الخميس 26 ديسمبر 2024 / 25-جمادى الآخرة-1446

التجسس في الحياة الزوجية.



التجسس في الحياة الزوجية.
 د. خالد بن سعود الحليبي.
في الوقت الراهن، ومع التقدم التقني الرهيب في الاتصالات أصبحت قضية التجسس في الحياة الزوجية سهلة صوتا وصورة، وقد يبدو أن لها ما يبررها لأول وهلة، فالزوجات والأزواج يسمعون حكايات ومواقف كثيرة عن غيرهم؛ اكتشف فيها أحد الزوجين علاقة الطرف الآخر بأطراف خارج السرب الزوجي، مما يجعل التوجس من نشوء علاقات جديدة واردا على كل أحد.
والشكوك الزوجية هي التي تدفع أحد الزوجين للتجسس، والتي تبدأ حين يلاحظ أحدهما أن الآخر فتر معه عاطفيا، أو حين تبدو علامات الخوف والتردد والارتباك بمجرد وجود الطرف الآخر معه وهو يتحدث بالهاتف، أو يفاجئه عند الحضور في المنزل أو مثل ذلك، وحين تكون لدى أحدهما سوابق علاقات عاطفية محرمة قبل الزواج؛
فإنه تزداد لديه الحساسية تجاه أي تصرف ولو كان غير مريب، وحين يكون أحد الطرفين يعمل في مكان مختلط بين الرجال والنساء، أو في عمل فيه تواصل بين الجنسين ولو بالهاتف، يحدث القلق ثم الشك ثم التجسس، وحين يثير أحد الطرفين شكوكه ضد الآخر دون دليل، في لحظة غضب، فيسقط في يده .
والغيرة إما أن تكون مزرعة للحب، يتلذذ بها الزوجان، وإما أن تكون محرقة للحياة الزوجية تنهيها أسوأ نهاية، والسبيل إلى الغيرة المنضبطة، التوازن في العاطفة، أحبب حبيبك هونا ما، لأن الجنون في الحب قد يؤدي إلى الجنون في الغيرة .
وتكون الغيرة المنضبطة داعية قوية للاهتمام بالطرف الآخر؛ إحساسا ومشاعر ودفئا؛ ليحافظ عليه من اقتحام مشاعره أو عينيه من أي طرف غريب. كما تؤدي إلى تبادل الثقة بين الزوجين، فإن من تخون صاحبه خانه، أو دله على الخيانة. وتقتضي مساعدة الطرف الآخر على إزالة الشكوك بالوضوح في التعامل، ومراقبة الذات في الغيرة، بحيث تعاد النفس إلى موقعها الطبيعي كلما ابتعدت عن الشاطئ حتى لا تغرق السفينة كلها.
والضبط الانفعالي، أصبح علما يدرس ويدرب عليه، فلماذا لا يسعى من ابتلي بفرط الغيرة والانفعالات للدخول في برنامج الذكاء العاطفي أو الوجداني، ولماذا لا يسعى المريض بالغيرة بالاعتراف بمشكلته، بكل وضوح حتى ينقذ حياته، وحياة أسرته من شرور الغيرة المرضية التي قد تؤدي إلى الجريمة والقتل، وللغيرة المرضية علاج بالعقاقير والجلسات.
ولعل بناء الرقابة الذاتية لكل من الزوجين يقطع الطريق على الشيطان، أن يزرع الشك في بستان الحياة الزوجية، ويمكن بناؤها بزيادة الوازع الديني الذي يهذب النفس، ويجعلها تخاف خالقها سبحانه وتعالى أكثر من خوفها من الناس، ولذلك فإن من تواصل عاطفيا مع طرف آخر غير زوجه سواء أكان ذكرا أم أنثى، فإنه لم يخن زوجه فقط، بل خان الله تعالى قبل ذلك، والله تعالى يغار، وغيرته أن يأتي العبد ما حرمه عليه، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وثانيها : بالشعور بأن من خان زوجه، فقد يعاقب بخيانة مماثلة، وفي حالات عديدة تقدم المرأة على الانتقام من زوجها في عرضه، فتخونه مع آخر نكاية به، وقهرا له، وشفاء لما في صدرها، وهو تصرف أهوج، إذ كيف تقدم على خيانة الله تعالى في نفسها، وتعرض نفسها للجريمة، وتدني نفسها من أهل السوء الذين ربما صوروها واستعبدوها وأذلوها، وربما حملت فاختلطت المياه فلا تعلم أي ولد هذا !!! فالخطأ لا يقابل بالخطأ .
وثالثها : يجب أن يقنع الغيور من الزوجين نفسه، أن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه، فأما الأولى فهي الريبة، وأما في الأخرى فهي التي تكون في غير ريبة. ورابعها : أن الحياة الزوجية حياة دائمة بإذن الله، فيجب أن يعلم الزوجان أن تلويثها قد يبقى أثره طوال الحياة .
ولنعترف بدور الإعلام؛ الذي يقف اليوم وراء كل إيجابي، كما يقف وراء كل سلبي، إنه يصنع الآراء والتوجهات والنفوس، إنه الساحر الذي ينبغي أن ننتبه لكل حركاته.
ولا شك أن الإعلام أجج التجسس بما يمثله من أدوار الخيانة في كل مسلسلة وفيلم وأغنية، وبما يزرعه في نفوس الأزواج من احتقار للزوجات، حين يشاهد الرجل من هي أجمل وأرق في عينه من زوجته العفيفة، فيقارنها ببنات الهوى اللاتي اجتمعت عليهن أيدي الرجال ليخرجن في هذه الصورة المصطنعة، ثم يبدي الرجل إعجابه أمام الزوجة، فيشعل في نفسها الغيرة، ثم تبدأ تتحسس وتتجسس على هاتفه، وعلى جهازه الحاسوبي ونحو ذلك؛ لتبحث عن امتدادات التفاته عنها، بثورة عارمة.
يجب أن ننزع فتيل الخلاف، ونرأب الصدع، ونزيل الشك؛ بالوضوح في التعامل، ولا سيما فيما يتصل بوسائل الاتصال كالهاتف الجوال والإنترنت والسفر للخارج . وبالحوار الإيجابي الصريح عند لمح أية ريبة قوية 
تصميم وتطوير شركة  فن المسلم