الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

أهمية الزواج والتناسل في الشريعة الإسلامية وحكمة مشروعيتهما



 

أهمية الزواج والتناسل في الشريعة الإسلامية وحكمة مشروعيتهما

 

أ.د. محمد بن يحيى بن حسن النجيمي*

لقد شجع الإسلام على التناسل وتكثيره عن طريق الزواج، فقال صلى الله عليه وسلم: “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”[1].

ونصوص الشريعة الإسلامية في هذا الصدد زاخرة بالكثير من الآيات والأحاديث والآثار التي ترغب في الزواج وهذا بعض منها:

أولاً: من القرآن الكريم

1-قوله عز وجل: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}[2].

2-وقد ورد الترغيب في الزواج في معرض امتنان الله على عباده بهذه النعمة فقال: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات}[3].

3-وقوله عزوجل: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله}[4].

قال القرطبي في تفسيره: “هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح، والحض عليه وتنهى عن التبتل –وهو ترك النكاح- وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية”[5].

ثانياً: من السنة النبوية الشريفة

1-ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة[6] فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”[7] [8].

فهذه دعوة نبوية صريحة تحث الشباب على الزواج عند القدرة عليه.

2- كما أخرجا من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: جاء ثلاثة رهط[9] إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروهم فكأنهم تقالوها[10] فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكن أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”[11].

3- وفي حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “النكاح من سنتي، ومن لم يعمل بسنتي فليس مني، تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإنه له وجاء”[12].

ثالثاً: من الآثار

وردت آثار كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم ترغب في الزواج وتحث عليه منها:

1-ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل: “ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور”[13].

كما أخرج عبد الرزاق أيضاً من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد أحببت أن يكون لي فيه زوجة”[14].

هذه النصوص وغيرها كثير توضح بجلاء عناية الشريعة الإسلامية بالزواج، والحث عليه، وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأكيد هذا المبدأ قولا وعملا وإرشادا لهذه الأمة.

حكمة مشروعية الزواج

ولا يخفى أن للزواج في الإسلام حكماً جليلة، ومعان عظيمة تدل على سمو التشريع الإسلامي منها:

1-     تحقيق العبودية لله في تنفيذ أمره

إن أول ما ينبغي على المسلم أن يضعه في اعتباره حين يقدم على الزواج أنه يمتثل بذلك أمر الله لعباده حين أمرهم بالنكاح ورغبهم فيه، بمثل قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثى وثلاث ورباع}[15] كما هو استنان بسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم واقتداء بسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين[16].

2-     تنظيم الغريزة الجنسية

إن الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي تلح على صاحبها دائما في إيجاد مجال لها فإن لم يكن ثمة ما يشبعها انتاب الإنسان الكثير من القلق والاضطراب ونزعت به شر منزع.

ومن هنا فالزواج هو أحسن وضع طبيعي وأنسب مجال حيوي لإرواء الغريزة وإشباعها فيهدأ البدن من الاضطراب، وتسكن النفس من الصراع ويكف النظر عن التطلع إلى الحرام وتطمئن العاطفة إلى ما أحل الله.

وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}[17].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه” رواه مسلم وأبو داود والترمذي[18].

3- إنجاب الذرية وتكثير النسل

وهو المقصود الأسمى من تشريع الزواج ولكثرة النسل فوائد جمة ومصالح عامة منها:

أ‌-    وجود ولد صالح ترجى الرحمة بدعائه كما أخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”[19].

ب‌-    ومنها: تقديم الولد ذخراً ينتفع به وتؤول المغفرة به ويكون شفيعاً لوالديه، أخرج البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث[20] إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم”[21].

4- الإكثار من عدد المسلمين

وفي هذا تكثير لسواد المسلمين وفي ذلك فوائد جمة منها:

أ-تمكين الأمة من النهوض بواجباتها والتعاون على ما شرعه الله لها، والقيام بمسؤولياتها قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}[22].

ب-عمارة الكون واستغلال خيراته، وهذا لا يتحقق إلا بكثرة الذرية.

5- المحافظة على الأنساب

إن الرجل إذا لم يختص بامرأة معينة عن طريق الزواج لا يعرف له ولد وأيضاً لا تعرف له أصول وفروع بين الناس وهذا أمر لا يرضاه الدين ولا الناس.

6- صيانة المجتمعات البشرية من خطر الأمراض الفتاكة والمعدية

وهي أمراض وأدواء وعلل تنتشر بانتشار الزنا، وشيوع الفاحشة كالزهري والسيلان والإيدز والتهاب الكبد الفيروسي وسرطان الفم واللسان، والسبيل الأوحد للنجاة بإذن الله من هذه العلل هو: الاعتصام بشرع الله، وإشباع الغريزة الجنسية من خلال الزواج الشريف[23].

*أستاذ الفقه الإسلامي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم