لا تقف آثار التلفزيون عند حدود الحياة الاجتماعية – بالرغم من خطورتها – ولكنها تجاوزتها إلى آثار نفسية وعضوية، مثل حالات الصرع الحساس للضوء (Epiloscir Photo Sensitive) التي أحدثها التلفزيون وأكدتها المشاهدات السريرية في كل من اليابان والولايات المتحدة وفرنسا،
هل يجعلنا التلفزيون أقل إحساساً؟
تنطلق هذه الدراسة من فرضيتين تستندان إلى مشاهدة حية للطفلة (ف) في عمر سبع سنوات، تم وخزها بدبوس على سبيل الدعابة، بعد مناداتها أكثر من مرة دون أن تستجيب للنداء، في ظل ظرف غير معد مسبقاً، أثناء مشاهدتها لبرامج الصور المتحركة. وكانت المفاجأة: إن الطفلة (ف) لم تستجب للألم؟ وتم إعادة التجربة مرة ثانية فلم تحدث لها استجابة للألم؟!
والفرضية الأولى التي تحاول هذه الدراسة التجريبية التحقق من صحتها، هي: هل مشاهدة التلفزيون (وبالأخص برامج الصور المتحركة)، تخفض من عتبة الإحساس عند الأطفال؟
للتحقق من صحة هذه الفرضية، تم إجراء اختبار تجريبي (عام 2004)، على مجموعة من الأطفال بلغت ستة أطفال، تراوحت أعمارهم ما بين (6 – 8) سنوات، حيث بلغ متوسط أعمارهم من (2 إلى 7) سنوات، ومن كلا الجنسين.
وبلغ معدل المشاهدة للتلفزيون يوميا (حسب مقياس سبر الماضي) حوالي (3.4 / ساعة).
تم عرض فيلم للرسوم المتحركة مدته ساعتان عبر (C.D)، وأثناء العرض، جرى وخز الأطفال كل على حدة، بدبوس.
وبالتزامن مع هذه التجربة، جرى تقديم أكواب من الزهورات (خلطة من الأعشاب الطبية) الحارة (بعد غليانه مباشرة)، إلى الأطفال أثناء مشاهدتهم للرسوم المتحركة. فأخذ جميع الأطفال يرشفون الزهورات بالرغم من سخونتها برشفات متقطعة وهم يحملون الأكواب ويتابعون الرسوم المتحركة (علماً بأن الأكواب من الزجاج الناقل للحرارة).
هاتان التجربتان تؤكدان أن عتبة الإحساس بالألم لدى الأطفال انخفضت أثناء مشاهدتهم للتلفزيون.
فما تفسير ذلك؟
لقد بين الرسم الدماغي للأطفال أثناء مشاهدتهم التلفزيون، بأنه في حالة قريبة جداً من نظم ألفا (تواتر نظم ألفا Alfa Rhythem) وقوته (10 – 13) هرتز Hertz، ويكون هذا التواتر في الدماغ الساكن، حيث الانتباه في حدوده الدنيا، والعملية الإدراكية في حالة سبات، وينقطع الإحساس بالعالم الخارجي.
وهذه الحالة تشبه إلى حد بعيد حالة التشبع المغناطيسي، حيث تبدأ بتثبيت الانتباه نحو بؤرة الإثارة (التلفزيون)، ومرور الإلكترونات والأضواء الساقطة (غير المعكوسة)، مع لمعان الشاشة، وفي ظل جو من السمع والهدوء، تؤدي إلى التشبع المغناطيسي. وتتوقف هذه الحالة مع بداية الانتباه الواعي والنشاط الإدراكي (تواتر نظم بيتا Beta Rhythem).
فهل الأضواء الباهرة والإشعاعات المنبعثة من التلفزيون، وفي ظل سكون الطفل وارتخائه، تدفعان الدماغ – بعد تشويشه وخداعه – إلى اتخاذ وضعية النوم، وما يتبعها من إفرازات هرمونية تنشط أثناء النوم؟
هل يجعلنا التلفزيون بلهاء؟
الفرضية الثانية التي استندت إلى مشاهدتنا للطفلة (ف)، تتمثل في انخفاض مستوى أدائها التحصيلي عقب المشاهدة للتلفزيون (خصوصا برامج الصور المتحركة)، بشكل ملموس أكثر مقارنة بمستوى تحصيلها الدراسي قبل المشاهدة؟
للتحقق من صحة هذه الفرضية، أجرينا اختباراً ذا شقين (عام 2006) على مجموعة من الأطفال بلغت ثمانية عشر طفلا، تراوحت أعمارهم ما بين (6 – 7) سنوات، ومن كلا الجنسين.
فاتضح أن نسبة الإنجاز والتحقق في اختبار الأشكال الهندسية بلغت صفراً في المائة حيث لم يتمكن أحد من الأطفال من إنجازه كاملاً، في حين أن نسبة الإنجاز والتحقق في اختبار العمليات الحسابية وصلت إلى 11 % تقريبا لدى اثنين فقط !
ثم أعيد الاختبار بشقيه، ولكن بعد نهاية العرض بنصف ساعة، وكانت النتيجة أن نسبة الإنجاز والتحقق في اختيار الأشكال الهندسية ارتفعت إلى 30 % لدى ستة أطفال، بينما اختبار العمليات الحسابية، فقد وصلت نسبة الإنجاز والتحقق إلى 44 % تقريبا لدى اثنين فقط!
وقد يتساءل المرء: ما الذي حصل لأدمغة الأطفال أثناء مشاهدتهم للتلفزيون؟
في البداية كانت نتائج أطفال المدينة التي من دون تلفزيون هي الأحسن، ثم شرعت هذه النتائج في النقصان بعد وصول التلفزيون إليها وذلك بشكل واضح جعل نتائج أطفال هذه المدينة تتقارب مع نتائج المدينتين الأخريين.
وهناك دراسة فرنسية تظهر أن 40 % من عائلات طلبة المدارس العليا مثل مدرسة البوليتكتيك (وهي مدرسة بعد الثانوية يتخرج فيها أكبر العلماء والسياسيين)، لا يملكون التلفزيون لأن هذه العائلات تعيش في منطق ثقافي ينبذ التلفزيون!.
______________________
المصدر : مجلة العربي .