الخميس 14 نوفمبر 2024 / 12-جمادى الأولى-1446

الحب .. مصدر لتحقيق الصحة النفسية



أ. روحي عبدات

يختلف مفهوم الحب من شخص لآخر، تبعاً لمتغيرات عدة أهمها المرحلة العمرية التي يمر بها الفرد، والثقافة المجتمعية التي تشربها، وعلى الرغم أن آلية التعبير عهن الحب مختلفة تبعاً لهذه المتغيرات، إلا أن المشاعر متشابه لدى الجميع، حيث الرغبة في تقديم أفضل ما يملك للطرف الآخر، والتضحية من أجله.  

وهذا ينطبق على جميع أنواع الحب كحب العاشقين أو حب الأم لطفلها أو حب المواطن لوطنه الذي يضحي بأغلى ما يملك من أجل رفعته ومكانته. 

ولعل هذه القيمة الإنسانية السامية تعتبر محور الكثير من القيم الإنسانية الأخرى، وترتبط بها فالحب يرتبط بالإيثار وتفضيل الآخر على النفس، وبالصفاء والنقاء كونه تعبير عفوي وطبيعي عما يجول في النفس وليس فيه اصطناع، كذلك فهو يرتبط بالتضحية وبذل النفيس من أجل المحبوب، وهو يغذي في النفس القيم الروحية بعيداً عن العالم المادي الذي أشعل في الأرض الصراعات والرحوب والضغائن بين الشعوب. 

 ومن أجل زرع هذه القيمة في المجتمعات لا بد من الاهتمام بالنشىء منذ الصغير، حيث أثبتت الكثير من الدراسات النفسية والتربوية أن إشباع حاجة الطفل بالحب والعاطفة والحنان منذ الصغر ينمي فيه هذه القيمة، أما حرمانه منها يزرع فيه الحقد والكراهية على المحيط، ففاقد الشيء لا يعطيه. لذلك حتى نعلم أطفالنا الحب لا بد من محبتهم أولاَ، ولا بد للوالدين أيضاً أن يظهرا هذا الحب والتعاطف الأسري بين بعضهم البعض حتى ينمذج الأطفال هذه القيمة وتكبر معهم. 

 إن تعليم الطفل الحب يرتبط بحب الخير والإنسانية وحب الحياة، وحب ألآخرين والمحيطين حوله، لذلك فهو مضاد لمفاهيم الأنانية، والتشاؤم وحب التملك والعدوان، وهو مرتبط بالتسامح والتعايش مع الآخرين، والتكيف مع الواقع الاجتماعي، و تحقيق العدالة والمساواة بين البشر.
أما ما يمكن أن يصنعه الحب في عالم البشر فهو الكثير، فالحب ينعكس على واقع حياتنا الأسرية والاجتماعية ففي ظله يسود التواصل الاجتماعي المبني على احترام الآخرين وتفهم احتياجاتهم، وحب البذل والتقيدم والعطاء من أجلهم، والتسامي فوق المصالح الشخصية والآنية، من أجل تحقيق مكاسب على مستوى المجتمع ككل، والتفكير بالآخرين قبل التفكير بالذات وإشباع الأهواء الذاتية. 

 والحب أيضاً ينعكس على الحياة النفسية والشخصية للشخص المحب، فيحقق من خلاله التوازن والصفاء النفسي، واستقرار العواطف والانفعالات، وتفريغ الشحنات الانفعالية السلبية، فالشخص المحب شخص خيّر بمجرد استطاعته اكتساب هذه القيمة الإنسانية النبيلة، وهو يشعر بالسعادة والرضا عن الذات، والصحة النفسية والخلو من الاضطرابات النفسية والعاطفية، كون الحب يشحنه بشحنات انفعالية إيجابية محرضة على الحياة والتفاعل مع الآخرين والنظر للمواقف التي تواجهه بشكل إيجابي.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم