ما أجمل العمل في ميادين العطاء التطوعي والخيري، حين ينبثق كالنور في الفضاء، والعطر في الأرجاء، إنها السعادة التي يجدها الباذلون والباذلات حين يوزعون دقائق حياتهم على الآخرين، بل يهدون نفائس أنفاسهم للمحتاجين، والمحرومين، والمكروبين.
وبلادنا بلاد العطاء الروحي بلا حدود، وبلاد الإحسان بلا امتنان، لم تبق ميدانا من ميادين البر ليس لها فيه سبق وريادة، تهوي إليها القلوب قبل العقول، وتستقبلها النفوس قبل الجسوم.
وقد سارت أعمال البر في سبل شتى ترعاها الوزارات والهيئات العليا، ولا تزال تلك المؤسسات تقدم الأفضل في ظل حكومة آمنت بأن التطوير والتغيير نحو الأحسن، والأكثر رفاها لمواطنيها هو الهدف الذي لا يزال يركض كلما اقتربنا منه.
إن أعمال البر بمفهومه الواسع في نماء مستمر في بلادنا ولله الحمد, والأرقام لا تتوقف عن الازدياد، يرفدها مجتمعنا السعودي المضياف، المحب للخير، الذي عرفت في سجاياه الرغبة الصادقة في الإسهام في الأعمال الإنسانية المختلفة, وقد أثبت ذلك من خلال المشاركة فيها بماله وجاهه وجهده ووقته.
وجاء زمن التطوع، بمفهوم يوسع دوائر الشراكة بين أفراد المجتمع، ويتيح الفرصة لكل فرد أن يقدم ما في وسعه لتنمية الوطن الذي يحبه، الذي أعطاه، والذي يعيش على أرضه، ويرجو أن يرقد ـ بعد حين ـ بين جوانحه.
العمل التطوعي ذلك الذراع التنموي الثالث للدول؛ الذي تقدم من خلاله مؤسسات المجتمع المدني خبرة عشرات العلماء ومئات المفكرين وملايين المشاركين والمشاركات من جميع الأعمار.
إنه قفزة إلى الأمام ، تحول المجتمع كله إلى يد عليا، كل يعطي بقدر ما يملك، مهما فرغ جيبه، فإن في قلبه وعقله ولسانه ويده كثيرا مما يحتاجه الناس : لاخيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال العمل التطوعي بمفهومه الجديد، جديد التطبيق في بلادنا، ولذلك فإنه يحتاج إلى برامج تُشيع الوعي بمجالاته، وتعمق في عقول الناشئة مفاهيمه، وتقنع أفراد المجتمع كله بأهمية المشاركة المجتمعية, بكل الوسائل المتاحة، التي ترشد إلى القنوات والاحتياجات التطوعية إلى جانب التدريب والتأهيل اللازمين لتقديم عمل متقن بدرجة الجودة.
فلتنطلق جمعيات مختصة به في كل منطقة، ولتضف أقسام خاصة إلى كل عمل اجتماعي قائم، للإسهام في منح الشباب والفتيات فرصا شاسعة للاشتراك في تنمية المجتمع وتطويره، في كافة المجالات الإنسانية.
إن التطوع أصيل في ديننا العظيم، وجزء من عقيدتنا السمحة، فكل معروف صدقة، وهو واقع عالمي يسهم فيه آلاف البشر في البلدان المتقدمة، بل كلما تقدمت البلاد تضاعفت أعداد المتطوعين فيها، حتى أصبح التطوع من أكبر أسباب تقدمها، وإنشاء المشروعات الجبارة فيها ونجاحها.
ولكي نصنع الروح التطوعية السوية، ونحمي هذا العمل الخيري ممن ينحو به مناحي سلبية، قد تؤتي عكس
الثمرات التي توقعنا جنيها، ومن أجل أن نحافظ على استمرار من تستقطبهم هذه الأعمال، لا بد من التالي :
أولا : فتح مجال التطوع بحرية ذات أفق واسع ومنضبط في الوقت نفسه بضوابط الشرع المطهر، دون غلو أو تساهل.
ثانيا : احترام الطاقات المبدعة وتقديرها حق قدرها؛ حتى تعطي أفضل ما عندها.
ثالثا : البعد عن الدكتاتورية والتسلط في إدارة المشروعات التطوعية، ومنح الفرص الإدارية للشباب والفتيات؛ كل في ميدانه الذي خلق له، حتى لا تخنق هذه الأعمال بإدارة مهيمنة لا تدع فرصة للإبداع والتجديد.
رابعا : إقامة مشروعات تطوعية بالكامل؛ حتى يكون التطوع أصلا فيها، ولا يدخلها إلا المخلص لربه ثم لوطنه.
خامسا : تحفيز المجتمع كله عن طريق حملات واسعة النطاق تبرز قيمة التطوع ، ليكون من قيمه الكبرى، وليتقبل الأعمال التي تنتج عنه.
سادسا : تربية النشء عليه منذ الصغر، من خلال حصص دراسية في المراحل المبكرة، تستمر حتى يتخرج الطالب أو الطالبة، ويكون لذلك تقييم دراسي معتمد.
سابعا : تعزيز المتطوعين بالتكريم المعنوي المستمر، ولا بأس بالتكريم المادي المحدود، فإن من يأخذ أجرا ماديا أقل من الأجر الذي يستحقه، فإنه يعد متطوعا. وقد تكون تلك المكافآت ضرورية لتغطي التكاليف العادية التي يتطلبها التواصل والاتصالات والمواصلات ونحوها؛ حتى لا يشكل التطوع عبئا ماديا على الشباب وأولياء أمورهم.
ثامنا : الشراكة الفاعلة مع الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات المانحة.
تاسعا : تشجيع الأفكار الجريئة والتعامل معها بثقة وجودة وجدارة.
عاشرا : توفير متطلبات العمل؛ من مقر وسكرتارية ثابتين.
حادي عشر : بناء أواصر التعاون بين المتطوعين الشباب والجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة في مجالات عديدة والعمل الخيري خصوصا، وإفادتها بطاقاتهم.
ثاني عشر : إشعار كل متطوع بأن لديه القدرة على التعبير عن انتمائه لوطنه، وترجمة شعوره إلى عمل يخدم بيئته ومجتمعه في مكان يعيش فيه من حضر وبدو وريف.
ثالث عشر : أن تكون البرامج الكبرى برعاية كبار المسؤولين؛ ليكون في ذلك تعزيز كبير لهذا العمل الجليل والعاملين فيه والعاملات.