مشكلة تبلّد المشاعر الطلاق العاطفي موت الحب الأسباب
قال الله – تعالى-: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا”، فليس هناك ألفة بين اثنين، كألفة الزوجين. ولذا جعلها الله – تعالى – آية من آياته التي يجب أن يتدبر فيها.
قال الإمام ابن كثير: “لو أنه – تعالى – جعل بني آدم كلهم ذكوراً وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم، إما من جان أو حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس،
ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة، وهي: المحبة. ورحمة، وهي: الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما، وغير ذلك “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ“. وقيل معنى المودة والرحمة: عطف قلوبهم بعضهم على بعض. وقال ابن عباس: قال: المودة: حب الرجل امرأته، والرحمة: رحمته إياها أن يصيبها بسوء.
والعاطفة تأتي من خلال الارتياح النفسي لكل من الرجل والمرأة،
ولذا أباح الشارع الحكيم النظر إلى المخطوبة قبل خطبتها، ويعلو شأن النظر في الشريعة حين يرفض الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يتزوج رجل امرأة دون أن يراها ولا أن يتأكد من نفسه الأنس بها، وكأن هناك تصحيح لعادة مغلوطة، وهي الزواج دون دراسة و معرفة،
فيخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحد أصحابه:” انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما“.
قد تتراكم التوترات والخلافات بين الزوجين إلى حد الذروة، لكنهما لا يصلان للطلاق المباشر، إذ تمنعهما أسباب عديده مثل مستقبل الأولاد، كلام الناس، الخشية من واقع المطلقة والطلاق، فتكون النتيجة (الطلاق العاطفي) والذي يؤدي مع مرور الزمن إلى (موت الحب) بالكامل. فتلاحظ هنا أن العلاقة الزوجية مستمرة فقط أمام الناس ولكنها متقطعة الخيوط بصورة شبه كاملة بين الزوجين.
ومع الملاحظة نجد الزوجين لا يصلان لمرحلة الطلاق العاطفي أو ما سميته موت الحب إلا بعد التدرج عبرالمراحل التالية: (أربع مراحل لقتل الحب)
• المقاومة: تحدث المقاومة تُجاه شريك الحياة لجملة قالها أو لتصرف تصرفه أو نكتة تفوه بها، فتبدأ بالإنزعاج والإبتعاد عن هذا الشخص.(انزعج من الشخص الآخر)
• الغيظ: إذا لم تتم معالجة المقامة السابقة بالمصارحة أو المواجهة فإنها تتنامى لتصبح غيظاً. وعند ذلك لن تشعر بالانزعاج فقط بل ستشعر بالغضب وفوران الدم من الطرف الآخرعلى شكل غيظ. فتبدأ بالإنفعال عليه وخلق حاجز يفصلك عنه. والغيظ يقتل الشعور بالمودة. (أغضب من الشخص الآخر)
• الرفض: عند هذه النقطة يكون الغيظ قد تنامى لديك وتعدد على شكل مواقف يومية أو اسبوعية، ثم تجد نفسك تبحث عن طرق تخطّئ فيها الطرف الآخر، وستجد نفسك تتطور لمهاجمته إما لفظيا أو عمليا.
وفي هذه المرحلة تبدأ ترى أي تصرف من الطرف الآخر تصرفاً مزعجاً يثير السخط. (أبدأُ بمهاجمة الشخص الآخر)
• الكبت: عندما تتعب من الهجوم على الطرف الآخر في المرحلة السابقة ومع مرور الزمن والشهور ونحن على تلك الحالة المزعجة من الرفض، فإنك تحاول أن تخفف من ألمك بخلق حالة (طلاق عاطفي) إذ تتجنب الشعور بأي ألم أو عاطفة أو إثارة أو استفزاز تجاه الطرف الآخر. وهذه أخطر مرحلة في العلاقات مع الآخرين، أو الزوجين إذا يعيشان معاً ويحقدان على بعضهما ولا يظهر ذلك على شكل مشاكل أو مشاجرات بل يُكبت الحقد والألم في القلب بحيث لا تبقى أي علاقة أو تواصل بينهما. وممكن تتطور لأن ينعزل الشريكين عن بعضهما وتبدأ بفكرة مارأيك أن أنام لوحدي ثم تتطور لينام كل شريك لوحده في غرفة خاصة ومع كثرة الجفا والخدر العاطفي نلاحظ أن الحب قد دخل غرفة الانعاش تمهيدا لموته.(أكتم في قلبي لأني زهقت من مناكفته)
ومن أهم مظاهر الطلاق العاطفي هو:الانسحاب من فراش الزوجية، غياب الرفق واللين بين الشريكين، شيوع السخرية والاستهزاء والاهمال باحتياجات الطرف الآخر،اللوم المتبادل، الاكل والشرب يشكل منفصل، المقاطعات في اللفظ والكلام والحوار، جلوس الزوجين في أماكن منفصلة داخل البيت وبملاحظة الأبناء لهما، الهروب المتكرر من المنزل، تبلد المشاعر، الصمت الدائم، باختصار عدم وجود تواصل لفظي وجسدي وعاطفي.
الأسباب:
1. عدم الاقتناع بشريك حياتي منذ البداية: كأن تتزوج البنت وهي غير مقتنعة بزوجها أو مجبرة من قبل أهلها عليه وهذا ممكن يكون خاضع للعادات التقاليد الاجتماعية أو العشائرية البالية.
2. كثرة غياب الزوج وسفره: وخاص إذا رافقه كثرة مشاكل بين الزوجين والاختلافات في الاراء والميول والثقافة.
3. كثرة النقد المباشر والاذع: كأن يكون الرجل مثلا من البشر الذي كثر على لسانه النقد والسخرية المستمرة.
4. اختلاف الأعمار بشكل كبير: بين الزوجين من أهم أسباب الطلاق العاطفي. حيث بعد الزواج سيشعر أحد الشريكين على الأقل بأن الفجوة بينه وبين الشريك الآخر تكبر بسبب أنه يعيش في حقبة من الزمن والطرف الآخر يعيش في حقبة أخرى. ولهذا أوضحت الدراسات الأمريكية أن الفارق السني بين الزوجين يكون خمس سنين وممكن أن يكون عشر سنين كحد أقصى.
5. كثرة المشاكل وتراكمها: عبر الزمن ومع كثرة المشاكل بين الشريكين وتراكمها ومع قلة المصارحة والشفافية في العلاقة الزوجية، ومع انتشار الصمت لديهما يدخل أحدهما أو الاثنين في مرحلة تلبد المشاعر وموت الحب.
6. وجود النقص أو الفراغ العاطفي: عندما تقل العاطفة والمشاعر في قلب الشريك تجاه شريكه، ومع الايام والاشهر تجف هذه المشاعر، وإذا لم تحل هذه المشكلة من قبل الزوجين ويعود العاطفة لحياتهما الزوجية -ومع وجود المشاكل– سنجد أنهما يدخلان لا قدر الله في مرحلة أخرى وهي مرحلة الطلاق العاطفي.
بقلم:د.ماهر العربي