامية التي أثرت حتى في أوربا آنذاك.

أما دكاكين الوراقين المعاصرين، فقد أصبح بعضها سمسارا لجامعات وهمية، أو وضيعة حتى في بلاد المنشأ، أو عصابة متاجرة بالعلم، لتقوم بعملية النصب والاحتيال على المهووسين بهذا الحلم البراق، بعيدا عن كل الأخلاقيات والأعراف التي يدعون هم لها، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، بل مع اللصوص، والخادعين لأقوامهم؛ حين يظهرون بلباس غير لباسهم الطبيعي، فكيف يمكن أن أثق في كلام من يدلس حتى على نفسه، فيقنعها أنه شخص آخر.
أتوقع أن الواحد من هؤلاء يتلقى صفعة قوية كلما سمع كلمة: (يا دكتور )؛ لأنه أكثر إنسان يعلم بكذب الحكاية، وأصولها.
الواقع أن بعض هؤلاء يستحق أن يكون دكتورا؛ لو أنه أتى البيوت من أبوابها. وأن بعضهم انخدع بالأمر، وبذل مجهودا في غير محله، فلم يتبين له إلا بعد حين، فكان منهم الشجاع الذي أحرق شهادته، ومنهم من عز عليه أن يفقد بريق الحرف اللؤلؤي الوهاج.

وإذا كان الدكتور عبدالله القحطاني استطاع في أطروحته الرائعة أن يقنعنا بجهود وزارة التعليم العالي في مكافحة هذه المصيبة التي بدأت منذ أكثر من نصف قرن، بأن وضعت قوائم للجامعات المعتمدة لديها، وقوائم للجامعات الوهمية، وفتحت أكثر من مائة وستين ألف فرصة للدراسة في الخارج في جامعات معتبرة، وأنها أغلقت مئتين وعشرة مكاتب ومراكز ومعاهد تبيع الوهم خلال خمس سنوات تقريبا، وأنها تطارد ـ بالاستعانة بوزارة الداخلية ـ مكاتب الجريمة كما تطارد إدارة مكافحة المخدرات مروجيها، فإنه لم يقنعني أن الوزارة أتاحت الفرص الكافية لأهل الطموح الشخصي في الجامعات المحلية الأربع والعشرين. فإن المتقدمين للدارسة العليا من أبناء الوطن وبناته في أي تخصص بالألوف، والقبول بالعشرات، والباقون يتسكعون على أبواب الدول الأقل تقدما في الشرق الأوسط، ويأتون بشهادات كالخنثى المشكل، لا نجح ولا إخفاق، أو يقبلون بأن يحققوا أحلامهم باستصدار شهادات من جامعات لا قيمة لها حتى في بلادها!!

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم