حكم استخدام الوسائل الحديثة في منع الإنجاب (1)
المقصود بوسائل منع الإنجاب: كل ما يتم اتخاذه مما من شأنه أن يحول دون حصول الحمل.
ومع مرور الزمن تعددت وسائل منع الإنجاب وتطورت من خلال مراكز بحثية متخصصة تنهض بهذا الشأن، وأفرزت لنا هذه الأبحاث جملة من الوسائل الآلية والكيميائية الحديثة التي يمكن للرجل أو المرأة استخدامها بهدف منع الإنجاب، وهذه الوسائل منها ما هو مانع مؤقت ، ومنها ما هو مانع دائم ، فنبدأ أولاً في بيان وسائل منع الإنجاب بصفة مؤقتة ، فأقول وبالله التوفيق :
تتنوع وسائل منع الإنجاب بصفة مؤقتة إلى وسائل آلية وأخرى هرمونية، وبيان كل نوع وما يتعلق به من أحكام يتضح فيما يلي:
أولاً: الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة:
هناك عدد من الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة، من أشهرها:
أولاً: الواقي الذكري:
هو عبارة عن كيس أو غشاء بلاستيكي رقيق ، يجعل الرجل ذكره فيه قبل الجماع، فيمنع تسرب المني إلى الفرج، وقد استعمل في البداية للوقاية من الأمراض التناسلية، ثم استعمل بشكل واسع كمانع للحمل.
ثانياً: الواقي الأنثوي:
هو عبارة عن حاجز من المطاط الرقيق على شكل قبة، يحيط به إطار معدني مرن، يوضع داخل المهبل ليسد فتحة عنق الرحم لمنع تسرب الحيوانات المنوية إلى الرحم،
ثالثاً: التحاميل المهبلية:
هي تحاميل طبية صغيرة على شكل مخروط صلب تستعملها المرأة في المهبل قبيل الجماع، وهي عبارة عن مستحضرات كيميائية قاتلة للحيوانات المنوية، وتعتبر أكثر مانعات الحمل الكيميائية سهولة في الاستعمال.
رابعاً: اللولب :
هو آلة صغيرة مصنوعة من البلاستيك أو من البلاستيك مع النحاس، يوضع داخل تجويف جسم الرحم لمدة تتراوح من 3 – 5 سنوات.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض أنواع اللولب يضاف إليها هرمون البرجسترون عن طريق جهاز صغير يحوي 38 مليجراماً من البروجسترون ويطلق يومياً ما بين 100- 150ميكروجراماً من البروجسترون الذي يعمل بصورة أساسية على غشاء الرحم الداخلي، وقد ظهرت هذه الأجهزة منذ عام 1349هـ/1974م ولا تزال تستعمل، وتعتبر الأجهزة الهرمونية صغيرة الحجم ولذا يقل حدوث الألم أثناء تركيبها وبعدها، ولكن ينبغي أن تستبدل سنوياً، وهناك نوع به كمية أكبر من البروجسترون (65 مجم) تكفي لمدة 18 شهراً.
وبعد بيان الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة ندلف لبيان الحكم الشرعي لاستخدام هذه الوسائل ، وقبل أن نبين حكم استعمال الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة لا بد من الإشارة أولاً إلى العزل وحكمه؛ وذلك لأن له ارتباطاً وثيقاً بوسائل منع الحمل المؤقتة من جهة أن الغاية من الجميع واحدة.
والعزل: هو أن يجامع الرجل المرأة، فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج.
وقد ذهب جماهير الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة إلى إباحة العزل ، واستدلوا على ذلك بما يلي :
[1] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه- أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إن لي جارية، هي خادمنا وسانيتنا ، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: “اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها”، فلبث الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، فقال: “قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها” رواه مسلم. وظاهر من الحديث الإذن في العزل؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار في فعله وتركه إلى الرجل وهذا هو حد المباح.
[2] عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: “كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل” رواه البخاري ، وفي رواية: “كنا نعزل على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا” رواه مسلم. فقد عزل الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن التشريع ونزول الوحي، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينههم، فكان إقراراً منه صلى الله عليه وسلم لهم، ولو كان منهياً عنه لم يُقَرُّوا على فعله، فدل ذلك على جواز العزل.
[3] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي أمة، وأنا أعزل عنها، و إني أكره أن تحمل، و إن اليهود تزعم أنها المؤودة الصغرى ؟ قال: “كذبت يهود، إذا أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن ترده”رواه أحمد وأبو داود. فتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود بأن العزل وأدٌ، وعدم نهي السائل عن العزل دليل على جوازه.
لكن لابد من ملاحظة أن العزل لا يخلو من كراهة؛ لما فيه من تقليل النسل،ومنع المرأة من كمال استمتاعها، وممن صرح بالكراهة الشافعية،والحنابلة.
لكن إذا كان هناك حاجة للعزل فإنه يكون جائزاً بلا كراهة، قال ابن قدامة رحمه الله: «العزل مكروه…إلا أن يكون لحاجة : مثل أن يكون في دار الحرب فتدعوه حاجته إلى الوطء , فيطأ ويعزل – ذكر الخرقي هذه الصورة – , أو تكون زوجته أمة , فيخشى الرق على ولده , أو تكون له أمة , فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها , وقد روي عن علي > أنه كان يعزل عن إمائه، فإن عزل من غير حاجة كره ولم يحرم »[ المغني (7/226)].
وتجدر الإشارة إلى أن جماهير العلماء من الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية في قول ذهبوا إلى أنه لايعزل عن الحرة إلا بإذنها، وقد نقل ابن عبدالبررحمه الله الإجماع على ذلك [الاستذكار (6/228)]، لكن في هذا النقل نظر؛ فقد ذهب الشافعية وهو قول عند الحنابلة إلى عدم اشتراط إذن المرأة؛ بناء على أن حقها في الوطء وليس في الإنزال.
والصحيح هو ما ذهب إليه جماهير العلماء، وذلك لما يلي:
[1] حديث عمر رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها” رواه أحمد وابن ماجه وفيه ضعف.
[2] أن للزوجة حقاً في الولد، وعليها ضرر في العزل لعدم اكتمال لذتها ، فلا يجوز إلا بإذنها، للقاعدة الشرعية: (لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجه.
وأما قول من لم يشترط إذن المرأة: (إن حقها في الوطء وليس في الإنزال)، فالجواب عنه من وجوه:
[1] أن الجماع من حقها، وليس الجماع المعروف التام إلا ما لا يلحقه عزل.
[2] أن للزوجة حقاً في الولد، والوطء مع إنزال سبب لحصول الولد , فيكون العزل سبباً لفوات حقها.
[3] أن للزوجة حقا في الاستمتاع وطلب النسل , فلما لم يكن له أن يمتنع من وطئها لم يكن له أن يمتنع من إكماله، والله تعالى أعلم.
ونأتي الآن لبيان حكم استخدام الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة:
استخدام الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة حكمه حكم العزل تماماً، أي أنه جائز إذا تراضى عليه الزوجان، لكنه مكروه بغير عذر، وقد صرح بذلك الفقهاء المتقدمون، ومن ذلك:
[1] قال الحنفية: «وينبغي أن يكون سد المرأة فم رحمها كما تفعله النساء لمنع الولد حراما بغير إذن الزوج، قياسا على عزله بغير إذنها».
[2] قال المالكية: «ومثل العزل أن تجعل في الرحم خرقة ونحوها مما يمنع وصول الماء للرحم».
أما الفقهاء المعاصرون فقد تكلموا عن موانع الحمل المؤقتة بصفة عامة (الآلية والهرمونية)، وجعلوا حكمها حكم العزل.
وبناء على ما تقدم في حكم العزل يكون حكم استخدام الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة الجواز بدون كراهة إذا كان هناك حاجة لاستخدامها، أما مع عدم الحاجة فالحكم هو الجواز مع الكراهة، وقد صدرت بالجواز عند الحاجة قرارات المجامع والهيئات الفقهية ، ومن ذلك:
* قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة المنعقدة في الكويت في المدة من (1-6) جمادى الأولى 1409هـ الموافق (10-15) ديسمبر 1988م وفيه: «يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة».
والجواز السابق مقيد بثلاثة شروط:
[1] أن يكون استخدام هذه الوسائل لمنع الإنجاب بتراض من الزوجين؛ لأن الحق لهما جميعاً، فلا يجوز إلا بإذنهما معاً.
[2] أن تكون هناك مصلحة معتبرة شرعاً لاستعمال هذه الموانع؛ فلا يجوز منع الإنجاب إذا كان القصد منه الخوف من الفقر، أو لأسباب أخرى غير معتبرة شرعاً ، جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة بمكة المكرمة في المدة من (23-30) ربيع الآخر 1400هـ الموافق (10-17) مارس 1980م وفيه: «لا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا} سورة هود، الآية [6]، أو كان ذلك لأسباب أخرى غير معتبرة شرعاً».
[3] أن لا يكون هناك ضرر في استعمال هذه الموانع سواء على الرجل أو المرأة، والوسائل الآلية غالباً ما تكون سالمة من الأضرار.
حكم استخدام اللولب:
إن اللولب هو أحد الوسائل الآلية لمنع الإنجاب بصفة مؤقتة؛ ومن ثَم فإن حكمه لا يختلف عن بقية الوسائل الآلية لمنع الإنجاب، لكن بالنظر إلى آلية عمل اللولب فإننا نجدها تختلف عن آلية عمل الوسائل الآلية الأخرى؛ إذ إن اللولب لا يمنع دخول المني إلى الرحم كما هو الشأن في الوسائل الأخرى، لكنه يعمل على إحداث تقلصات في قناتي المبيض والرحم تؤدي إلى طرد البويضة من الطرق التناسلية، وهذا يؤدي إلى موت البويضة قبل أن يتم تلقيحها.
غير أن البويضة قد تنضج ولا تتمكن التقلصات من طردها من الطرق التناسلية إلا بعد التلقيح، ولكن هذه التقلصات تمنع انغراس هذه البويضة الملقحة في جدار الرحم، ومن ثَمّ ذهب بعض الباحثين إلى أنه يحرم استخدام اللولب؛ لأن عمله نوع من أنواع الإجهاض المبكر.
لكن الذي يظهر أن هذا الذي ذهبوا إليه من حرمة استخدام اللولب مرجوح؛ وذلك لما يلي:
[1] أن الأصل في عمل اللولب هو منع التلقيح – كما تقرر ذلك في المؤتمر الدولي عن الضوابط والأخلاقيات في بحوث التكاثر البشري في العالم الإسلامي المنعقد في القاهرة في المدة من (4-7) جمادى الآخرة 1412هـ، الموافق (10-13) ديسمبر 1991 م، والذي نظمه المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية بجامعة الأزهر- وأما حدوث التلقيح فيعتبر قليلاً وفق أحدث الدراسات، ومن القواعد المقررة في الشرع أن (الأكثر له حكم الكل) .
[2] أن البويضة الملقحة ليس لها حكم الجنين حتى تنغرس في الرحم كما قال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} سورة المؤمنون، الآية [13]، وبذلك لا يكون إسقاطها داخلاً في الإجهاض أصلاً، وهذا هو الظاهر من مذهب من يمنع إجهاض النطفة، وقال القرطبيرحمه الله: «النطفة ليست بشيء يقيناً، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم» [تفسير القرطبي (12/8)].
وهذا الذي تقدم تقريره من أن البويضة الملقحة لا يتعلق بإسقاطها حكم قبل أن تنغرس في الرحم هو الذي انتهت إليه المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها (رؤية إسلامية لبعض الممارسات الطبية) المنعقدة في شعبان 1407 هـ حيث جاء في توصيات الندوة المذكورة ما نصه: «البويضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم»، كما أنه الذي انتهت إليه جمعية العلوم الطبية الإسلامية الأردنية حيث جاء في توصيات ندوات الجمعية المنعقدة بين (1413هـ-1415هـ) ما نصه: «الحياة المحترمة للبويضة الملقحة إنما تبدأ بعد علوقها في جدار الرحم بين اليومين السادس والسابع بعد التلقيح، وعلى ذلك فإن استعمال اللولب الطبي لمنع علوق البويضة الملقحة في جدار الرحم هو أمر جائز»، والله تعالى أعلم.
ونأتي الآن لبيان حكم استخدام الأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب بصفة مؤقتة:
هناك عدد من الأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب بصفة مؤقتة، وأهمها نوعان: حبوب منع الحمل، والحقن الهرمونية طويلة الأجل، وكلا النوعين الأصل أنه من الموانع الخاصة بالمرأة، إلا إن الدراسات متواصلة لتمكين الرجل من استخدام مثل هذه الموانع بهدف إبطال مفعول منيه ليصبح غير قادر على الإنجاب .
وقد سبق بيان أن الأصل في استخدام موانع الإنجاب المؤقتة الجواز بدون كراهة إذا كان هناك حاجة، والجواز مع الكراهة مع عدم الحاجة قياساً على العزل، وأنه قد صدرت بالجواز عند الحاجة قرارات المجامع والهيئات الفقهية .
واستعمال الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب لا يخرج عن هذا الأصل، كما أنه داخل في القاعدة الشرعية (الأصل في الأشياء الإباحة)، لكن هذا الجواز مقيد بالشروط العامة لاستعمال موانع الإنجاب التي تقدم ذكرها، والتي منها : أن لا يكون هناك ضرر في استعمال هذه الموانع سواء على الرجل أو المرأة.
وهنا لا بد من وقفة متأنية مع هذا الشرط ؛ وذلك لأن استعمال الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب لا يخلو من الضرر، ومما ذكره الأطباء في ذلك ما يلي:
[1] تسبب الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب الإصابة باضطرابات العادة الشهرية وهي من أكثر العوارض التي تحدث لـ 75 % من النساء، وتظهر إما بشكل نزيف دموي خلال مدة الطمث والذي بسببه يمكن أن يحدث فقر دم، وإما بانقطاع للطمث نهائيا، لكنه غير ضارٍّ غالباً، ويشبه ما يحدث للمرأة المرضع بتأثير الرضاعة، وغالباً ما يكون هناك مدة بين التوقف عن أخذ هذه الأدوية وبين القابلية للإنجاب، وتختلف هذه المدة من امرأة إلى أخرى لكنها في العادة تبلغ عشرة أشهر، لكن من المؤكد أن بعض الأدوية الهرمونية المانعة للحمل يؤدي استعمالها لمدة طويلة وبدون توقف إلى حدوث تغييرات في المبيض والرحم، وتسبب ضموراً للغشاء المبطن للرحم مما يؤدي إلى العقم الدائم في بعض الأحيان.
[2] تسبب هذه الأدوية الهرمونية زيادة في ارتفاع ضغط الدم، وقد يعود لوضعه الطبيعي عند التوقف عن الاستعمال.
[3] كما تسبب زيادة في حدوث التخثرات الدموية، وبالتالي أمراضاً في الشرايين وخاصة في شرايين الساقين، وتزداد المخاطر زيادة كبيرة إذا كانت المرأة تعاني من دوالي في الساقين؛ لأن الدوالي – وهي أوردة متمددة – تساعد على بطء الدورة الدموية في الساقين وبالتالي تتيح فرصة أكبر لتكوّن التخثرات.
[4] كما تسبب زيادة في الإصابة بأمراض الكبد والمرارة، واحتمال ظهور ورم غدي في الكبد أو الإصابة بسرطان الكبد.
[5] وتسبب حدوث الكآبة والقلق والأمراض النفسية، كما تحدث نوبات صداع في الرأس وتغيير في المزاج.
[6] وتسبب زيادة في نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم.
[7] كما يصحب استعمال الأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب اضطرابات في المعدة والجهاز الهضمي، وتؤدي هذه الإضطرابات المَعِدِيَّة إلى القيء والدوخة والشعور بالثقل في المعدة.
[8] ويمكن أن تسبب الإصابة ببعض أمراض المسالك البولية كالتهاب المجاري، كما يمكن أن تسبب الإصابة بمرض البول السكري؛ ولهذا فإن أي امرأة أصيبت بالسكر أثناء الحمل لا يصلح لها استعمال الأدوية الهرمونية المانعة للحمل -وخاصة تلك التي تحتوي على كمية عالية من البروجستيرون-.
[9] ويمكن أن تسبب سقوط الشعر لدى بعض النساء.[10] يمكن أن تسبب ظهور الكلف، وهو عبارة عن بقع بنية اللون في الوجه، خصوصا على الوجنتين والأنف.
[11] ويمكن أن تسبب حدوث اضطراب في السمع وضعف في النظر.
لكن بعد ذكر الأضرار والمضاعفات للأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب لا بد من التأكيد على ما يلي:
[1] إن أي دواء أو مركب كيميائي يتعاطاه الإنسان له مضاعفاته، ولكن ليس معنى ذلك ألا نتناوله، فالقاعدة هنا هي استعمال الدواء المناسب عندما تكون هناك حاجة إليه وتحت إشراف الطبيب.
[2] الآثار والأضرار الجانبية لهذه الموانع الهرمونية تتوقف على كمية الجرعة المتناولة، ونسبة الهرمونات، وطول فترة الاستعمال، وعمر المرأة، ومدى مناسبة هذه الموانع لها، واتباعها للإرشادات الطبية، وبعض هذه الآثار يمكن تلافيها بمجرد تغيير نوع الحبوب واختيار التركيبات المحتوية على الهرمونات المخففة، ومنها ما يظهر في الشهر الأول لتناول الحبوب ثم يختفي في الشهور الأخرى، أما معظم هذه الآثار فإنه يختفي تماماً بعد التوقف عن استعمال هذه الموانع الهرمونية.
[3] إن بعض هذه المضاعفات لا يظهر إلا بعد مرور سنوات كثيرة على الاستعمال المستمر لهذه الموانع الهرمونية في نسبة قليلة من النساء.
وعليه فلابد من إجراء فحص طبي شامل للمرأة قبل تناول الأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب، ولا بد من عدم صرف تلك الأدوية إلا بوصفة طبية متخصصة، كما ينبغي على المرأة أن تبقى تحت الإشراف وأن تراجع الطبيبة عند حدوث أي مشكلة،كما أن عليها أن تجري الفحوصات الدورية بواسطة الطبيبة كل سنة أو كل ستة أشهر، مع مراعاة أن لا تستعمل المرأة هذه الأدوية لمدة طويلة إلا عند الحاجة الملحة وبإستشارة الطبيبة مع إجراء الفحوصات الدورية.
وبناء على ما تقدم يمكن أن نقول بأن استخدام الأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب بصفة مؤقتة قد يكون جائزا ً وقد يكون محرماً باختلاف الأحوال ، وبيان ذلك كما يلي :
أولاً : يجوز عند الحاجة استعمال الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب إذا كان لا يترتب على استعمالها ضرر وتم أخذها باستشارة الطبيبة، وبعد إجراء الفحوص الطبية اللازمة لتحديد مدى مناسبة هذه الأدوية للمرأة ، لكن استعمالها من غير حاجة مكروه كالعزل، ولما تقدم من أضرارها، فيكون في استعمالها تعريض للنفس لضرر محتمل من غير حاجة.
ثانياً :استعمال الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب بغير مشورة الطبيب متردد بين الحرمة والكراهة بحسب حالة المرأة وتاريخها المرضي.
ثالثاً: إذا كان يترتب على استعمال الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب ضرر محقق فإنه يحرم استعمالها، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، وعملاً بالقاعدة الشرعية “الضرر يزال”، ومن الحالات التي يتحقق فيها الضرر باستعمال هذه الأدوية الهرمونية لمنع الإنجاب – وبالتالي حرمة استعمالها – ما يلي:
[1] في حال وجود مرض حالي أو سابق في الجهاز الدوري وأمراض الدم مثل: وجود جلطة دموية، أو انسدادات شريانية، أو ذبحة صدرية، أو زيادة في دهنية الدم، أو أمراض القلب، أو مرض كريات الدم المنجلية – وهو مرض وراثي ناتج عن تكسر كريات الدم الحمراء ذات الشكل المنجلي -.
[2] قبل إجراء العمليات الكبرى بستة أسابيع تقريباً، وكذا لمدة قصيرة بعد العملية؛ وذلك لتأثير الحبوب في منع تخثر الدم، وكذا لا تستعمل هذه الأدوية في مدة النفاس قبل مضي ستة أسابيع من الولادة؛ إذ قد يسبب استعمالها – وخاصة الحقن طويلة الأجل – إلى نزف شديد لا يمكن إيقافه إلا بإزالة الرحم.
[3] في حال وجود مرض سابق أو حالي من أمراض الكبد مثل: التهاب الكبد الفيروسي، أو وجود تليف بالكبد، وكذا في حال وجود مرض في الكلى.
[4] في حال السمنة المفرطة، أو وجود دوالي في الساقين، وكذا في حال وجود أورام في الثدي أو في الجهاز التناسلي.
[5] عند إصابة المرأة بمرض ارتفاع السكر في الدم، ولو في مدة الحمل فقط.
[6] في حال وجود مرض نفسي وخاصة الكآبة، وعند وجود نوبات متكررة من الصداع النصفي أو نوبات الصرع.
[7] في حال المرأة المدخنة خاصة فوق سن الخامسة والثلاثين؛ لأن استخدامها للحبوب يزيد من احتمالية إصابتها بالجلطة – فضلاً عن أضرار التدخين نفسها .
ويجدر التنبيه هنا إلى أن هناك أدوية هرمونية مانعة للإنجاب يتم استعمالها بعد الجماع، حيث تستعملها المرأة خلال 72 ساعة من الاتصال الجنسي، بواقع مرتين يومياً ولمدة خمسة أيام متتالية، فتعمل على منع التبويض، كما أنها تسبب تغييراً في بطانة الرحم بحيث لا تستطيع البويضة الملقحة الانغراس والتعشيش فيها، وهذه الحبوب تسبب غثياناً وقيئاً عادة، وفي حالة عدم فاعليتها وحصول حمل، فإن الإستروجين الداخل في تكوين هذه الموانع قد يحدث إصابة بسرطان مهبلي في المواليد الإناث، لذلك يعمد في مثل هذه الحالة إلى إجهاض المرأة الحامل .
وقد ذهب بعض الباحثين إلى تحريم استعمال هذا النوع من الموانع الهرمونية؛ لأن عمله نوع من أنواع الإجهاض المبكر.
والجواب عن هذا هو نفس الجواب على من حرم استخدام اللولب للعلة نفسها، والذي يمكن تلخيصه في أن حصول التلقيح ليس متيقناً، ولو حصل فإن البويضة الملقحة ليس لها حكم الجنين حتى تنغرس في الرحم، ناهيك أن جمهور العلماء يجيزون أصلاً إجهاض النطفة حتى بعد انغراسها في بطانة الرحم.
لكن لا يخلو استخدام هذا النوع من الموانع الهرمونية من كراهة شديدة لما يمكن أن يترتب عليه من ضرر في حال حصول الحمل، والذي يمكن أن يؤدي إلى الإجهاض، وإنما لم نقل بالتحريم لأن حصول الحمل ومن ثم الضرر المتوقع هو أمر محتمل وليس بمتيقن، لكن رغم ذلك لا ينبغي استعمال مثل هذا النوع إلا عند وجود حاجة ملحة أو ضرورة – كما في حالات الاغتصاب -.
وكل ما تقدم بيانه إنما هو في حكم استعمال الأدوية الهرمونية المانعة للإنجاب بالنسبة للنساء، أما الأدوية الهرمونية الخاصة بالرجال فهذا النوع من الموانع ما زال تحت الدراسة والتجارب، لهذا فإن الحكم الشرعي لهذا النوع متوقف على نتائج تلك الدراسات والتجارب.
وتجدر الإشارة إلى أن الفقهاء المتقدمين اختلفوا في حكم تناول الرجل لما يؤثر على قدرته على الإنجاب، فذهب المالكية – رحمهم الله – إلى أنه لا يجوز للرجل أن يشرب من الأدوية ما يقلل نسله، في حين ذهب الحنابلة – رحمهم الله – إلى أن للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع ككافور؛ لأنه حق له.
والذي يظهر – والله أعلم -أنه إذا أمكن إنتاج مانع مؤقت تثبت التجارب خلوه من الأضرار جاز استعماله بإذن الزوجة قياساً على العزل، أما ما ثبت ضرره فلا شك في حرمة استعماله للقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار).
وأخيراً أقول: إن مما لا حاجة للتنبيه عليه أن الكلام المتقدم في حكم موانع الإنجاب المؤقتة إنما هو في إطار العلاقة الزوجية، أما ما كان الغرض منه ممارسة العلاقات الجنسية المحرمة بدون خوف من حدوث الحمل فهذا لا شك في تحريمه إذ إن (الوسائل لها أحكام المقاصد)، والله عز وجل يقول: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} سورة الإسراء، الآية [32]، واستعمال موانع الحمل لهذا الغرض يؤدي إلى انتشار الأمراض الجنسية التي من مضاعفاتها حدوث الالتهابات التي تؤدي إلى العقم _ كما تقدم _ .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين
الدكتور محمد بن هائل المدحجي