الأحد 22 سبتمبر 2024 / 19-ربيع الأول-1446

أيتها القافلة !!



https://fbcdn-profile-a.akamaihd.net/hprofile-ak-snc4/276764_301176816576157_1722254789_n.jpg
د. فيصل سعود الحليبي_

أيتها القافلة .. مع هدأة التاريخ .. ومن بين ضواحي جذوره العتيقة انطلقتْ مواكبكِ المباركة ، تحفك رعاية الرحمن سبحانه ، ويقود ركابكِ أفضل المخلوقين ،

بأهداف واحدة ، وغايات نبيلة ، ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .

هكذا انطلقتِ .. مشحونة بالعزم ، مملوءة بالتفاؤل ، قد حملتِ على رواحلكِ كل ألوان الصبر الجميل ، وتزودت بالتقوى ، موقنة بالوصول وإن طال الطريق .

ولم تكن مسيرتك هادئة الليل أو مسرورة النهار ، بل كانت مشوبة بالحذر ، تتخطفها رياح الباطل ، وتحوم حولها ذئاب الحقد ، ويقطّع سكونها نباح الجهل ونقيق الضحالة ،

هكذا سرتِ غير آبهةٍ بهذا أو ذاك .. لا تقفين .. ولا تتحولين .. ولا حتى تستريحين ..

فيا لك من قافلة !!

عجيبة أنت أيتها القافلة .. وأعجب شيء يستوقفني فيكِ هذا الإصرار الغريب ، فمع كل السدود .. أنت سائرة، ومع كل القيود .. أنت ماضية ، تسيرين سرًا .. وتمضين جهرًا ..

هكذا خفاقة الراية .. عالية لا تعرف النزول أو الوقوع ولو صُوبت نحوها السهام المسمومة ، أ

و قصدتها الرماح البغيضة .

أي روحٍ لكِ تتأبى على الإزهاق .. وأيُّ عزم لكِ لا يعرف الخمول .. ألم يقتل ربانكِ من أنبياء ورسل وخلفاء وقادة وعظماء .. لكنكِ ما زلت تسيرين .. !!

أو لم يستحرِ الذبح في أبنائك عبر التاريخ فلاقوا من العذاب ما تئن له الأرض وتبكي له السماء !؟ لكنكِ ما زلت تسيرين .. !! أو لم تقطع أوصال أتباعك أممًا وشعوبًا .. تتباين لغاتهم .. وتتباعد أوطانهم .. لكنكِ ما زلت تسيرين .. !!

أو يمكن أن يكون هذا القرآن الذي يتلوه أصحابكِ هو روحك التي لا يمكن أن تزول .. !؟

هنيئًا لك ِ هذه الروح .. لكن احذري فالأعداء له بالمرصاد ، ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ،

وامضي به راشدة قوية فـ ( َاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) .


غير أني أيتها ـ القافلة الكريمة ـ

ألمح في عينيك لمعانًا مثيرًا .. لا أدري .. أهي إهلالة دموع .. أم بريق أمل ..

أما الدموع .. فلا ألومكِ عليها .. وقد رأيتِ أحبابك تغص بهم سجون الظلمة ، وتتناثر جثثهم هنا وهناك ، ويسبي ظعائنك أرذل الخلق وأحقرهم عند الله ، ويعتدي على ديارك ومقدساتك قطّاع الطريق فلا تتحرّك لنصرتك الجيوش ، ولا تنهض من أجلك الدول .

وأما الأمل .. فهو الذي آمل أن يكون بريقه في عينيك ..ولم لا وهذه طلائع التضحية بالنفوس تقدم نفسها رخيصة من أجلك .. تتلذذ بالموت في سبيل وصولك سالمة قوية آمنة ، وهذه الأصوات الشجية ترتل القرآن في كل صقعٍ وبلد ،قد أحبته من صميم فؤادها ،

وأقسمت على السير تحت ظلاله الوارفة ، ولم لا تأملين .. وهذه جهات الخير والبذل تتنافس في مدك بالعون والمساعدة ، لا تأل جهدًا في عطائها ، ولا تقصر في سخائها ، والناس من حولها تفرح بالنفرة في سبيل الخير ، فلتبرق عيناك بالأمل ..

فإن الطموحات الكبار ما زالت تشق طريقها نحو هدفك المنشود ، تنظر لك الطريق ، وتحرسك من أذى المتربصين بك .

ألا سيري أيتها القافلة نحو النصر ، لا تلتفتي لنعيق التخذيل ، ولا لهمهمات الذائبين ، حتى تردي على حوض الحبيب صلى الله عليه وسلم ، هناك حيث تلتقي القلوب العاملة الصابرة ، فتلتئم الجروح ، ويحسن اللقاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَوْضِ ) رواه البخاري .

ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ) رواه مسلم .

وصدق الله القائل:( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ ) .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم