عالم الأيتـام والأحـداث
د. خالد بن سعود الحليبي
من أجل سبعين دارًا إيوائية على امتداد رقعة المملكة، عقدت وزارة الشؤون الاجتماعية شراكة متميّزة الأهداف والرؤى مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ من أجل تدريب وتأهيل وتثقيف الأبناء والبنات الذين يقطنونها؛ أيتامًا أو أحداثًا.
وحين تقترب من هذا العالم الهادئ الصاخب، تجد نفسك أمام وجوه وادعة، تخفي وراءها قلوبًا مائجة، تكاد تسمع هدير الأحاسيس المتلاطمة وأنت تتهجّى تقاسيم أحدهم، ونتوءات الوجوم المتورّم فوق وجنات طفولة مفجوعة.
كلٌ منهم يتيم، وإن وجد أب وأم لدى الحدث، فهو يعيش اليتم ذاته؛ على الأقل في هذه الفترة التي يقضيها في إطارٍ استصلاحي، يقوم على تقويمه؛ لإعادة صياغته من جديد؛ ليكون لبنة صالحة في بناء مجتمعه ووطنه.
واليُتم يترك ندوبًا في النفس والروح، تحتاج إلى لمسةٍ حانية، ومسحة مشفقة، وقد يحتاج إلى أذن مصغية، وعين تقرأ ملامح المستقبل المبهم بحروف كأوراق العنب الظليلة، الغنية بذاتها عن ثمراتها.
حين يتعلق المشروع بحدَثٍ خرج عن طور طفولته إلى شَرخٍ شقَّتْه كفُّ التربية التقليدية الموروثة؛ التي تظنُّ التربية قتالًا وشتائم؛ لا صحبة وتوجيهًا، فإنه سيحتاج كثيرًا من الحُبِّ والتعاطف؛ ليكون قرينًا لكل كلمة تقال، وكل نظرةٍ تُلقى، وكل برنامجٍ يًقام.
إن الجريمة (الطارئة) هي التي أودتْ بالحدث إلى هذا المكان الذي دخله، كما تدخل قطعة الفولاذ الصلبة في تنوّر؛ لا لتحرق به، ولكن لتحوّلها إلى إناء فاخر، أو زُخرف مبهر، وما كان لها أن تكون كذلك لو أنها لم تذق ما ذاقت.
ويا ليت شعري، كيف تحوّلت تلك الدار إلى مخيّم ربيعي، ومدرسة تربوية، ومركز تدريبي، وميدان رياضي، وورشة مهنية، وعيادة إرشادية، فلا تكاد تلتفت إلى شيء إلا وجدته يأخذ بيد الحدث إلى ما يُسعده، ويحدث في قلبه التغيير الإيجابي الرائع، إذا هو أراد أن ينتفع بكل ذلك.
إن عدد الأحداث والأيتام قليل في كلِّ دار، ولكنَّ لكل منهم شأنًا يُغنيه، كل واحد منهم قصة، بل رواية، بل بصمة خاصة، فلا غرو أن يحتاج كلٌ منهم اهتمامًا خاصًا جدًا، وحين تصل البرامج المقدّمة لهم إلى هذه الدرجة من الخصوصية فإنها تكون قد اقتربت من أهدافها، وحققت وجودها.
التبعة على وزارة الشؤون الاجتماعية كبيرة، وقد أحسنت صنعًا حين استعانت بخبرات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ في الجانبين العلمي والمِهني، وأودعت هذه الأمانة في أيديهم؛ لتحقيق قدر من التعاون المشترك لبناء تلك النفوس الطرية، والعقول الفتية، وصناعة مستقبل يحمله الأمل بأجنحته القوية إلى أفق السعادة والإنتاج والاندماج الكامل بالحياة الفسيحة، ويقبل رأس الوطن الآمن ليكون أحد حُماته وبُناته.