[الشراكة بين الزوجين، جاءت لتدوم لا أن تتوقف، ولِتَحيا لا أن تموت، ولتسعد لا أن تَشقى، ولذا فالمتعين عليهما جميعاً أن يحافظا على شراكتهما من أي عادية تؤثر عليها].
تقول (س.م): “تركت بيتي بعد مشادَّة بيني وبين زوجي، كان الخطأ مشتركاً بيننا، انتقلت إلى منزل أسرتي وهم الذين أذكوا النار بالحطب، فسكنتُ إلى رأيهم، وانقطعت الصلة مع زوجي لبعد المسافة بيننا.
وخلال (6) أشهر، أرسل خلالها عدة شخصيات للصلح، لكن أهلي رفضوا، وطلبوا أن يحضر بنفسه لمحاسبته، وحرّضتني بعض النسوة القريبات على ألاّ أتنازل، ولا أطأطئ رأسي، وأبقى على كرامتي، ولن يكون ذلك إلاّ بأن يأتي صاغراً ويعتذر.
يوماً ما! جاءني اتصال من إحدى صديقاتي، لتخبرني أن أهل زوجي يسعون لتزويجه، وقد اختاروا الفتاة، وحتى إنهم أقنعوه، ووبختني لأنني تركت البيت هذه الفترة كلها، وذكّرتني بمزايا زوجي، وأن الكثيرات يتمنين زوجاً مثله.
وقالت: عن أي كرامة وكبرياء تتحدثين…؟! ستخسرين بيتك، ويضيع أطفالك من أجل كلام وأوهام، ونظّمت لي لقاء مع زوجي بعيداً عن أهلي وأهله، وتمّت تسوية خلافاتنا في لقاء واحد ولله الحمد”.
هي همسة في أذن كل زوج، عند إطلالة أي خلاف، التفت إلى شريك حياتك، لا تلتفت عنه، اجعله أمامك، لا خلف ظهرك، بل والتفت إلى نفسك وزوجك وبيتك، اجعلهما نصب عينيك، انظر إلى مكامن الجمال والإشراق فيها، وغضَّ الطرف عما يسوؤك منهم.
إنَّ دخول أطراف خارجية بين الزوجين – للإصلاح أو لرسم سياسات في علاقتهما ببعض – دون اتفاق بينهما، ودون دراسة متأنِّية- خطأ كبير؛ فإنَّهما حين أقدما على مشروع الزواج هذا، لم يتخذاه نزهة أو تجربة! ولم يكن للتنافس في إثبات أيهما أعز وأكرم! ولم يكن لقضاء نزوات عابرة مع هذا أو ذاك! إنهما في خطوتهما هذه قد عقدا شراكة متينة، قد وُثِّقت بأقوى رباط، وتعلّقت بهما أهداف جليلة، منها:
حفظ النسل البشري لعمارة الأرض، وتكثير الأمة الإسلامية، وبناء المجتمع الإسلامي، وتربية الأبناء وتعليمهم ليكونوا قادة ومصلحين، وإعفاف النفس، وحصول السكن النفسي، فضلاً عن الفوائد الصحية وغيرها.
فخطوتهما هذه جاءت لتدوم لا أن تتوقف، ولِتَحيا لا أن تموت، ولتسعد لا لتَشقى، ولذا فالمتعيّن عليهما جميعاً أن يحافظا على شراكتهما من أي عادية تؤثر عليها، وحتى وإن انخفض منسوب الحب بينهما، فتبقى الرحمة التي جعلها الله في قلب كل منهما للآخر. يقول الفاروق رضي الله عنه: “فليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام”.
فإنْ تجاوَزَ الخلاف بينهما الحدود، فقد شرَّع ديننا الحنيف الاستعانة بحَكَمٍ يمثل الزوج، وآخر يمثل الزوجة، يجلسان إليهما، ويبذلان النصح لهما، ويعملان ما أمكن على إصلاح ما نشأ بينهما من خلاف، قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا). [النساء:35].
وهنا ينبغي ملاحظة توقيت وآلية دخول الطرف الثالث، أو الرابع، أو حتى الشكوى لشخصية خارجية، فإنه يجب أن تكون فقط إذا استحالت فرص الإصلاح بينهما؛ فالآية تشير إلى أمرين في غاية الأهمية:
الأول: أن دخول الأطراف الخارجية يجب أن يكون عند وجود الشقاق، ومعناه تأزّم العلاقة بين الزوجين، وليس كل مشكلة عارضة، فإن المشكلات العارضة ينبغي أن تبقى في محيط الأسرة، تحفظ للزوجين أسرارهما ومكانتهما وتفاهماتهما. بل وقد تكون هي (مُلَح الحياة) التي تؤكد علاقاتهما الزوجية، وتعينهما على رسم خطواتهما المستقبلية.
الآخر: أهمية اتفاق الطرفين على دخول الأطراف الخارجية (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا). فإن بعض الأزواج أو الزوجات لا يرضى بأن يَطَّلع أحد مهما كان على أسراره، وحينها يكون الدخول سلبياً وليس إيجابياً، وحين اتفاق الطرفين على إدخال شخصية ثالثة ينبغي الاتفاق أيضاً على حدود ما يمكن أن يَطَّلع عليه من أحوال الأسرة وأسرارها .
جعل الله بيوتكم عامرة بالسعادة والألفة والنجاح، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.