الأثنين 23 ديسمبر 2024 / 22-جمادى الآخرة-1446

تأملات حول العنوسة .



د. حنان قرقوتي .


إن كلمة عانس بمفهومها العام تطلق على المرأة التي لم تتزوج وتخطت سن الزواج.
واليوم فإن كلمة عانس تطلق على من لم تتزوج وتختلف الكلمة بمفهومها من بيئة لأخرى تبعاً لهذا البلد أو ذاك، في المتوسط العام لسن الزواج.

وحسب إحصائيات الأمم المتحدة بالنسبة إلى لبنان كمتوسط عام لسن الزواج فهو نهاية العشرينيات، مع نهاية القرن العشرين الميلادي، وبداية القرن الحالي، أي إن العنوسة اليوم تكاد تكون مع نهاية سن الإنجاب أو بعد ذلك، بينما قبل ثلاثين عاماً كانت من وصلت إلى سن العشرين أو الواحد والعشرين تبدأ مرحلة العنوسة، والسبب في ذلك تأخر سن الزواج.

وهذا التأخر في لبنان يعود للأسباب التالية:

1- وجود الحرب التي عصفت بلبنان طيلة جيل كامل 1975 – 1990م.
2- استشهاد عدد كبير من الشباب اللبناني طيلة الحرب اللبنانية.
3- هجرة الشباب في سن الزواج إلى خارج البلاد بسبب الحرب وبعده، طلباً للرزق، بعد أن كانت الهجرة قبل الحرب أكثرها داخلية وإن وجدت هجرة إلى خارج البلاد.
4- التعليم العالي للبنات سبب في عدم قبول أي خاطب لهن إلا إذا كان تعليمه يوازي تعليم الفتاة أو أكثر منه.
5- زواج الشباب المهاجر من شباب أمتنا بأجنبيات بسبب العيش في الخارج.
6- خروج الفتيات إلى ميدان العمل بسبب الضيق الاقتصادي، مما أطَّر مفهوم الزواج لدى البعض منهن، إذ تقول شريحة منهن: “لماذا أتزوج وأضع حبل في رقبتي طول العمر بغية الصرف المادي، وأنا أستطيع أن أعمل وأصرف على نفسي”.
7- الاختلاط والسفور بشكل غير لائق، يجعل الشباب يعزفون عن موضوع الزواج.
8- الحرية الزائدة التي تتوفر للشباب ولشريحة من الفتيات تجعل الشباب يعزفون عن موضوع الزواج إلا في سن متأخر، أي في أواسط الثلاثينيات وما بعد ذلك، كمتوسط عام، بعد أن كان قبل ثلاثين عاماً هو أواسط العشرينيات للشباب، ومن 15 – إلى 20 عاماً للفتيات.
9- تهرب الشباب من مسؤولية الزواج وتبعاته، وهذه ظاهرة ليست قليلة عند الشباب ممن هم في سن الزواج.
10- الضيق الاقتصادي لدى الشباب ممن هم في سن الزواج يجعلهم يعزفون عن موضوع البناء الأسري.
والبندين الأخيرين يظهران بشكل واضح وجود شباب وبنات في سن الزواج بقوا عزّاب.

لذلك فإن ظاهرة العنوسة كبيرة في الوسط المحلي ناهيك عن وجودها بشكل كبير أيضاً في الوطن العربي.

والتعامل مع هذه الظاهرة يكون:

1- بتشجيع الشباب والشابات على الزواج في سن العشرين مثلاً بدعمهم الاقتصادي من قبل مجتمع الأهل القادرين على ذلك.
2- إيجاد صندوق للزواج يصرف عليه من الدولة أو من صندوق الجمعيات الخيرية، أو من صندوق الزكاة، مع إعانتهم بالصرف الشهري، حتى يتمكنوا من تيسير أمورهم في هذا الجو الاقتصادي المتردي والمخيم على البلاد خاصة في الفترة الأخيرة.
3- توعية الأهل بعدم التطلب من الخاطب فوق ما يستطيع من أمور مادية.
4- تشجيع الاستثمارات الخارجية بوجود فرص عمل للشباب محلياً وعربياً.
5- تزويج الشباب قبل التحاقهم بالخارج.

إن العمل محلياً وعربياً على حل معضلة الأسباب الخاصة بالعنوسة تحل المشكلة القائمة برمتها محلياً وعربياً، علما أنه قبل ثلاثين سنة تكاد تكون ظاهرة العنوسة نادرة، وعملية اختيار الزوج المناسب كانت قائمة بسبب كثرة المقبلين على الزواج ونادراً ما كانت الزيجات تكون للخارج.
أما اليوم وبسبب قلة المقبلين على الزواج من شباب أمتنا فإن الفتاة تقبل بزوج غير كفؤ لها في أحيان كثيرة مما يتسبب بعدم استمرار الحياة الزوجية والتسبب في حدوث كثير من حالات الطلاق.

وفي هذه الظروف، وجدت ظاهرة العنوسة بشكل كبير، فكان التعامل مع الواقع الجديد بملء الحياة بأشياء مفيدة، كمتابعة التعليم العالي للنساء، أو العمل في المؤسسات والدوائر الحكومية، أو العمل في ميدان العمل الاجتماعي التطوعي، وما شابه إلخ..

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم