موسم الزواج.. أفراح وكوابيس
صالح الديواني
ما يحدث في السنوات الأخيرة من التغيرات والعادات السلبية التي ظهرت على السطح فيما يخص ليالي الزواج واستعداداته وتكاليفه، أمر يدعو للاستفزاز، وكلها عادات جديدة ليس لها أصل
مقالي هذا فيه من المباشرة والمكاشفة ما أعتقد أننا بحاجة ماسة إليه في مجتمعنا. ولم يخطر على بالي أن يأتي يوم وأكتب فيه غاضبا أو منتقدا، عن موسم الزواج وعاداته الجديدة والدخيلة على مجتمعاتنا.
إن ما يحدث في السنوات الأخيرة من التغيرات والعادات السلبية التي ظهرت على السطح فيما يخص ليالي الزواج واستعداداته وتكاليفه، أمر يدعو للاستفزاز والقهر. لذلك قررت أن أقول ما في صدري عن هذا الأمر بالذات. فقد تحول الزواج من مناسبة جميلة وسعيدة لإتمام أمر يرضاه الله ورسوله يوصف بأنه إتمامٌ لنصف الدين، إلى كابوس حقيقي مرعبٌ ومؤرق ومرهق.
سواء على المستوى المادي أو على مستوى الإعداد له، فالنساء في جازان مثلا ـ وربما في مناطق أخرى من المملكةـ بِتنَ يتزعمن كل أموره تقريباً، ويقمن بكل شيء تقريباً، وينفذن أيضاً كل شيء، مع شبه غياب غير مُبرر لقرارات الرجل، إلا فيما يخص الرسميات التي يتم بموجبها تعميد الزواج قانونياً، وحجز صالة الفرح التي بدأ أصحابها في المبالغة بقيمة تأجيرها، وطبعاً وهو الأهم الإنفاق المالي، وسوى ذلك فهو غائب فيما تبقى تقريباً. لتتسلم عنه المرأة راية كل شيء فيما بعد بحجة أن التالي هو شأنٌ نسائي لا دخل للرجل به!
هذا المنطق الغريب لم يكن يوماً في عرف أو عادات أهلنا. الذين تميزت مناسبات زواجاتهم في الماضي بالبساطة والشراكة، وتعاون الطرفان (الرجال والنساء معا) تعاونا وثيقا مرتبطا بجذور المكان وعاداته التاريخية المتنوعة والأنيقة، بعيدا عن التفرد والأنانية المفرطة التي هو عليها الآن.
اليوم الزواج في جازان وبعض المناطق السعودية، تحتفل به النساء فقط أما الرجال فلا يقيمون أي طقوس احتفالية. (فقط تعال لتناول العشاء ثم مع الباب).
والذي أصبح سمة سلبية مؤثرة من سمات الزواج في المنطقة.
وقد أدى ظهور ودخول عادات دخيلة على عادات الزواج إلى رفع سقف التعب المادي والإرهاق الجسدي والنفسي، وإلى ما يمكن وصفه بالكابوس الشرس.
فمن هم “مشاوير” البحث والتنقل بين الأسواق من مدينة إلى أخرى عن الملابس الشخصية النسائية الخاصة بالمناسبة، التي تبالغ بعض النسوة في البحث عنها، ناهيك عن التفاخر بقيمتها المادية، إلى عادة (قرطسة) الهدايا والتحف مع بعض المكسرات التي تُقدم للمدعوات وتُرمى عادة على أقرب طاولة أو سلة مهملات ليلة الحفل (الوهم). وهي بالمناسبة عادة دخيلة ما أنزل الله بها من سلطان! هذا غير البحث عن عقود الفل التي تصل قيمة بعض الواحد منها إلى (1500) ريال.
وصولاً إلى المطربة (التي لا يحمل صوتها شيئاً ولو زهيداً من مقومات الطرب غير اسمه)، ولن تنسى النسوة أيضاً أن يقدمن لها صحناً خاصاً مليئاً بالهدايا (فوق البيعة طبعاً خارج المبلغ المادي الذي تلهفه) لقضاء ساعتين من الفن الأعوج. وهي التي لا تبدأ في الصدح بصوتها القبيح إلا مع ساعات الصباح الأولى كما جرت العادة. ليمتد الاحتفال النسوي إلى وقت ظهور علامات الفجر بكل ألوانه وخيوطه، أو صداح أذانه! وهذه العادة المقيتة لها ما لها وعليها ما عليها.
وما أن تحمد الله على انتهاء السامر أو هكذا تظن، حتى تهجم عليك هموم وكوابيس الليلة الثانية التي تُسمى (التخييلة) ولا أدري متى نشأت هذه العادة. وقبل ذلك كله تحولت حفلة العقد التي استبدلها الأهالي بمسمى (الملكة)، إلى ليلة تماثل في احتفاليتها ليلة الزواج. أي أن الاحتفال بالمناسبة يتم ثلاث مرات تقريباً بشكل منفصل وبتكاليف مالية وجسدية مرهقة أيضاً.
مناسبة الزواج تحولت في السنوات الأخيرة إلى تعذيب لأهل العروسين أكثر منه احتفالية وفرح. وبات الشاب يحمل هم تلك الليالي قبل أن تبدأ. قبل فترة تحدثت إلى أحد مشايخ إحدى القبائل فقال لي: “نحن لسنا راضين عما يحدث قطعاً لكن تعديل تلك الأمور الدخيلة يحتاج إلى وقفة جادة من جميع شيوخ القبائل، ولا أعتقد أن أي عاقل سيرضيه ما يحدث قطعاً“.
على مدى سنوات عمري شاهدت الكثير من التحولات التي طرأت على عادات وتقاليد الزواج. وكنت أتمنى ألا تتأثر الأصالة التاريخية للموروث العظيم بهذه السهولة في هذا الجانب تحديداً. فالذين يتذكرون أصالة أفراح الزواج، لا شك أنهم يتحسرون كما أتحسر الآن على ذهاب الكثير من جماله وروعته وبساطته.
فهل ستعود تلك الأيام يا ترى؟
____________________
المصدر : صحيفة الوطن.
