زوجة الشاذ جنسيًّا.. صراع القهر والبقاء .
أ. عمرو طاحون .
لقد صارت حقيقة وجود أناس على سطح كوكب الأرض ذوي ميول جنسية شاذة وغير طبيعية واقعًا ملموسًا، ربما يدهش البعض وربما يتلقاه البعض الآخر بتفسيرات علمية أو اجتماعية مقبولة أو غير مقبولة،
وما يستوقف الكثير من المراقبين للحالة الاجتماعية في الوطن العربي في الفترة الأخيرة هو حالات الشواذ جنسيًّا من الرجال الذين يلجئون للزواج بدوافع متباينة، وربما يترتب على ذلك الزواج الكثير من النتائج المختلفة..
ما الذي يدفع الشاذ جنسيًّا إلى الزواج من فتاة طبيعية تبحث عمن يملأ عليها دنياها بشكل طبيعي؟ هل يفعل ذلك تحت ضغط اجتماعي؟ أم أنه يظن أن في ذلك علاجًا له؟
وما موقف الزوجة حين تعلم أو تشعر بحقيقة زوجها الشاذ؟ وما هي طبيعة علاقة الشاذ جنسيًّا بزوجته على مستوى الجنس والمعاشرة؟
وهل يلجأ الرجل الشاذ جنسيًّا حين تتعقد به الأمور للطلاق أو الانفصال عن زوجته هروبًا من جحيم صراع ما؟ وهل هناك حلول عملية للخروج بالشاذ وزوجته مما يعانيانه من أزمات ومشاكل؟..
ضغوط.. وآمال معلقة .
يقول الدكتور “أحمد المجدوب” المستشار الاجتماعي في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: إن الشواذ في مجتمعنا فئة أقلية منبوذة على المستوى الاجتماعي؛ ولهذا يضطر الكثير منهم للقبول بالزواج تحت وطأة ضغط اجتماعي يصعب عليهم مواجهته أو تحديه، والشاذ جنسيًّا ربما يتظاهر أمام المجتمع بأنه شخص طبيعي؛ نظرًا لإدراكه مدى العواقب التي تحل عليه إذا فضح أمره، بدليل أن الشواذ في البلاد التي تسمح وترحب بوجودهم لا يلجئون للزواج من فتيات إطلاقًا، بل يتزوجون فيما بينهم رجالاً برجال.
وفي دراسة بلجيكية لاحظ الباحث “روس” أن بعض الرجال كان لديهم إحساس واشتياق وجاذبية تجاه الرجال قبل أن يتزوجوا نساء استجابة للعرف العام، لكن الرجل ذا الميول الشاذة – يجد نفسه قد تقدم في العمر، وأن كل أصدقائه تقريبًا قد تزوجوا وهو لم يزل دون سبب واضح عازبًا ووحيدًا يحارب نزعاته غير المقبولة، وهو خائف من إقامة علاقة مع رجل تجنبًا للآثار الوخيمة، وهو غيور من زملائه الذين يصادقون نساء ويخطبون فتيات، ويحكون عن غرامياتهم في استرسال واستمتاع لا حدّ له.
وهناك سبب آخر يدفع الشاذ جنسيًّا للزواج، وهذا يكون عند الشاذ الراغب في الإقلاع عن شذوذه أو الشفاء منه، فينصحه الطبيب أو بعض المعارف المقربين أن يتزوج، وهذه الحالات أحيانًا تجني ثمارًا بشكل إيجابي، ولكن في حالات قليلة. وفي حالات أخرى نجد تلك الخطوة تدفع بالأسرة كلها نحو انهيار اجتماعي ونفسي ويضاعف الأزمة.
يقول دكتور ألفين كوبر -مدير مركز سان خوسيه للعلاقات الزوجية والحياة الجنسية وأستاذ علم النفس بجامعة ستانفورد الأمريكية-: لا يعني شذوذ الرجل إقلاعه أو تلاشي رغبته في الزواج من امرأة؛ فمركز المتعة الجنسية واحد في جميع التكوينات الجسدية لدى الرجال؛ ولذا فهو يلجأ للزواج من امرأة وهو ينوي بالوقت ذاته الإبقاء على شذوذه.
كما يؤكد دكتور إلفين أن الشاذ جنسيًّا يكون اتجاه المتعة الجنسية الأكثر قربًا إلى رغباته في حالة تفاوت، حيث تكون متعته أثناء الممارسة الطبيعية مع زوجته أحيانًا هي المسيطرة على رغباته، وأحيانًا أخرى تكون متعته الشاذة هي المسيطرة، وهذا النوع ما يسمى بـ bisexual وهو نوع لا يريد التنازل عن رجولته على المستوى الاجتماعي والشخصي؛ وهذا النوع ربما تقلّ نسب اكتشاف زوجته لشذوذه، حيث لا يظهر عليه ما يدعو لذلك.
وهناك نوع آخر تسيطر عليه النزعات الشاذة بصورة ملحوظة؛ ولذلك فهو يعيش صراعًا على المستوى النفسي واضطرابًا على المستوى البيولوجي، ودائمًا ما تكون هذه هي بداية شك الزوجة في أمر زوجها، فدائمًا ما تلحظ أنه يُنهي معاشرته لها بشكل سريع، ولا تلمح عليه سوى القليل من علامات المتعة الجنسية معها.
أما الدكتور خلف أحمد عبد السلام -أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية في مصر- فيؤكد أن المسألة الآن في مجتمعاتنا بدأت تأخذ منحى جديدًا ربما يكون غير الغالب، لكنه مؤشر خطر قوي جدًّا، وهو أن بؤر الفساد الجنسي في مجتمعاتنا بدأت تتسع بقوة حتى إن زوجة الشاذ جنسيًّا صارت تعرف حقيقة زوجها وتقرّها، وتبدأ في التعود عليها بضغط من الزوج نفسه.
حالات واقعية .
يقول (م.ن.س) شاذ جنسيًّا ومحاسب بإحدى الشركات: أنا حاولت الزواج رغبة منّي في التعامل الطبيعي مع المجتمع الذي أعيش به؛ لأنني مزدوج الميول الجنسية، ولكن كانت رغبتي الجنسية المثلية تجاه الرجال هي الأقوى، وقد لاحظت زوجتي ذلك من خلال كثرة أسفاري وابتعادي عنها كلما أتيحت لي الفرصة، وأخيرًا اكتشفت علاقتي بصديق لي وانتهى زواجنا بعد مرور سنة واحدة عليه.
أما (ج.أ.ب) شاذ جنسيًّا مصري مقيم بالسعودية – يؤكد أن رغبته في الاتصال الجنسي بالمرأة لا تقل عن مثيلتها تجاه الرجال، وقد تزوج بناء على ذلك، إلا أن زوجته علمت بأمره، ولكنها وافقت على التردد معه على طبيب الأمراض الجنسية وشجعته على العلاج، بل إنه يوضح أن زوجته السبب في أنه عرف أن الشذوذ حالة مرضية يمكن العلاج منها، إلا أنها معقدة للغاية ترتبط بخلفيات اجتماعية وتربوية عميقة.
وتقول (ه.ش.أ)- ربة منزل متزوجة من شاذ جنسيًّا: لاحظت عزوف زوجي عن معاشرتي بكثرة رغم أنني أتجمل له دائمًا، إلا أنه كان يتذرع بحجج مختلفة ربما أقنعتني في أوقات كثيرة، لكن هذا الإقناع سرعان ما تلاشى حين نصحتني إحدى صديقاتي باختباره جنسيًّا للتأكد من كونه شاذًّا، وبالفعل حدث ووجدته يميل لأوضاع جامحة وشاذة جعلتني أنفر منه، ولم أستطع الاستمرار في العيش معه بعد ذلك.
مخاطر اجتماعية ونفسية .
تؤكد ماري خوري -معالجة نفسية وأستاذة علم النفس بالجامعة اللبنانية- أن إقبال الشاذ جنسيًّا على الزواج دون العلاج من الشذوذ له مخاطر اجتماعية عديدة، يجب على المجتمع أن يأخذ على عاتقه التوعية تجاهها، وعلى رأسها الانحراف الجنسي الوارد حدوثه بقوة لدى زوجة الشاذ الجنسي؛
فنسبة 1 : 8 من زوجات الشواذ مارسن الجنس مع رجال غير أزواجهن، وذلك نسبة لمسح بحثي قامت به الجامعة اللبنانية عام 2003، وهي نسبة ربما تظهر ضئيلة إلا أنها مؤشر خطر لما يتهدد المجتمع من مشكلات ناجمة عن تمادي الشاذ جنسيًّا المتزوج في شذوذه دون العرض على طبيب.
ويقول الدكتور “إلفين” إن الكثيرات من الزوجات اللاتي اكتشفن مرض أزواجهن بالشذوذ يعانين أمراضًا نفسية مختلفة على رأسها الاضطراب النفسي الشديد والاكتئاب الحاد والاغتراب، بل بعضهن أصيب بنوبات من الصرع، حيث إن بعض هؤلاء الزوجات مررن بتجارب قاسية، منهن من فوجئت بزوجها يطلب منها ممارسات جنسية غريبة، ومنهن من اكتشفت قدرًا علاقة زوجها بزميل له، ومنهن من تركها زوجها فجأة وهجرها، ثم علمت بعد ذلك بأمر شذوذه.
وتوجه الدكتورة “ماري خوري” نداء إلى كل شاذ يفكر بالزواج أن يعرض نفسه على طبيب نفسي وآخر مختص بالعلاقات الجنسية محاولاً العلاج طالما يرغب في حياة جنسية طبيعية مع زوجته، وإلا فالإقبال على الزواج في حال عدم عرضه على الطبيب ليس مجديًا له، بل سيزيد من معاناته.
العلاج ممكن .
من حق الشاذ العلاج من حالته تلك إذا رغب في ذلك. هذا هو الرد الذي ورد عن بعض المحللين النفسيين الذين واجهوا التيار الغربي القائل بأن الشذوذ الجنسي ما هو إلا تنوع جنسي طبيعي وليس مدرجًا ضمن الأمراض، بل ودعوا إلى تجريم أي طبيب نفسي يحاول علاج أي شاذ جنسيًّا.
وفي حالتنا كمجتمع عربي مسلم، يرى الدكتور “جبر محمد جبر”، رئيس قسم علم النفس بآداب المنوفية، أنه يجب علينا الدفع في اتجاه إمكانية العلاج، ويجب على الزوجة التي ابتليت بهذا الأمر أن تشجع زوجها على المضيّ قدمًا في طريق العلاج؛ ففي بحث علمي بالولايات المتحدة قام فريق من العلماء بدراسة مجموعة من الشواذ الذين خضعوا للعلاج لمعرفة مدى تغير اتجاهاتهم الجنسية، توصل هذا الفريق إلى أن 67% من هؤلاء قد أصبحوا طبيعيين تمامًا من حيث الممارسة الجنسية السويّة
والرغبة فيها، كما أن 75% من الرجال منهم قد تزوجوا زيجات طبيعية، وقد قالوا إن عملية التحويل قد استغرقت حوالي عامين، وأنهم قد لجئوا إلى محاولة تغيير اتجاههم الجنسية؛ بسبب أولوية اعتقاداتهم الدينية بالنسبة إليهم، بالإضافة إلى إحساسهم بعدم الاستقرار النفسي في تلك النوعية الشاذة من العلاقات.
وقد أخبر الشواذ السابقون فريق الأطباء بأن الطرق التي نجحت معهم لتحويل ميولهم الجنسية تركزت على تحليل مرحلة الطفولة وعلاقاتهم الأسرية، ومعرفة كيفية تأثير تلك المرحلة على إصابتهم بالشذوذ الجنسي أو بعدم الإحساس بالانتماء إلى جنسهم.
وقد أعلنت نتائج البحث في مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلم النفس الذي انعقد في شهر مايو من العام 2005، وقد قاد الفريق عالم الطب النفسي “روبرت سبتزر” الذي كان قد ترأس لجنة طبية عام 1973 أوصت بحذف الشذوذ الجنسي من كتيب أمراض الاضطراب النفسي، وقد اعترف بخطأ أبحاث تلك اللجنة وتراجع عنها.
ويؤكد الدكتور جبر أن هذه النتائج تعتبر دافعًا قويًّا للزوجة والزوج اللذين يرغبان في الاستمرار بحياتهما الزوجية وتجاوز هذه المحنة التي لطالما دمرت العديد من الأسر.
___________________
المصدر : أسلام أون لاين