الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 / 24-جمادى الأولى-1446

الأسرار الزوجية



الأسرار الزوجية 

كتبه / أ.ياسر بن مصطفى الشلبي 

الأسرار الزوجية هي جميع الأحداث والأحوال وما يصاحبها من أقوال وأفعال داخل الأسرة التي لا يرغب أحد أفرادها أن يعرفها الآخرون .

فللحياة الزوجية حرمة أقرتها الشريعة الإسلامية ، والعقول السوية والأعراف البشرية، لما تحمل من الخصوصيات المتبادلة بين الرجل والمرأة .

فلقد جاءت التعاليم القرآنية والتوجيهات النبوية والمبادئ التربوية والاجتماعية السليمة بما يكفل المحافظة على كيان الأسرة المسلمة ويزيد متانة روابطها وتماسك علاقة أفرادها، لتبقى العلاقة الزوجية سامية وسالمة من الأمراض المعنوية والمشكلات الأخلاقية والأحداث المؤلمة المبكية، ومن ذلك الأمر بالستر وحفظ أسرار الأسر والنهي عن كل قول وفعل يجلب لها ضرراً أو يمنع عنها نفعاً.

فمدح القرآن نوعا من النساء بسبب حفظ وصيانة الأسرار والخصوصيات المتعلقة بالحياة الزوجية فقال تعالى : (( فالصالحات قانتات حافظات للغيب  بما حفظ الله)) النساء .34 ، قانتات (أي طائعات) حافظات للغيب (أي ما هو خاص ) بما حفظ الله ( أي بسبب أمره بحفظه) .

وما أروع التعبير القرآني عن هذه الحقيقة : (( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)) . البقرة .187 واللباس من وظائفه أن يستر ويحمي ويزيّن، فإذا فقد هذه الخصائص فقد وظيفته ، فعلى الأزواج أن يعلموا ويدركوا أن كل واحد منهما لباس للآخر ، يستره ويحفظه .

وجاء في مقطع قرآني آخر قوله تعالى : (( وقد أفضى بعضكم إلى بعض)) أي أسر وأعلم واختص صاحبه بأشياء ليست لغيره· 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما أفاد عبد بعد الإسلام خير له من زوجة مؤمنة إذا نظر إليها سرته وإذاغاب عنها حفظته في نفسها وماله )) .

قال داود عليه السلام : مثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب كلما رآها قرت بها عيناه ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير ومن حفظها لغيبته أن لا تفشو سره فإن سر الزوج قلما سلم من حكاية ما يقع له لزوجته لأنها قعيدته وخليلته ) فيض القدير للمناوي .

ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له ما الذي يريبك فيها فقال العاقل لا يهتك ستر امرأته فلما طلقها قيل له لم طلقتها فقال مالي وامرأة غيري .

إِنَّ الكَرِيمَ الذِي تَبقَـى مَـوَدَّتُهُ … وَيَحْفَظُ السِّرَّ إنْ صَافَى وَإنْ صَرمَا

لَيسَ الكَريمُ الذِي إن زَلَّ صَاحِبُهُ … بَـثَّ الذِي كَانَ مِنْ أَسْرارِه عَلِمَا

وقال جرير يرثي زوجته في عفافها ومحافظتها على أسرار بيتها:

كانَت إِذا هَجَرَ الحَليلُ فِراشَها ……خُزِنَ الحَديثُ وَعَفَّتِ الأَسرارُ

وقال البَعيث:

فـإنْ تَـك لَيلَى حَمَّلَتْني لُبانـَةً … فلا وأبي ليلى إذاً لا أخُونُها

حَفِظْتُ لها السرّ الذي كان بيننا … ولا يحفَظُ الأسرارَ إلا أمينُها

وفي مقابل المدح لمن حفظ أسرار الحياة الزوجية ، جاء الذم والوعيد لمن نشر أسراها ونقلها للآخرين . 

فأسرار البيت أمانة يجب عليك المحافظة عليها ، و نقل أسرار العلاقة الزوجية – أسرار البيت – خارج نطاق الأسرة الزوجية  يعني انعدام الثقة بين الزوجين ، وإضرام نار العداوة والبغضاء بين الزوجين إضراماً يذهب بما بقي من أواصر المحبة بينهما، وكتمان الزوجين أسرار بيتهما يعقبه السلامة، وإفشاؤه يعقبه الندامة، وصبرهما على كتمان السر أيسر من الندامة على إفشائه.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنّ من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها). أخرجه مسلم

قال النووي : في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمر الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل.

أما مجرد ذكر الجماع فهو مكروه؛ لأنه خلاف المروءة، إلا إن كان لحاجة كأن تذكر عجزه عن الجماع، أو إعراضه ، أو لبيان حكم شرعي فهنا يباح.

ولما أفشت إحدى زوجات النبي عليه الصلاة والسلام سره وهي أم المؤمنين حفصة – رضي الله عنها – عندما حرم النبي عليه الصلاة والسلام السيدة مارية على نفسه، فأوصى حفصة بعدم إخبار أحد فكشفت هذا السر، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام منها فطلقها، ثم ردها جبريل عليه السلام .

ومما أوصت به أم أياس ابنتها ليلة زفافها : ” (وأما التاسعة والعاشرة) فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره “.

والأسرار الزوجية قد تكون إيجابية أسرار حسنة، أو سلبية أسرار سيئة : 

فالأسرار الإيجابية عندما تفشى وتذاع عند الآخرين فإنها قد تولد في نفوس بعضهم ما لا تحمد عقباه من حسد أو حقد أو كره ومكر، ولأن هذه العواقب تحدث حقيقة في نفوس بعض البشر، فقد حذّر يعقوب – عليه السلام – ابنه يوسف – عليه السلام – من إخبار إخوته بالرؤية التي رآها، قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(5) سورة يوسف. فالحدث إيجابي وأوصى يعقوب يوسف – عليهما السلام – بعدم إفشائه حتى لإخوته لكيلا يحدث شيء من تلك العواقب السيئة. وقد قيل: ما كل ما يُعلم يُقال وما كل ما يقال يقال في كل الأحوال ولكل الناس.

وقد تكون الأسرار الزوجية سلبية – إما خُلقية أو خَلقية – وعندما تفشى هذه الأسرار يقع المتحدث بها أولاً في الغيبة التي حرمها الله – عز وجل – وتوعد عليها رسوله – صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}(12) سورة الحجرات.

ومن أبرز أسباب إفشاء الأسرار الزوجية:

1- عدم قدرة أحدهما على الصبر لما يعانيه من مشكلات وأزمات في أسرته، مما يدفعه إلى إفشائها إما بحثاً عن علاج و إما تخفيفا من ألم الكتمان.

ويؤكد علماء النفس أن ترويح الزوجين عن نفسهما بالفضفضة إلى أصدقائهما ونشر أسرار بيتهما غالبًا ما يصنع منالقلق أكثر مما يجلب من الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وسجني الزوجين الندم والخسران، وعلى من لديه مشكلة أن يستشير أهل التخصص لا الأصدقاء .

2- قلة العقل والدين، فالعقل السليم يمنع الإنسان من التحدث بأي حديث قد يجلب له ضرراً أو يدفع عنه خيراً، والدين يردعه عن كل قول وفعل لا يرضاه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.

3- كثرة الخلطة بالآخرين، فعندما يجلس الزوج أو الزوجة مع الآخرين فترات طويلة فإنه لا بد أن يحدثهم ويحدثوه فيكثر الكلام حتى يصل إلى تلك الأسرار.

4-عدم جلوس أفراد الأسرة (الزوجين والأبناء) مع بعضهم كثيراً، حتى يتكلم كل فرد للآخر، مما يجعل بعض أفرادها يضطر الى الحديث عما في نفسه إلى الآخرين.

5- ومن بين الأسباب الكِبر والغرور، الذي يدفع الإنسان إلى التباهي بما يملك وما لا يملك والحديث به أمام الآخرين.

6- حرص الكثير من النساء أو الأمهات على معرفة أدق تفاصيل حياة البنت أو الابن ومشكلاتهم الزوجية داخل البيت, ويطالبن بتقرير يومي مما يزيد المشكلة تعقيداً, بل وتعتقد الأم أن هذا نوع من الحرص والمحافظة على حياة البنت أو الولد وهي في حقيقة الأمر تعمل على تفكيك وتمزيق حياة أبنها أو بنتها.

وأخيرا: إن على الزوجين التواصي دائماً بما فيه صالح حياتهما الزوجية، ومن ذلك التواصي بحفظ أسرارهما العائلية وعدم نقلها خارج عش الزوجية، لأن حفظ أسرار البيت من أهم عوامل نجاح الحياة الزوجية واستمرارها.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم