الخميس 19 سبتمبر 2024 / 16-ربيع الأول-1446

شريك الحياة.. والطريق نحو السعادة.



شريك الحياة .. والطريق نحو السعادة.


بسام حسن المسلماني.  

الحياة الزوجية هي رابط متعدد الأبعاد والجوانب من العلاقات الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية والمادية بين رجل وامرأة، وعدم إدراك هذا المعنى أو القصور في فهم هذه القضية من أحد الزوجين هو الذي يؤدي إلى وقوع المشكلات الزوجية فيما بعد، لذلك كان من الواجب على الشباب والفتيات المقبلين على الزواج التفكير في الأمر بنظرة كلية، تشتمل على مجموع هذه الجوانب؛ لضمان حياة مستقرة سعيدة يسودها الحب والوئام. 

وقد أكد الإسلام على هذه الجوانب ونبه إليها، وإلى ضرورة مراعاتها عند اختيار الشريك، وبيّن أن الحياة الزوجية ليست مجرد علاقة عابرة، بل علاقة قد تمتد إلى ما بعد الحياة الدنيا، قال تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) سورة الرعد:23.

ولقوله تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) سورة الزخرف:70 . 

ومن ثم فقد دعا الإسلام إلى حسن الاختيار، وبين عدد من المعايير الهامة التي ينبغي أن ترعى بين الزوجين لضمان نجاح العلاقة الزوجية. 

لذلك فقد اشترط الشارع عددا من الشروط لإتمام عقد الزواج، في محاولة لمراعاة هذه الجوانب، معتبرا أن عقد النكاح من أهم العقود؛ لما يترتب عليه من قيام أسرة جديدة في المجتمع، وإنجاب أولاد وحقوق وواجبات تتعلق بكل من الزوجين. 

فمن هذه الشروط الرضا والإرادة، فلم يجعل للأب ولا لغيره على المرأة ولاية إجبار ولا إكراه في تزويجها ممن لا تريد، بل جعل لها الحق التام في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: “أن جارية (فتاة صغيرة السن) أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زَوَّجها وهي كارهة، فخَّيرها النبي صلى الله عليه وسلم”. حديث صحيح. أخرجه أحمد والنَّسائي وابن ماجة. وتؤكد النصوص النبوية هذا الحق للمرأة فقال عليه الصلاة والسلام: “لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الأيم حتى تستأمر” متفق عليه، وقال: “والبكر يستأذنها أبوها” رواه مسلم. 

مراعاة البعد الديني في الاختيار: 

جعل الإسلام الدين هو أساس العلاقة الزوجية، فلا يجوز أن تنكح المرأة المسلمة لغير المسلم، كما كره بعض أهل العلم زواج المسلم من غير المسلمة لأنها قد تجره إلى دينها أو تؤثر على أبنائه، كما دعا الإسلام إلى نكاح الصالحين والصالحات من المسلمين. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلُقه فزَّوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”(أخرجه الترمذي وصححه).وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:”الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة “(أخرجه الإمام مسلم.( 

قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في كتابه “الشرح الممتع: المرأة الدَّينة (ذات الدين) تعينهُ على طاعة الله وتصلح من يتولى على يدها من الأولاد، وتحفظهُ في غيبته وتحفظ ماله وتحفظ بيته بخلاف غير الديِّنة فإنها قد تضره في المستقبل.

مراعاة البعد العاطفي في الاختيار:

علاقة الزواج علاقة بين نفس ونفس؛ لذلك كانت مراعاة الجوانب النفسية أو العاطفية بين الرجل والمرأة من الأسس الهامة في الاختيار، فجعل الإسلام من الأسس التي يقوم عليها الزواج هي المودة والرحمة، والألفة والمحبة، قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) سورة الروم: 21

يقول صاحب ظلال القرآن: “والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الأخر, وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين; وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة. ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا, وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر, وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب, وراحة للجسم والقلب, واستقرارا للحياة والمعاش, وأنسا للأرواح والضمائر, واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء. والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرا موحيا, وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس: (لتسكنوا إليها)، (وجعل بينكم مودة ورحمة).ا.هـ

والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخفي مشاعره تجاه زوجه، لذلك لما سئل (من أحب الناس إليك؟ قال: صلى الله عليه و سلم، عائشة، قيل من الرجال؟ قال: صلى الله عليه و سلم: أبوها)رواه الترمذي وصححه الألباني.

وكان صلى الله عليه وسلم يحرص أن يعبر لأزواجه عن محبته ومودته، فمن ذلك ما روته، عائشة رضي الله عنها : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء، فأشرب منه وأنا حائض، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيّ، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيّ )). رواه مسلم وأحمد وغيرهما.

مراعاة البعد الجسدي في الاختيار:

لأهمية العلاقة الجنسية بين الزوجين، فقد اعترف الإسلام بضرورة هذه العلاقة الفطرية بين الرجل والمرأة، لكنه هذب هذه العلاقة ووضع لها ضوابط ومحددات وآداب ليخرج بها من الشهوة الحيوانية إلى السلوك الإنساني، يقول الأستاذ محمد قطب:”ليس في الأرض شريعة ولا نظام يعترف بالجنس نظيفاً كريماً كالإسلام. يكفي أن نذكر فقط أن الإسلام يدعو الزوج وهو يأتي زوجه أن يذكر اسم الله الكريم.

وليس في الإسلام أقدس من ذكر الله، ولا أنظف مما يقرأ اسم الله عليه…. ليس الجنس شهوة الحيوان الجائع الذي لا يملك نفسه أن يندفع هائجًا إلى التنفيذ… وليس غلظة الشبق التي تتلمظ على متاع لذيذ… وليس نزوة الجسد الفائر التي تختنق في بخارها عاطفة القلب وإشراقة الروح…. ومع ذلك فإن دعوة الرسول للناس أن يهذبوا العمل الجنسي لم تكن دعوة إلى الزهادة أو إطفاء المتعة أو تبريد حرارتها.

كلا! على العكس من ذلك. لقد كان يدعوهم إلى المتع الحلال ويحببهم فيها، بل كان في الواقع يوسع مساحته في النفس، ويزيد من متعته، حين يرفعه من لهفة الجسد الخالصة إلى “عواطف” “ومشاعر” “ومودة “.. فقد كان ينهى عن المواقعة دون رسول يسبقها، ويمهد لها من مداعبة وعواطف جياشة.

وليست هذه دعوة الذي يريد أن يحرم الناس من الاستمتاع أو يفسده عليهم. بل دعوة من يريد تهذيبهم ورفعهم من مستوى الحيوان إلى مستوى الإنسان، مع “إحسان” تلذذهم بهذا الاستمتاع، حتى يصبح متاعاً “جميلاً ” تدخل فيه كل عناصر النفس، ويدخل فيه ” الفن ” بتعبيره الجميل”(1).

كما جعل الإسلام في إتيان الرجل زوجته لأجرا حتى أن الصحابة تعجبوا من هذا الأمر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” إن في بضع أحدكم لأجراً. قالوا يا رسول الله إن أحدنا ليأتي شهوته ثم يكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر” (رواه مسلم).

وجعل من حق الزوجة أن تطلق من زوجها في حال عدم قدرته على الوفاء بواجباته الزوجية، واتفق العلماء أن من العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح هي الجَبّ أي (مقطوع الذكر)، والعُنَّه (مَن يُحبس عن الجماع، أي: ليس له قدرة على الجماع .(

مراعاة البعد الاجتماعي الاختيار:

البعد الاجتماعي من الأبعاد الهامة التي يجب أن ينظر إليها الرجل والمرأة بشكل جيد عند اختيار شريك حياته؛ لأن الإنسان هو ابن بيئته التي نشأ وترعرع فيها، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”(رواه البخاري ومسلم) ، وأخرج ابن ماجة والحاكم والبيهقي الدراقطني عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء”ضعفه عدد من العلماء منهم الزيلعي وابن حجر و، وصححه بمجموع طرقه السيوطي والألباني.

فلابد “من النظر إلى أسرة الرجل أو المرأة بشكل جيد، إذ تلعب أسرة المنشأ دورًا مهمًا في تشكيل شخصية شريك الحياة، فالشخص الذي عاش في جو أسري هادئ ودافئ في حضن أبوين متحابين متآلفين، ومع إخوة وأخوات يتعلم معهما وبهما معنى العيش مع آخرين، و هذا الشخص نتوقع نجاحه أكثر في الحياة الزوجية؛ لأن نموذج الأسرة بكل أركانها يكون مطبوعًا في برنامجه العقلي والوجداني، فهو أكثر قدرة على أن يحِب ويحَب، وأن يعطي ويأخذ وأكثر قدرة على العيش المستقر الدائم مع شريك الحياة، وعلي العكس من ذلك نجد أن الشخص الذي رأى وعاش تجربة انفصال والديه وتفكك الأسرة، نجده أكثر قدرة على الهجر وعلي الانفصال عن شريكه؛ لأنه تعود على الهجر وتعود على الاستغناء عن الآخر، ولا يجد صعوبة في ذلك، كما أن نموذج الأسرة ليس واضحًا في عقله ووجدانه” (2).

مراعاة البعد الاقتصادي في الاختيار:

بعض الشباب يقدم على الزواج دون أن يكون لديه القدرة على الوفاء بتكاليف العيش، وقد انتشرت في القصص الرومانسية والأفلام والمسلسلات الدعوة للزواج دون أن يملك الإنسان أسبابه بدعوى الحب؛ مما يؤدي إلى تورط الشاب والفتاة في زيجة فاشلة تتكاثر عليهم المشكلات والديون والأعباء، ويكون المصير في النهاية هو الطلاق، فليس بالمشاعر والعواطف فقط تقام البيوت.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس، عندما ذكرت له، أن معاوية وأبا جهم خطباها، قال: “أما معاوية فصعلوك لا مال له “(رواه مسلم.(

ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج عند استطاعتهم الباءة ، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج”. ومن تفسيرات الباءة في الحديث كما ذكر الإمام النووي هي: مؤنة النكاح، سميت باسم ما يلازمها وتقديره: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم.

وليس معنى هذا أن تبالغ الأسر في الشروط المادية للزوج، كما هو واقع في بعض المجتمعات إذ تركز الأسر على النواحي المادية فقط ،دون النظر إلى أي بعد آخر، لكن الأمر يجب أن دون إفراط أو تفريط.

وبعد

فيجب عند الاختيار النظر إلى هذه الأبعاد مكتملة، وألا يطغى جانب على آخر، وأكبر خطأ قد يحدث في الاختيار الزوجي أن ينشغل أحد الطرفين ببعد واحد في الاختيار (اختيار أحادي البعد) ولا ينتبه لبقية الأبعاد.

ـــــــــــــــــــــ

الإحالات أو الهوامش:

(1) انظر كتاب”قبسات من الرسول” للأستاذ محمد قطب (بتصرف.(

(2)”شريك من اختياري”، الرميساء الجندي، مجلة الإحياء الإسلامي، العدد الأول ص 82

_____________

المصدر : موقع “لها أون لاين

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم