أ. بدر محمد بدر .
هذه دراسة تكشف إلى أي مدى يمكن أن يؤدى انهيار الحياة الأسرية في المجتمعات الغربية إلى فناء الجنس البشرى, لو تمت ” عولمة ” هذا النموذج, واستمر الضغط على بلادنا العربية والإسلامية, وبقية المجتمعات في العالم لتنفيذه,
وتكشف أيضاً حجم التدهور السريع لمؤسسة ” الأسرة “, وما ينتج عن هذا التدهور من مشكلات اجتماعية ونفسية وأخلاقية خطيرة, تهز أركان المجتمع الغربي هزاً,
وبالتالي تفتح عيوننا ـ نحن المسلمين ـ على حقيقة ما يجرى في الغرب من الزاوية الاجتماعية, وكيف نخطط في بلادنا ومجتمعاتنا لمواجهته ومحاصرته والصمود في وجهه, حتى لا تصاب أمتنا بهذه الأمراض الخطيرة, وحتى ينمو الجنس البشرى من الانقراض والفناء, وتستمر سنة الله, في الأرض من الحفاظ على النسل وزيادته وتعمير الأرض وبناء الحضارة.
إفرازات الحضارة المادية
الدراسة المهمة أعدها الدكتور صلاح الدين سلطان أستاذ الشريعة الإسلامية, ورئيس الجامعة الإسلامية الأمريكية سابقاً, والذي أقام في الولايات المتحدة قرابة عقد من الزمان,
بعنوان : ” إفرازات الحضارة المادية على الحياة الزوجية في أمريكا وأوربا “, وأورد فيها الكثير من الأرقام والإحصاءات التي يجب أن نتوقف أمامها طويلاً لنتأمل :
هل هذه هو الطريق الذي يريد لنا الغرب أن نسير خلفه فيه؟!..
وهل هذه النتائج التي يمكن أن تقع فيها مجتمعاتنا, إذا استجبنا لمحاولات عولمة وتفكيك الأسرة المسلمة ؟!..
إن الدراسة تكشف بوضوح شديد أن الحضارة الغربية تتعرض لمحنة اجتماعية قاسية, وأزمة إنسانية ضخمة, تزداد يوماً بعد يوم, وما لم تتضافر الجهود وتتكاتف الهمم لوقف هذا التدهور وإعادة بناء الأسرة من جديد باعتبارها أساس المجتمع والدولة, فإن الغرب يسير بقوة في طريق النهاية لا محالة.
تطور مفهوم الأسرة
تقول الدراسة ـ التي اعتمد فيها المؤلف على الوثائق الأمريكية والأوربية ـ إن مفهوم الأسرة في أمريكا تطور في الخمسين عاماً الأخيرة من زوج وزوجة وولدين تحت سن 18 سنة, الزوج يعمل, والزوجة ترعى زوجها وأولادها, إلى ناس يعيشون مع بعضهم ويحب بعضهم بعضا, وهذا معناه أن رابطة الزوجية لم تعد هي الأساس في الأسرة, ويقول إن البعد الاقتصادي أصبح مهماً في الزواج,
فالمرأة التي لا تعمل قد لا تجد فرصة للزواج, والتي تفقد عملها قد تفقد حياتها الزوجية, بالإضافة إلى تصاعد الشعور بالفردية, وعدم الرغبة في أن يسيطر أحد على الآخر, وهذا أدى إلى تصاعد نسب الطلاق, لأن كل طرف يريد أن يحقق أفضل ما يمكن دون أن يسيطر الطرف الآخر عليه, وبالتالي تضاءلت فكرة التضحية من أجل الأولاد, وأصبحت الأغلبية ترى أن الأولاد لو عاشوا مع الأب أو الأم أفضل من العيش جميعاً مع الخلافات,
ولذلك كان ما يقرب من 50% من الأبناء تحت سن الأربعين في عام 2000, قد طلق آباؤهم أمهاتهم, وفى عام 1995, كان حوالي ثلث الأبناء الأمريكيين يعيشون مع الأم وحدها, والآن 25% من الأمريكان يعيشون بمفردهم تماماً, والغالبية تعيش إما زوجان بدون أولاد أو أحد الأبوين مع الأولاد, أو أناس يعيشون مع بعضهم البعض دون علاقة زوجية !
العزوف عن الزواج
تستعرض الدراسة الموثقة نسبة الذين لم يسبق لهم الزواج وتطورها والشرائح العمرية التي ينتمون إليها, ومنها أن الذين لم يسبق لهم الزواج من الذكور في الشريحة من 20 : 24 سنة كانوا في عام 1970 في الولايات المتحدة الأمريكية 35.8% أصبحوا في عام 2002 85.4% !
وفى الشريحة من 25: 29 كانوا 10.5% فأصبحوا في عام 2002 53.7, وفى الشريحة من 30: 34 كانوا 6.2 فأصبحوا 34% وفى الشريحة من 35: 39 كانوا 5.4% فأصبحوا 21.1% وفى الشريحة من 40: 44 كانوا 4.9% فأصبحوا 16.7%.
ونفس الشيء في الإناث, ففي الشريحة من 20: 24 سنة كانت نسبة غير المتزوجات في عام 1970 54.7% ارتفعت في عام 2002 إلى 74%, وفى الشريحة من 25: 29 كانت النسبة 19.1% فارتفعت إلى 40.4, وفى الشريحة من 30: 34 كانت 9.4% فارتفعت إلى 23%, وفى الشريحة من 35: 39 كانت 7.2% فارتفعت إلى 14.7%, أما الشريحة الأخيرة ( 40 ـ 44 ) فكانت النسبة 6.3% فأصبحت 11.5%.
ومن هذه الأرقام يبدو واضحاً أنه في خلال 32 سنة زادت نسبة العزوف عن الزواج لدى الرجال بنسبة 336% وفى النساء 169%, ولا تزال هذه النسبة في ارتفاع مستمر ففي سنة 2003 لم يتزوج إلا 7.5% من كل ألف !
ارتفاع معدل الطلاق
المشكلة ـ كما تقول الدراسة ـ ليست فقط في انخفاض نسبة الزواج بشكل مستمر في كل الشرائح العمرية, بل أيضاً تبدو أكثر خطورة مع ارتفاع نسبة الطلاق بشكل كبير, فالأرقام تشير إلى أنه في عام 2000 بلغت نسبة الزواج لكل ألف من سكان الولايات المتحدة الأمريكية 8.2% بينما بلغت نسبة الطلاق 4.1% بنسبة 50%, وفى عام 2003 ارتفعت النسبة إلى 51%, وقد زادت حالات الطلاق من 708 ألف عام 1970 إلى مليون و 125 ألف حالة في عام 2000, وتبدو الصورة واضحة عند انخفاض عدد حالات الزواج بشكل مستمر, بينما ترتفع حالات الطلاق بين هؤلاء المتزوجين بشكل مستمر أيضاً !
في أوروبا
وتنقل الدراسة التي أعدها الدكتور صلاح بعض الأرقام من الدول الأوربية حول نفس الموضوع حيث تبلغ نسبة الزواج لكل ألف من السكان في بلجيكا 4.2% ونسبة الطلاق 2.9% أي 69% وفى السويد 4% والطلاق 2.4%, وفى النمسا 4.2% و 2.5%, وفى فنلندا 4.8% و 2.6% وفى ألمانيا 4.7% و 2.4% وفى بريطانيا 5.1 % و 2.6, وجميعها نسب ترتفع فوق الـ 50 % من حالات الزواج.
آثار خطيرة على الأطفال
تقول الدراسة إن العزوف عن الزواج وتصاعد السعار الجنسي والممارسات خارج الزواج, وأيضاً ارتفاع نسب الطلاق داخل نسبة الزواج المحدودة, كل هذا أدى إلى ظاهرة مرضية كبيرة, وهى حرمان الطفل أن يعيش بين أبوين متحابين متفاهمين, متشاورين لمصلحة الطفل, وأصبحت أعداد هائلة من الأبناء تعيش مع الأم وحدها أو مع الأب وحده, أو في دور لرعاية الأطفال الذين لا يعرفون لهم أبا أو أماً, وتزايدت بشكل كبير نسب الأولاد الذين ولدوا خارج دائرة الزواج..
أولاد الزنا
تقول الدراسة إن نسبة الأولاد الذين ولدوا خارج دائرة الزواج في أمريكا بلغت في عام 1990 نسبة 28%, ارتفعت إلى 35.5% في عام 2001, أى أن أكثر من ثلث الأولاد في أمريكا لم يولدوا من علاقة زوجية. وفى بريطانيا كانت النسبة في عام 1974 8.8%, لكنها ارتفعت بشكل مذهل في عام 1999 إلى 41.1% من الأولاد الذين ولدوا خارج دائرة الزواج !
وترتفع نسبة الأولاد خارج دائرة الزواج بشكل مخيف إذ بلغت في السويد في عام 1980 40% ارتفعت إلى 54% وفى فرنسا ارتفعت من 11% في عام 1998 في عام 1980 إلى 40% في عام 1998.
وتلاحظ الدراسة أن الدول التي يزيد فيها الطلاق, يزداد فيها الإنجاب خارج إطار الزواج.
وكذلك ترتفع نسبة الآباء والأمهات الذين يرعون الأولاد فرادى, وتشير الإحصاءات إلى أن مليون طفل كل عام في أمريكا, ينفصل آباؤهم عن أمهاتهم, سواء من زواج أو علاقات صداقة. وتتزايد هذه الأعداد, التي تحول الأب أو الأم إلى مسئول كامل عن الأولاد, فقد بلغت أعداد الأسر التي يرعاها الأب منفرداً في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1970 393 ألف أسرة , ارتفعت إلى مليونين و260 ألفاً في عام 2003, وبلغت أعداد الأسر التي ترعاها الأم منفردة في عام 1970 ثلاثة ملايين و410 ألفاً , ارتفعت إلى عشرة ملايين و 142 ألفاً, وهذه الأرقام المفزعة في ازدياد مستمر كما تقول الدراسة.
العنف بين الأطفال
إن الأطفال في الولايات المتحدة لم يحرموا فقط من حنان الأبوين معاً, بل إنهم يرون القسوة والضرب والعنف, سواء لهم أو لأمهاتهم, وتشير الإحصاءات التي أوردتها الدراسة إلى أن 3.3 مليون طفل سنوياً يرون أمهاتهم يُضربن أمامهم, سواء من والد الطفل أو زوج أمه أو صاحبها !
وفى البيوت التي يتعرض فيها الأب أو الأم للضرب, تكون نسبة زيادة تعرض الطفل للضرب والاضطهاد 1500 مرة, عن هؤلاء الذين يعيشون مع أسرة عادية,
وهناك إحصائية تشير إلى أن من 40 إلى 60% من الرجال الذين ضربوا زوجاتهم أو صديقاتهم مارسوا الشيء نفسه مع الأولاد, ونتيجة لذلك فإن 27% من الذين يقتلون كل عام هم أولاد, أغلبهم ( 90% منهم ) تحت سن عشر سنوات!
العنف ضد المرأة
هذه الأنماط في الحياة الزوجية أو العلاقات العامة المبنية على الصداقة أو تفريغ الشهوات, خلفت وراءها ركاماً كبيراً من الظلم للرجال والنساء, لكن المرأة ـ التي يدعون تحريرها وإعطاءها كل حقوقها, ويتشدقون بأنها وصلت إلى المساواة الكاملة مع الرجل الآن ـ هي الأكثر في تحمل مسئولية الأولاد, ومع تحملها المسئولية هذه, فإنها في الغالب تتلقى ضرباً وظلماً واضطهاداً, لم تستطع القوانين الصارمة في الأخذ على أيدي الجناة أن توفر لها حماية أمنية مناسبة,
وقد رصدت الدراسة نتائج هذا الظلم الواقع على المرأة في عدد من النقاط منها :
1 ـ 33% من النساء الأمريكيات تعرضن للضرب .
2 ـ يومياً يقتل ثلاث نساء في المتوسط, وفى عام 2001, قتل 1247 امرأة على يد الزوج أو الصديق .
3 ـ النسبة الإجمالية للمضطهدين, الذين يتعرضون للضرب 90: 95% نساء, ونسبة الرجال الذين يضربون النساء 90%, أما النساء اللاتى يضربن النساء فهن 5% .
4 ـ أكثر العنف الذي مارسته المرأة ضد الغير كان دفاعياً .
5 ـ وفى دراسة ( 1992 ـ 1993 ), أثبتت أن المرأة تتعرض للضرب ستة أضعاف الرجل .
6 ـ 70% من المقتولين بشكل عام من النساء .
7 ـ في سنة 1999 ارتفع عدد النساء المضروبات من 960 ألف حالة إلى ثلاثة ملايين, عن طريق الزوج أو الصديق الحالي أو السابق, وكانت نسبة الزيادة سنة 2001 20% عما قبلها.
ولاشك أن هذه الأرقام المذهلة تكشف إلى أي مدى تنهار الحياة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية, بسبب نمط الحياة المادية الذي أرهق الجميع, ووضعهم تحت ضغط نفسي وبدني هائل.
إدمان المخدرات
تورد دراسة الدكتور صلاح الدين سلطان رئيس الجامعة الإسلامية الأمريكية سابقاً الكثير من الأرقام المخيفة عن المخدرات والمسكرات المنتشرة بين الشباب في أمريكا, ونختار منها هذه الإحصائية التي تغطى شهرين من حياة طلاب الثانوية العامة قبل تخرجهم, هذه الإحصائية تمت في الشهرين الدراسيين الأخيرين من عام 2003, حيث بلغت نسبة التدخين بين الطلاب 24.4%, وتناول الماريجوانا 21.2% والكوكايين 21.1% والكحول ( الخمر ) 47.5%, وشرب الكحول أكثر من خمس مرات متتالية 27.9%, ورغم ذلك فإن هناك تحسناً نسبياً عن عام 1980, حيث وصل الأولاد الذين يشربون الكحول إلى 72%, والذين يشربون أكثر من خمس مرات ليغيبوا عن الوعي 41.2%, وشرب السجائر 30.5% !
العلاقات الجنسية
وثمة كارثة اجتماعية أخرى تهدد الغرب, وهى انتشار العلاقات الجنسية بين الشباب والفتيات تحت سن 19 سنة, ففي دراسة لأحد المراكز التابعة لوزارة الصحة الأمريكية في عام 1995, تبين أن أكثر من 50% من البنات و55% من الأولاد يمارسون الجنس,
كما أظهرت الدراسة نفسها أن نسبة البنات الحوامل من سن 15 : 19 بلغت 10.2% بما يعنى أن حوالي 40% يتخذن من وسائل منع الحمل والاحتياط من حدوثه, ما يمنع إدراجهن ضمن نسبة الـ 10.2% ..
والغريب أن الحكومات الغربية كلها تبذل جهوداً مضنية في توعية الشباب, ليس بالامتناع عن الزنا, وإنما بالاحتياط عند ممارسته باستخدام وسائل منع الحمل, حتى لا تتكلف تلك الحكومات مبالغ طائلة, في علاج آثار انتشار الأمراض الجنسية مثل مرضى الإيدز, الذين يعالجون مجانا في أمريكا, حيث يكلف الشخص الواحد نحو ألف دولار شهرياً.
والمثير للدهشة ضمن الدراسة الأمريكية أن هناك حالات ولادة مبكرة جداً في سن من 10 : 14 سنة, ففي عام 1994, بلغت حالات الولادة في هذه السن 12.901 حالة ! وبلغت في عام 2002 7.315 حالة!..
وبالطبع فإن هذه الأرقام لا تعكس عدد الحالات التي مارست الزنا في هذه السن المبكرة بسبب استعمال موانع الحمل أو عمليات الإجهاض أو عدم الحمل الطبيعي مما يشير إلى أن نسب ارتكاب الزنا من سن عشر سنوات أعلى بكثير!
أزمة كبار السن
مشكلة جديدة تضاف إلى المشكلات التي أفرزتها الحضارة المادية الغربية, بل إنها تبلغ الذروة في قسوتها مع كبار السن, الذين قد يجدون الوفرة المادية من طعام وسكن وأجهزة حديثة, لكنهم محرمون من البر والحياة الاجتماعية الإنسانية الطبيعية, التي يشعرون فيها بكيانهم وأهميتهم وفائدتهم, واحترام الآخرين وحبهم لهم ..
أما هذه الأدوات الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والبيوت الواسعة أو دور رعاية المسنين, فإنها لا تعالج حاجة الإنسان إلى الإنسانية .. إلى أولاده وأحفاده وأهله وأقاربه وأصدقائه, وهناك الكثير من الأرقام والإحصاءات التي تدعو لكثير من الإشفاق والرثاء والألم ..
فقد ارتفعت النسبة المئوية للبالغين من الرجال الذين يعيشون بمفردهم في الولايات المتحدة الأمريكية من 3.5% عام 1956 إلى 9.4% في عام 1994, وبالنسبة للنساء ارتفعت من 7.3% إلى 14.2% في نفس الأعوام . وفى بريطانيا تكشف الإحصاءات أن 70% من النساء فوق سن 85 يعشن وحدهن !
اضطراب شكل الأسرة
كل هذه الأرقام وغيرها تكشف المدى الذي وصلت إليه الحياة الاجتماعية في الغرب من تدهور وقسوة وجفاء, وفى عام 2000 كانت الأوضاع بالنسبة للأسرة الأمريكية كالتالي :
28.7% زوجان بدون أولاد و24.1% زوجان مع أولاد, و 21.7% رجال مع رجال أو نساء مع نساء أو مختلطة بدون زواج و14.8% نساء يعشن وحدهن و 10.7% رجال يعيشون وحدهم ! بينما كانت هذه النسب في عام 1970 كالتالي : 30.3% زوجان بدون أولاد و 40.3% زوجان مع أولاد, و 12.3% مختلطة بدون زواج, 11.5% نساء وحيدات و 5.6% رجال وحيدون ..
وتكشف هذه الأرقام أن هناك أزمة كبيرة ليس فقط في مرحلة الشباب أو في إقبال المجتمع على بناء أسرة طبيعية, بل في انتشار أولاد الزنا وانتشار تعاطي المخدرات وبالتالي العنف ضد الأطفال وضد المرأة, وأخيراً القسوة التي يتعرض لها كبار السن سواء من الرجال أو النساء,
وأكثر ما يؤلم ـ كما تقول دراسة الدكتور صلاح الدين سلطان ـ هو نسبة التخلي عن المرأة بعد سن 45 سنة ( بداية ما يطلق عليه سن اليأس ) حيث يبدأ مسلسل النكوص عنها والتخلص منها والبحث عن الصغيرات لإشباع الرغبات, وترك الكبيرات يعانين حتى الممات!
تهديد داخلي
الدراسة تؤكد على أن الشكل الذي آلت إليه الأسرة الأمريكية خاصة والغربية عامة يعد خطراً داخلياً أكبر من أي تهديد خارجي, وهذا التهديد والخطر الداخلي يوجب على المسئولين في الغرب السعي للإصلاح الاجتماعي, بدلاً من الامتداد والانتشار المتغطرس الذي تحميه القوة في بلاد العالم النامي عامة, والإسلامي على وجه خاص, وكما قلنا فإن عدم التحرك سريعاً لعلاج هذا الواقع المؤلم, فإن قطار الحضارة المادية الغربية ينطلق بسرعة نحو النهاية .
عولمة الأسرة في الغرب
تقول الدراسة إن العولمة هي فرض المشروع الغربي في جميع جوانبه : السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. الخ على العالم كله, وذلك من خلال الضغط الهائل لفرض ونشر وترويج هذا الشكل والمضمون للأسرة في جميع دول العالم من خلال عدة محاور منها :
1 ـ الضغط الرسمي على الحكومات والأنظمة .
2 ـ الضغط الشعبي من خلال دعم المنظمات غير الحكومية التي تتبنى هذا النموذج الغربي.
3 ـ الضغط الإعلامي من خلال قوة النشر في الفضائيات وعلى شبكة الإنترنت لكل خصائص النموذج الغربي, بكل ما فيه من انحلال وانحراف خلقي.
4 ـ الضغط المالي بدعم مراكز الأبحاث التي تؤكد على أهمية النموذج الغربي في الأسرة.
5 ـ الضغط من خلال هيئة الأمم المتحدة من خلال إمكانياتها وممثليها ومؤتمراتها, وانتشارها من خلال فروعها في العالم كله..
مؤتمرات السكان
تفصل الدراسة أكثر في النقطة الأخيرة وهى الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة من خلال مؤتمرات السكان .. تقول الدراسة :
لقد قامت منظمة الأمم المتحدة بعقد عدة مؤتمرات كبرى حول قضية النسل وزيادة
السكان, وأساليب وقفها, ومنها المؤتمر العالمي للسكان في بوخارست ( رومانيا ) عام 1974, والمؤتمر الدولي للسكان في مكسيكو ( المكسيك ) عام 1984, ثم المؤتمر الدولي للسكان في القاهرة ( مصر ) عام 1994, ثم بكين ( الصين ) عام 95 عن المرأة, وآخر في استانبول ( تركيا ) عام 1996, ولا تزال تنعقد المؤتمرات وفق خطة عمل وبرنامج محدد, الأهداف والوسائل فيه واضحة ويمكن تلخيص الأهداف فيما يلي :
1 ـ وقف أو تقليص هذا النمو السكاني الكبير خاصة في مناطق الشرق, حيث أن متوسط إنجاب الزوجة فيها حوالي ستة, بينما هي في الغرب تتراجع لتصل إلى اثنين على الأكثر. الفقرة ( 1 ـ 9 ) من وثيقة مؤتمر السكان .
2 ـ هناك تخوف من الزيادة السكانية الهائلة حيث استغرق الوصول إلى المليار الثاني 123 عاماً, والثالث 33 عاماً, والرابع 14 عاماً, والخامس 11 عاماً, ويتوقع ألا يستغرق أي مليار جديد أكثر من عشر سنوات. الفقرة ( 1 ـ 3 ) من الفصل الأول لوثيقة مؤتمر السكان 1994.
3 ـ هناك اعتقاد لدى الدول المتقدمة أن الحل الجذري لهذه المعضلة ( اختلال التوزيع الديموجرافي للسكان في العالم ) هو في فرض المشروع الغربي, بكل ما فيه على دول الشرق وجميع الدول النامية.
4 ـ في الفصل الثاني من وثيقة مؤتمر السكان ( المبادئ ) كان النداء الأول هو تعزيز حق التمتع بجميع الحقوق والواجبات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو الجنس .. ( أي وفقا للرؤية الغربية فقط ) أما المبدأ الثالث فهو تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة, وهو حجر الزاوية في البرامج المتصلة بالسكان والتنمية .
5 ـ هناك إلحاح في وثيقة مؤتمر السكان يزيد عن مائة وخمسين مرة, في خلال صفحاتها التي تقارب المائة والعشرين صفحة, على قضية أساسية ومحورية وهى الصحة الجنسية والتناسلية, بفتح الأبواب للممارسات الجنسية, مع التثقيف المستمر, لحماية هؤلاء من الأمراض المعدية, وفيما يلي بعض النصوص في الوثيقة ـ التي فشلت شعبياً بسبب مقاومة شعوب العالم الإسلامي لها ـ لكنها مع الأسف تحقق نجاحات كبيرة عن طريق الضغوط السابق ذكرها.
نصوص من الوثيقة
1 ـ في الفقرة ( 7 ـ 1 ) أساس العمل في المؤتمر هو تحقيق الرفاهية التناسلية.
2 ـ في الفقرة ( 8 ـ 24 ) و ( 6 ـ 7 ) يجب تزويد المراهقات والمراهقين بالمعلومات والثقافة والمشورة لمساعدتهم على تأخير سن الزواج والاقتران المبكر.
3 ـ في الفقرة ( 4 ـ 24 ) من الأساس تحسين الاتصال بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بقضايا الجنس والحياة الجنسية والصحة التناسلية.
4 ـ في الفقرة ( 8 ـ 31 ) يجب التدريب على الترويج للسلوك الجنسي المسئول والمأمون واستخدام العوازل عند الاتصال الجنسي.
5 ـ في الفقرة ( 7 ـ 31 ) و ( 6 ـ 21 ), يجب أن تكون معلومات وأدوات الصحة الجنسية والتناسلية سهلة المنال, رخيصة التكاليف, عالية الجودة, ومقبولة ومريحة للمستعمل, ويجب أن تستخدم النظم التسويقية لكفالة توفير إمدادات كافية ومستمرة من وسائل منع الحمل الأساسية, وينبغي منحه كفالة الخصوصية والسرية .
فرض المشروع
هذا قليل من كثير من اندفاع هيئة الأمم المتحدة تحت ضغوط الدول دائمة العضوية عامة, وأمريكا خاصة لفرض المشروع الغربي للأسرة بكل خصائصه, والهدف ضمان عدم نمو الأعداد الغفيرة في الشرق بما يخل بمنظومة التوزيع السكاني للشرق على الغرب أو للإسلام على غيره, وثانياً كي يتحول العالم كله إلى لون واحد من الأسرة, التي تعيش في أوهن صور الارتباط بين أفرادها !