الغزو الثقافي وأثره على الأسرة المسلمة.
د. حنان قرقوتي .
إن الغزو أنواع منه:
1- الغزو العسكري ماضياً وحاضراً: ماضياً (كزمن الانتداب وتقسيم أرض البلاد العربية)، وحاضراً (كإحتلال فلسطين والعراق وأفغانستان).
2- الغزو الثقافي الفكري موضوع المحاضرة وابتدئ بمفهومه الواسع بعد انحسار الغزو العسكري في أواسط القرن العشرين الميلادي، مروراً بما يسمى صراع الحضارات ووجود العولمة. ومن نتائج الغزو الثقافي في غالب الأحيان تنفيذ قاعدة: “تقليد الأقوى” تنفيذاً لمقولة العلّامة ابن خلدون: “المغلوب مُولَعٌ في تقليد الغالب في زِيِّه ونِحْلَتِه (عقائد وأفكار) وشِعاره (طعام، لباس، مباني، فنون، مفاهيم كمفهوم فصل الدين عن الدولة)”.
ومن نتائج الغزو الثقافي:
1- نشر المفاهيم الغربية لتعويد الناس على أشياء لم تكن موجودة إلا قليلاً، إن وُجدت، وهذا ما تهدف له هذه المحاضرة. كتقليد الآخرين حتى في أنواع وألوان الأطعمة الغربية، وليس المقصود المطبخ بحد ذاته وإنما النمط السريع من الأطعمة كالبيتزا والهمبرغر وما شابه، ولباس الجينز، والتخلي عن الهوية الأصلية في اللباس، فلم يعد هناك من يلبس الزي العربي، ولا يُرى إلا في لباس المشايخ، وأحياناً يَنظُر البعض إليهم كأنهم يرتدون أشياء غريبة عن عصرهم، ولم يعرفوا أن هذا من الأزياء المألوفة عند الآباء والأجداد.
2- لباس المرأة مثلاً وحجابها، فتُرى المرأة اليوم ترتدي البنطال الضيق والبلوزة القصيرة مع غطاء الرأس وهذا نتيجة اختلاط المفاهيم لديها، وكأن الحجاب هو لباس الرأس فقط، والذي يجب قوله وفهمه أن هذه الفتاة لو لم يكن فيها خير لما وضعت الخمار على رأسها.
وحتى غطاء الوجه سألني أحدهم وهو يناهز السبعين من عمره: هل النقاب (غطاء الوجه) موجود في الإسلام؟ فقلت له: سبحان الله، طبعاً موجود في الإسلام، وإذا ما عدت إلى فترة طفولتك ستذكر أن النساء المسلمات كن يضعن “فيشة” على وجوههن، ولكن بدخول الاستعمار الفرنسي ونشر الثقافة الغربية نُزع الغطاء عن الوجوه والرؤوس إلا من رحم ربي ووُضِع على العقول.
3- تعويد الناس على الاختلاط بلا ضوابط بين الجنسين ابتداءً من مقاعد الدراسة الأولى كمرحلة ابتدائية، ثم في الجامعات على أساس أن التعليم الجامعي يكون للراشدين من الجنسين، وصولاً إلى الاختلاط في المدارس في مختلف المراحل العمرية رغم خطورتها في مرحلة المراهقة، وكذلك الاختلاط في الشارع وفي أماكن العمل المفتوحة والمغلقة التي أفرزت الكثير من المشكلات والتفكك الأسري في أحيان كثيرة نتيجة العلاقات غير المباحة شرعاً، أو في الزواج من زملاء العمل بعد التسبب في خراب البيت الزوجي الأول.
4- تشجيع مفهوم التعرف على الجنس الآخر قبل الزواج خارج بيت الأبوين لمشاهدة الآخر عن قرب قبل الارتباط به وإذا ما كانت هناك خِطبة فيتصرف الخطيبان على أنهما أشبه بزوجين في بعض الأحيان.
5- نشر مفهوم الإباحية عبر برامج التلفاز والإنترنت والدوريات (مجلة جسد لجمانة حداد) بقبولها كأمر طبيعي في البرامج بحيث يخفُّ شيئاً فشيئاً استنكار ما يشابهها في الشارع وفي سلوك العائلات.
6- سلوكيات تكون مستغربة وتصبح حاضراً معاشاً ومن ذلك على سبيل المثال:
أ- عمل المرأة كان موجوداً في البيئات الزراعية، بينما في المدن كان عمل المرأة ضمن مهن محددة كالخياطة، أو التزيين النسائي، أو القابلة القانونية، أو التمريض، أو التعليم لتتناسب هذه المهن مع ظروف المرأة البيتية وتبقى قدر المستطاع بجانب أولادها. وبينما في الماضي كان الرجل يُعيّر إذا طَلَبَ من زوجته العمل للكسب المادي، يظهر اليوم عمل المرأة على أنه ضرورة اقتصادية.
ب- من ضمن تقليد الغرب هناك القُبل والملامسة التي كانت تُرى في الأفلام فقط، ثم تطور الأمر حتى أصبحت الملامسة تُبث الآن في المسلسلات التلفازية، وانفلتت القُبل من نطاقها التلفازي لتُرى في بعض الجامعات، وانتقلت إلى بعض الشوارع المأهولة حتى وصلت إلى كثير من البيئات والشوارع التي تُعَدُّ إسلامية في أحيائها.
ت- ركوب النساء الدراجات النارية وراء الرجال، وكانت أمراً مرفوضاً، وأصبح البعض يراها أنها ضرورة اقتصادية للنقل، كنقل الأطفال والنساء لتوفير أجرة المواصلات وآخرها شيخ يركب على الدراجة بعباءته ووراءه زوجته.
فإذا كان ما عُرض نتيجة لبعض الظواهر المُعاشة بشكلها اليومي، فهناك تأثير لجهود صاحَبَها دعم مادي كبير عبر هيئات ومنظمات دولية غربية لإيجاد تغيير هادف في المجتمع “المُسمّى دول العالم الثالث” الذي جلّه من الدول التي تدين شعوبها بالإسلام. وظاهره مساعدة ومساندة الشعوب للتخلي عن الفقر ورفع مستوى الأُسر ورفاهيتها وتحسين مداخيلها، وباطنه هو التخوف من هذه المجتمعات ومن تكاثرها، وفيما يلي أمثلة عن ذلك:
المثال الأول: أثر الغزو الثقافي في ما يسمى تجربة تنظيم الأسرة والتعامل مع مسألة الإنجاب التي بلغ عمرها ما يقارب الخمسين عاماً والذي وُضعت لتسويق فكرته ولا تزال الأموال الطائلة من إقامة المراكز ودعم الأسر خاصة الفقيرة منها بإمدادها بحبوب منع الحمل وما شابه، وإقامة المحاضرات في شتى المراكز المنشأة في دول العالم الثالث، وتدعيم أفكارها بالإعلان من جهة وإنشاء الأفلام ذات التكلفة الباهظة من جهة أخرى، لنشر وعي خاص بين الناس لتخفيض عدد أفراد الأسرة الواحدة، وذلك بحجة خفض نسبة الفقر في المجتمعات وهذا الهدف هو ما تنشره المنظمات التي تدعو إلى هذا الأمر بين الناس،
ولكن الهدف الجوهري من وراء كل ذلك ليس كذلك، بل هو الخوف من ازدياد عدد السكان في دول العالم الثالث التي تدين بالإسلام في معظمها، ثم طلب أفراد هذه الشعوب العمل في الدول الغنية، وهجرتهم إلى هناك، (نظراً لنقص عدد السكان عندهم وتراجع الإنجاب بفعل الفوضى في العلاقات الإباحية)، وتخوفهم من هجرة المسلمين إلى بلادهم والحاجة الاقتصادية لهم مما سيؤدي بعد عشرات السنين إلى أن يكون عدد المسلمين فيها كبيراً، وربما أكثر من عدد السكان الأصليين، وساعتئذ ستكون الكارثة عليهم، فكيف ينتقل الإسلام إلى بلادهم وهم يحاربونه؟
ونحن كمسلمين بحاجة إلى تنظيم النسل ويأتي تنظيمه بناء على فترة الإرضاع الكاملة حولين كاملين لمن أراد أن يُتمّ الرضاعة، وسَنَة للحمل فيكون الفارق الطبيعي مثلاً 3 سنوات بين الطفل والآخر. وبدل أن نقول للناس لا تنجبوا خوف الفقر يجب على الحكام عدم إهدار الثروات وتحسين التنمية والاستثمار كالاستصلاح الأراضي الزراعيةً وما شابه، وفي بلد كمصر مثلاً رغم التضخم السكاني الموجود فإن السكان يقيمون على 6% من أراضيها و94 % من أراضيها خالية. والسودان مساحتها حوالي مليوني ونصف كلم وعدد سكانها 42 مليون نسمة، وتعاني من الفقر الشديد والبطالة نتيجة سوء الإدارة وغياب التخطيط الموجه.
وما يهم هنا هو أن تلك الجهود والأموال الطائلة التي يصرفها الغرب للتخفيف من عدد الأسر في كثير من البيئات الفقيرة والتي تقول إن الأرزاق على الله لم يأتِ ثمارها، فأتَوْها باسم الدين وبضرورة تعليم المرأة، لأن الإسلام يدعو إلى التعلم والتبصر، مع الدعوة إلى تلقي التعليم إلى أقصى حد ممكن، وإلى ضرورة خروجها إلى ميدان العمل، وهذا جيد، ولكن الذي يجب التركيز عليه هو أن لا يكون ذلك على حساب زواجها وإنجابها الأطفال والتخبط بأمومتها.
والتركيز على التعليم وخروج المرأة إلى ميدان العمل كان من نتيجته:
أ-تأخر سن الزواج، وقد بلغ في لبنان في متوسطه العام ما بين 27 – 29 سنة عند الفتيات وإلى 32 – 34 سنة عند الذكور، والذي يهم هنا عند الفتيات هو ضعف الخصوبة في إنجاب الأطفال لأن الإنجاب الصحي عند المرأة كما يقول الأطباء يكون لغاية سن الـ35 من دون مشكلات صحية تصيب الأم أو المولود.
ب-انتشار العنوسة بشكل كبير وملحوظ، وإذا ما سألنا الفتاة عن العريس المتقدم تقول: أنا أكثر منه علماً، أو دخلاً، فتمتنع عن الزواج لأنها تريد زوجاً يفوقها علماً، أو دخلاً عبر المركز الاجتماعي. وهذا ما يتقلص اليوم خاصة إذا ما هاجر الرجال إلى الخارج، أو إذا ما قلَّ تعليمهم وانخرطوا في ميدان العمل باكراً وما شابه.
ولحل مشكلة العنوسة لا بد من الرجوع إلى الأصل وهو أن الزواج سنّة كيف نيسره؟ ونيسِّره كنموذج زواج عليّ وفاطمة رضي الله عنهما الذي كان لا يملك إلا درعاً، فقال له النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ما معناه: “بعه وتجهّز به”. ومن النماذج أيضاً ذلك الصحابي الذي تزوج بتحفيظ عروسه ما تعلمه من كتاب الله تعالى.
وفي الواقع المعاش اليوم يظهر أن المسلمة إذا ما تزوجت وأنجبت يكون:
1-خفض عدد المواليد من الأطفال وهذا ما ترمي إليه حركة تنظيم الأسرة وما شابهها.
2-ازدياد الدخل للأسرة الواحدة صحيح ولكن على حساب المرأة العاملة وصحتها وأعصابها، فبينما في الماضي كان الرجل هو المكلف بالنفقة أصبح العمل للمرأة ضرورة اقتصادية بجانب زوجها لتلبية متطلبات المعيشة الباهظة، وتأمين المقتنيات من المخترعات التكنولوجية والتي ترد إلى بلاد المسلمين كسوق استهلاكي كبير لهذه المنتجات المستوردة.
3-الأثر على الأبناء: إزعاج نومهم في طفولتهم المبكرة بالخروج من المنزل مع أمهاتهم العاملات، إما إلى الجدات إن وجدن، وإما إلى حاضنات الأطفال، حتى لو كانوا مرضى، لأن الأم لا تستطيع أن تأخذ إجازة من وظيفتها لتبقى بجانب طفلها المريض فعليه أن يتحامل على مرضه ويذهب إلى حاضنة الأطفال الغريبة عن حضن أمه التي هو في أمسِّ الحاجة إليها في حالة المرض، وإذا ما سألنا الأمهات العاملات عن العُقَد في التصرفات عند الأطفال من الأبناء لسمعنا الويلات والقصص التي لا يتسع المقام لذكرها.
3- انتشار المؤسات الرعائية الحاضنة للأطفال من جهة، وتيسير المجتمع لمزيد من إنشاء المؤسسات الرعائية للمسنين، لأن المنزل لم يعد ذلك الحضن الرئيس للمسنين إلا من رحم ربي، وذلك لخروج المرأة لميدان العمل، اللهم إلا إذا ترك المسن في بيته برفقة خادمة ويقوم الأبناء والأحفاد بزيارته يوماً بعد آخر كلما سنحت لهم الفرصة، ناهيك عن ضيق المسكن الذي يعزز عدم إيجاد مكان للمسن في بيت أحد الأبناء.
والتعليق على مثل هذه النماذج من المؤسسات هو تعزيز المفهوم ما بين الإيواء والتمكين، وهذه المؤسسات تعطي مفهوم الإيواء من السكن وتقديم الخدمات الغذائية والطبية اللازمة لبقاء الإنسان على قيد الحياة كمفوم ثقافي غربي، بينما المفهوم الرعائي في الإسلام هو تقديم هذه المسائل كجزء، والتمكين باستمرار التعامل الإنساني من حيث تقديم الحنان والعطف اللازمين لوجود الإنسان ضمن أسرته الطبيعية والحضن الدافئ الذي تقدمه الأسرة في ترابطها القوي والذي أمر به الإسلام. قال تعالى: ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً ً).
المثال الثاني: أثر الغزو الثقافي في ما يسمى تجربة حركات ورش العمل (دورات توجيهية فكرية في مجالات مختلفة)، والمقصود بورش العمل هنا هي تلك الورش التي تسعى إلى التغيير في المجتمعات عبر أشخاص لهم فاعلية على الأرض، وليس المقصود ورش العمل التي تسعى إلى تحسين فاعلية المؤسسات التعليمية أو الطبية أو المؤسسات الخاصة بالقطاعات الوطنية المختلفة.
ومثال ذلك ما حصل في إحدى ورش العمل التي تريد التغيير في المجتمعات قالته إحدى المدربات بعدما وُجِّه إليها سؤال: ما الغاية من هذه الورش والتكلفة الباهظة التي تتكلفها من تأمين المكان لإنشاء سلسلة الورش وتأمين الطعام والشراب في أفخم الفنادق، وتأمين المنامة للذين يفدون إليها من مناطق بعيدة، وحتى تأمين السفر للخارج بكافة مصروفاته ابتداء من أجرة الطائرة إلى المواصلات في البلد المقصود إلى تأمين المسكن والمواصلات الداخلية والفُسَح التي تتخللها الرحلة لعدة أيام قد تصل إلى أسبوع في أغلى بلدان العالم، فردت بلغة الواثق من نفسه بعبارة: “لإحداث التغيير في العالم عبر عناصر بشرية”.
وهذا بيت القصيد فهم، من وراء ذلك يهدفون علناً إلى ما ظاهره المساعدة لنهضة الشعوب، وباطنه غسل أدمغة الفريق المشارك بأفكار ومفاهيم يزرعونها في أفكارهم تؤمن لهم ما يريدون من إقامة مثل هذه الورش.
ومن الأمثلة على ذلك ما كان من ورش مكافحة مرض الإيدز التي أقيمت في عدد من الدول العربية، وبالمشاركة مع مختصين من علماء دين من المسلمين والمسيحيين، على أن الديانتين الإسلامية والمسيحية ترفضان العلاقة مع غير الشريك الذي يُربط برباط الزواج، ولكن يجب أن يكون هناك، خلال هذه الورش، سُمٌّ يوضع في الدسم كتمرير عبارة : “انتبه لاستعمال الواقي الذكري وأنه موجود ومؤمن في عدة مراكز”. وكأن الزنا قد أضحى من موجبات العصر.
ومن الأمثلة على هذه الورش أيضاً والسخاء عليها بالأموال الطائلة لبث المفاهيم الغربية في المجتعات الإسلامية في دول العالم الثالث ما يسمّى مفهوم الجندِر الذي ينادي بالمساواة المطلقة بين الجنسين.
والخطورة في هذه الورش أنه يتم فيها جمع المعلومات والترصد للمجتمعات موضوع البحث، والغاية من الورش يتم ضمن تمارين بشكل ألعاب، ومن خلالها يتم جمع المعلومات في لعبة إحصائية الأرقام لكتابة التقارير من خلالها وتقديمها إلى الخارج كجهات مشرفة على هذه الورش،
ومن ذلك على سبيل المثال:
سؤال وجِّهَ إلى الفريق المشارك في إحدى الورش وهو: ما الحاجات التي ترونها بحاجة للمناقشة في بلدكم؟ وبدأ كل واحد من المشاركين في هذه الورشة، وهم عادة من الفاعلين نسبياً في مجتمعاتهم، بتدوين فكرة ملحّة يحتاج إليها المجتمع حسب رأيه، وما ذلك التمرين إلا للوقوف على حاجات المجتمع الذي تقام فيه هذه الورش لدرسها، ثم التسلل من خلال ما يَرَوْنَه منها للدخول إلى مجتمعاتنا الإسلامية والتأثير الفكري عليها.
ومن نتيجة هذه الورش ما يتعلق بموضوع الزواج المدني اللاديني لنشره مكان الزواج الديني القيمي والأخلاقي الذي تدعو إليه الأديان السماوية، وعلى سبيل المثال: قامت في شهري شباط وآذار من عام 1997م.
تظاهرات في بيروت مشاركة ما بين المسلمين والمسيحيين احتجاجاً على تنفيذ ما يسمى مشروع الزواج المدني حينما طُرح برعاية زوجة رئيس الجمهورية إلياس الهراوي ورُفضت الفكرة حينها جملة وتفصيلاً. إلا أن هذه المحاولة لم تنطفئ شعلتها طالما أن هناك من يريد تفكيك مجتمع الأسرة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وفي إحدى هذه الورش أقيم ما يسمى نشاط بوضع فريق المشاركين المؤلف من 18 امرأة تمثل مختلف الطوائف اللبنانية ومختلف المناطق والمحافظات،
وتوزعت الإجابات على 5 مجموعات هي: مؤيد للزواج المدني الإجباري كلية، ومؤيد نوعاً ما، حيادي، رافض نوعاً ما، رافض الموضوع برمته. وكانت النتيجة أن نصف الموجودات كن مؤيدات له بالمطلق، وبعضهن ما بين مؤيد نوعاً ما أو على الحياد أو رافض نوعاً ما، ولم يرفض الموضوع برمته إلا ثلاثة من المشاركات، مما يفيد أن الطرح لهذا الموضوع لا زال قائماً، والدعوة إليه تتم بالخفاء، وأثره على الناس في تزايد مستمر عبر تجهيز أشخاص تُغسل أدمغتهم ليكونوا العين الساهرة على تنفيذ مثل هذه المواضيع.
وما التذرع لتمرير فكرة موضوع الزواج المدني العلماني، والمطالبة بالزواج المدني الاختياري وصولاً للزواج المدني الإجباري، إلا بحجة أن جميع المواطنين من كافة المذاهب هم سواسية يخضعون لنظام واحد، وغايته الأساسية تعطيل أو نسف قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالطوائف، والمتمثل بالمحاكم الشرعية والكَنَسِيَّة التي تهتم بأحوال الزواج والطلاق والميراث وخلافه.
المثال الثالث: أثر الغزو الثقافي في ما يسمى تجربة إلقاء المحاضرات التوعوية للنساء في أي منبر كلامي يستطيعون الوصول إليه ليكونوا في موقع القرار السياسي والقانوني والاجتماعي وما شابه وهذا جيد، إلا أنه هناك تهجماً على بعض المفاهيم الدينية، كتفسير القرآن والآيات الخاصة بالحجاب، ومصافحة النساء، واعتبار القوامة على أنها تنظر إلى المرأة المسلمة نظرة دونية، وأن المجتمع المسلم هو مجتمع ذكوري، ناهيك أنهم يحتلون بلادنا كالعراق وفلسطين وأفغانستان، ويأكلون خيرات بلادنا ومقدراتها ويتهجمون على ديننا إلخ..
وما الغاية من كل ذلك إلا تخريج جيل متنور، بزعمهم، يتعلم الإسلام في المدارس التغريبية التخريبية بعيداً عن أرض الإسلام باعتماد أساتذة من المستشرقين والتبشيريين، ليكون قدوة في التهجم على بعض المفاهيم الدينية التي تبنتها المجتمعات،
كتخريج ما يسمى المدرسة التغريبية التخريبية التي خرَّجت محمد شحرور وأمثاله من الرجال والنساء المنادين بتفسير جديد للقرآن حسب وجهة النظر في المدرسة التغريبية التخريبية وآخرها دعوة إلى تفسير نسوي للقرآن ابتدأ فيما يسمى “المبادرة النسائية الإسلامية للروحانية والمساواة”، أو ما بات يُعرف على سبيل الاختصار بـ”وايز”، والذي عُقد اجتماع من أجله في كوالالامبور العاصمة الماليزية في تشرين الثاني من عام 2007م.
وتمت الدعوة إليه مؤخراً وتمرير فكرته في محاضرة بعنوان : “غياب المرأة المسلمة في صياغة الفكر الإسلامي المعاصر” في بيروت في منتدى الحوار الفكري المسيحي الإسلامي في كلية اللاهوت للشرق الأدنى في بيروت في 2/ 3/ 2009م..
لذا يجب:
1- التنبه لمثل هذه المحاضرات ورصدها عبر فريق عمل متطوع من الشباب المسلم، عبر الجامعات العلمانية خصوصاً، كنشاط تبشيري، أو عبر الإنترنت وما نلاقيه من تهجم فيه على الإسلام والمسلمين، وإخبار الجهات الإسلامية التي تُعنى بالدعوة للتصدي لكل أمر يظهر، سواءً كانت هذه الجهات جمعيات أو جامعات إسلامية عبر التنسيق فيما بينها.
2- العمل على التثقيف الإسلامي المكثف، عبر إعداد محاضرات متنوعة إسلامية تثقيفية ليتمكن حضور هذه المحاضرات من تعلم الرد على أعداء الإسلام خلال محاضراتهم بعبارات واضحة الدلالة، تحكمها الحجة والبرهان نظراً لضيق الوقت المعطى للمناقشين من الحضور عادة.
وعلى سبيل المثال كان رد أحد الحضور في محاضرة من المحاضرات المهاجمة للإسلام بقوله: “عندما يكون المسلمون في عصور الانحطاط يكثر الناعقون بالأبواق، مثل أبواق الفترة التي سبقت فترة السلطان صلاح الدين الأيوبي، وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم نتيجة لضعف المسلمين، وقال: إن ما نسمعه اليوم على هذا المنبر من كلام، هو بالنسبة لنا ككلام “شهود يهوه” بالنسبة للمسيحيين”.
ومن الواجبات المطلوبة لمواجهة الغزو الثقافي تحصين الأسرة المسلمة بتثقيفها ثقافة إسلامية بدءاً بإنشاء دورات للمقبلين على الزواج لإفهامهم معنى ومتطلبات مؤسسة الأسرة في الإسلام، وحقوق كل من الزوجين تجاه الآخر، وحقوق الأولاد في كيفية تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية معتزة بالفهم للإسلام لا بتقليد الأهل والمجتمع في فهمهم له.