الأسرار العشرة للزواج الناجح.
أ.عبد المنعم بن عبد العزيز الحسين.
لا يخفى عليكم مدى حاجة الأسرة لإنتاج فكري كبير يخاطب عقول وعاطفة الناس في مسألة مهمة وهامة جدا وليس ذاك على مستوى الأفراد فحسب بل على مستوى الأمم والشعوب التي نرى آفة التفكك الأسرى تنهش فيها فتصرع بعضها وهي في بدايات التكوين وتصرع الأسر الأخرى بعد أمد .
وما كان لمعاول الهدم أن تنجح إلا في ظل وجود بيئة صالحة وعدم وجود مناعات تحد من التفكك وما مثل هذه الكتابات والأشرطة والتوجيهات إلا كمثل التحصينات والدفاعات التي تحفظ الأسرة وتقويها ..
أخواني الكرام ..أضع بين أيديكم …
أسرار الزواج الناجح من واقع القرآن والسنة المطهرة والكتابات التربوية والعصرية فإلى الأسرار العشرة :
قال تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ثم تأمل ماذا قال المفسرون في قوله تعالى ( مودة ) :” أي جعل بين الزوجين مودة أي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإِن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق”
فقد تخطئ الزوجة بقصد أم بغير قصد فتؤذي زوجها بكلمة أو بإشارة في حقه أو حق والديه أو أهله فهنا ينبغي أن يتأنى الرجل الحصيف ويصبر ولا ينزعج انزعاجا شديدا بل ينصح ويوجه بالحسنى ويتأنى ولا يتعجل كسر الباب .
قال تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ) وإن من العشرة بالمعروف أن يقوم الزوج بالتوسعة على زوجته وأولاده في معيشتهم وأن يدخل السرور عليهم وأن يؤنسهم وينفق عليهم ولا يبخل عليهم فما أضر على المرأة من شح زوجها ، قال مالك : “ينبغي للرجل أن يحسن إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم” وكل ذلك من غيرما إسراف ولا تبذير ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ” كما لا ينبغي للزوجة أن تسارع في اتهام زوجها إذا ما تأخر في تلبية طلباتها بالبخل فإن ذلك يؤذيه أيما إيذاء فليتنبه لذلك .
ومساعدة الزوجة في بعض شؤونها المنزلية من ذلك وقد كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله
فبر الزوجة والعيال والإحسان إلى أهل الزوجة وإهداء شيء لها من المحبوبات عندها وتكرار ذلك ولو كان بشيء يسير فإن ذلك يثبت المحبة في قلبها ويزيل ما يعتلج في النفس من مكدرات الحياة اليومية .
ولا أضر من شح المرأة على زوجها إن كان لها مال من راتب أو غيره فينبغي له ولها التعاون في ذلك بالحسنى وعدم المشاحة وعدم حضور الشح للأنفس ، فالمطلوب هو إقامة حدود الله وعبادته وتحقيق مقاصد الزواج العظيمة من التعاون وترك التحاسد والتباغض والطمع والجشع .
فكم بيوت تهدمت والسبب الريال والريالان ومع أن الزوج هو المعني بالنفقة على البيت لكن هذا لا يمنع أن توسع المرأة على زوجها وتتعاون معه إن كانت تستطيع ذلك فقد قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) . فدل ذلك على المساواة في ذلك بين الذكر والأنثى .
ينبغي ألا يكون البيت الأسري واهيا كبيت العنكبوت بل ينبغي أن يبنى على أسس قوية من الأمانة والثقة المتبادلة بين الزوج وزوجه فالغيرة الزائدة تهدم البيوت وتعطلها وتؤتي بشؤمها على المجتمع وفي ذلك من القصص والحكايا من الشكوك من الزوج في زوجته والعكس ، فإذا اختار الرجل زوجه على أساس من الدين والتقوى والصلاح والزوجة كذلك ، فلا ينبغي الاستماع لوساوس الشيطان وتزيينه وجلبه الذي لا يتوقف من النفث في بالون الوهم .
وللأسف قد يحدث أحيانا التلاعب في الغيرة بنفسية المقابل بغرض الشعور بالأهمية والاختبار فيقع ما لا يحمد عقباه .وقد تحدث كذلك معالجة الظنون والأوهام بأخطاء كبيرة تصل إلى قتل النفس .
ومن الأمانة وعدم الخيانة حفظ أسرار البيوت وعدم نقلها خاصة في الأحاديث والملتقيات والمجالس الرجالية والنسائية على حد سواء فإن ذلك من الأسرار العظيمة التي لا ينبغي إفشاؤها لأي كان .
لا نقول ينبغي بل نقول يجب على الزوجين أن يقوما بما فرض الله عليهما في حق بعضها البعض من الاستمتاع المباح ومقدماته ، ولا تمتنع الزوجة عن أداء واجباتها وكذلك الزوج ، وإذا قلنا ذلك فينبغي العناية بالمظهر والتجمل والتطيب والظهور بأجمل صورة أمام الآخر (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) وعليهما تعلم آداب العشرة الخاصة وما يستطيع كل منهما أن يعف به الآخر من غير ما وقوع في المنهيات و المحرمات .
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :” إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ” فالأخلاق الطيبة مثل لين الحديث والتبسم والمزاح البريء وإدخال البهجة والسرور على بعضها البعض والتواضع ولين الجانب والاحترام المتبادل وعدم التحقير والتصغير والإساءة من أي منهما للآخر ، وعدم الكبر فقد سابق عليه الصلاة والسلام عائشة رضي الله عنها ، وكل ما من شأنه من الآداب الإسلامية والأخلاق النبوية من الحلم والأناة وعدم الغضب ، وطيب المعشر ، والصدق في الحديث والوعد والبر والصلة وعدم المماراة والجدال والتخويف والسعي في إغاظة أحدهما للآخر وجلب النكد له وعليه وخير الأخلاق ( الكلمة الطيبة ) ويقول عبد الله ابن المبارك :
بني إن البر شيء هين وجه طليق وكلام لين
والنظرة المشفقة الحانية قال تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) فعلينا التحلي بأخلاق النبوة وننهل منها ونتحلى بها لنسعد في حياتنا عامة وفي حياتنا الأسرية بشكل خاص .
الأسرة أشبه بالسفينة الصغيرة التي تمخر الماء لا بد لتلك السفينة من ربان ولابد لذلك الربان من طاعة وانقياد فيما يرضي الله تعالى ،وقد جعل الله القوامة للزوج بقوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) فحق ذلك الزوج السمع والطاعة يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته خاصة إذا كان الأمر في طاعة الله تعالى وليس فيما نهى عنه سبحانه.
ومن القوامة الخدمة قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .
يقول أحد المعنيين بالأسرة : لكي تعرف كم مقدار حبك لأسرتك ، احسب كم من الوقت تمضيه معها وكم من الوقت تمضيه مع منهم خارج الأسرة .
فللأسف مع الشواغل والكد وطلب العيش وربما أحيانا في ممارسة الهوايات المتنوعة من اللقاءات والمسامرات والانترنت ينشغل أحد الزوجين عن صاحبه كثيرا وينسى نفسه في ذلك وينسى أن هناك زوج أو زوجة تنتظره وبالتالي تفكك الأسر وتنهدم البيوت بسبب أن الوقت الأسري ليس في حسبان أي منهما .
ولعلاج ذلك ينبغي تخصيص وقت للهو واللعب والمدارسة والقراءة والحديث والمرح والترفيه والسفر الأسري حتى يحدث التوازن .
ينبغي أن يكون هناك لقاءات خاصة تحاورية تكون فيها فرصة للحديث والحوار والمناقشة الهادفة وتقويم الأخطاء والسلوكيات بقصد التعديل ويكون هناك التعليم والتربية ومدارسة القرآن والحديث والتفاسير والسيرة وحضور المحاضرات واللقاءات الدعوية المباركة ومشاهدة البرامج الهادفة مع الأولاد ووجود تغذية مستمرة للمكتبة السمعية والبصرية والمقروءة من المواد المفيدة والهادفة من الكتب والمجلات ، فهذا كله من الوعظ المذكور في قوله تعالى ( وعظوهن).
لا يوجد نسخة من أي شخص وشخص آخر عدا أن نتمكن أن نوجد أسرة كربونية من أسرة أخرى فقد يصلح لأسرة فلان من التعامل والظروف ما لا يصلح للآخر فينبغي السعي في المصالح العامة وعدم مجاراة الآخرين حتى ولو كانوا ناجحين في حياتهم فيجب أن نصنع نجاحنا الخاص بنا نحن وبالتأكيد ستكون لذلك النجاح شكله الخاص الذي لا يشابهه نجاح آخر .