نعم لن أسميكِ امرأة، سأسميك كل شيء، كما قال محمود درويش، لأنك حقًا في حياتي كنت كل شيء.
سأقول كما قال جان جاك روسو: لو كان العالم في كِفَّة.. وأمي في كفة أخرى.. لاخترت أمي. فالأم كما قال جبران خليل جبران: ((الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، فالذي يفقد أمه، يفقد صدرًا يسند إليه رأسه، ويدًا تباركهُ، وعينًا تحرسه)).
أمي ليست ككل الأمهات.. وقفت مع والدي في بنائنا لبنة لبنة، حتى تخرّجنا على يديها أساتذة جامعات، وهي تجهل الحرف، وربّت فينا جمال الكلمة الشاعرة، وهي لم تقرأ ديوانًا، ولا تحفظ بيتًا، ونمّتْ فينا معاني الرجولة الحقة، وهي الأنثى الرقيقة، وبرهنت أمامنا على أنها القدوة المثلى في اكتساب رزقها من عمل يديها، وعرق جبينها، وهي التي لم تتسنّم وظيفة في حياتها، تكرم يديها بالعمل وهي مكفية من والدي «حرسه الله بحفظه»، حتى تجاوزت الشباب فتركت ذلك من أجل أن تتفرغ لنا.
كانت مثالًا في برّها بوالديها، مثالًا في خلقها مع الأقارب والناس أجمعين، مثالًا في حُسن تبعلها لزوجها، سكبت في قلوب أولادها بنين وبنات حب الله والتوكل عليه، وحب رسوله «صلى الله عليه وسلم»، وحب نفع الناس. وصنعتنا ـ مع أبي ـ صناعة، لم تتكل على أحد سوى الله في متابعـة تربيتنا، ولم تأخذ يومًا إجازة من مهمتها الكبرى هذه..
بل ظلت تبذل وتعطي بلا حدود، حتى تعلقت بها قلوبنا، وشدّت إليها نفوسنا؛ فلا نرتاح إلا في روضاتها. ولا نستقر إلا على ضفاف شواطئها، ربما خبّأنا ما لا نريد أن نزعجها به، فإذا هي تتصل فجأة لتسأل عما خبأناه، وكأنها قد علمت كل ما حدث، بأطياف رؤيا خالجتها، أو دبيب خاطر جرى بين أعراق فؤادها.
أمي.. أدام الله خيمتك الظليلة علي وعلى إخواني، وبارك في حياتك، وجمعني بك في الفردوس الأعلى، كما جمعني بك في الدنيا بعد طول عمر وحسن عمل.