الجمعة 20 سبتمبر 2024 / 17-ربيع الأول-1446

قبول الخاطب الذي يصغر الفتاة



السؤال

السلام عليكم،

أحسن الله إليكم لجُهُودكم الطيبة.

إخواني، عندي ابنة تبلغ من العمر 22 سنة، تقدَّم لها شبابٌ كُثُر؛ قَصْدَ الزواج، ولكن لا تأبه بأيِّ خاطب، ومن مُدَّة ثلاث سنوات تقريبًا خطبها طالبُ علمٍ شرعي مثلها، درس التخصص الذي درسته نفسَه، ولكن رفضته؛ لأنَّه يصغرها بـ 10 شهور، هذا الشاب أعجبنا، وهو على خُلُق ودين، وكلُّ الأسرة مُوافقة عليه وعلى ظروفه المادية إلاَّ هي تعتذر بأنه أصغرُ منها، ويستحيل أنْ ترضى به،

حجتها دومًا أنه سيتغيَّر بعد بِضْعِ سنين، وأنَّه ما زال صغيرًا على المسؤولية.

هي ناضجة، وتفكر دومًا لبعيد.

الشاب يُريدها ويرغب فيها بشدة وسعى سعيًا حثيثًا لتقبلَه، بأن سافر إلى أصدقاء العائلة؛ ليتوسطوا له عندنا، وقد أثبت لنا أنَّه يريدها فعلاً، ويرغبُ فيها، فكيف السبيل لإقناعها أنَّ السن لا يهم؟ وبِمَ تنصحونَ والدتَها التي تعلَّقت به كأحد أبنائها؟

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

حَيَّاكِ الله أختي الفاضلة،

يقول رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُنْكَحُ الأَيِّم حتى تُسْتَأمر, ولا تنكح البِكْر حتى تُستأذَن))، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنُها؟ قال: ((أن تسكُت))؛ متفق عليه.

فلْنتَّفق أولاً على أنَّ هذا حقُّها الشرعي، الذي كَفَله لها الله – عزَّ وجلَّ – ولا تُجبر على زوجٍ لا ترغب فيه, ولا يتم الضغط عليها.

أود أنْ أبدأ الآن من وصفك لابنتك بـ”ناضجة وتفكر لبعيد”.

فما دامت الفتاة واعية, بعيدةً عن السَّفَهِ, فلا داعيَ للقلق – سيدتي الفاضلة – وعليك هنا ببذلِ النُّصح لها, ليس أكثر, فتحدَّثي إليها بتودُّد، وأشعريها بالصداقة بينكما؛ فالأمُّ خير ناصح للفتاة إن كانتِ العَلاقة بينهما طيبة ووثيقة, وإن أدركتِ الأمُّ أهميةَ الحوار الإيجابي مع فتاة في هذا العمر.

يبدو أنَّ الفتاة قد عرضتْ وجهة نظرها بصورة واضحة, وبيَّنت سبب الرفض بأسلوب مبسَّط وأقرب للإقناع, الشاب أصغر منها بسنة تقريبًا, أليس كذلك؟

دعيني إذًا أوضِّح لك نقطة, لعلك لا تجهلينها، لكن أحب أن أذكِّرَك فقط بها.

تعلمين أنَّ الفتاة تبلغ – في معظم الأحوال – قبل الفتى بسنوات, ويبقى أثرُ هذا الفرق بينهما ما استمرت الحياة، هذا الشاب لا يُعَدُّ أصغرَ منها بسنةٍ واحدة في الحقيقة؛ حيث ينظر إلى وقت بلوغ كلٍّ منهما, وبهذا يزيد الأمرُ على سنة, كما أن الفتاة تكون أكثر نُضجًا ووعيًا من الفتى في العمر نفسه, وهناك الأهم من ذلك، وهو أن المرأة تشيب قبل الرجل، وتظهر عليها علامات الكبر، بعدة سنوات أيضًا.

فلو أخذنا كل هذا في الاعتبار، فلا يسعنا إلا أن نوافقها الرأي.

عذرًا سيدتي الفاضلة, فضلتُ أنْ أكونَ صريحة معك، وأوضِّح لك نظرة ابنتك الإيجابية الواعية, ولم أحبذ أنْ أرجح وجهة نظرك دون الإشارة إلى إيجابيات وجهة نظرها.

متى نرجح للفتاة قَبولَ الخاطب الأصغر منها في العمر؟

إن كان الخاطبُ ذا خلق ودين عاليين, (وهذا موجود في حالتها).

إن كان يصعب, أو لا يُتوقع أن يتقدَّم إليها مثلُه، وذلك بالنظر في بيئتكم وحال الشباب عندكم.

إن كان عمرها قد تَجاوز العمر الذي يشيرُ إلى القلق عليها بشأن الزَّواج, وقد يَختلف هذا الأمر كثيرًا من بيئة لأخرى, ولا تنسَيْ أن سِنَّ الزواج قد ارتفع الآن، واختلف عما كان عليه في الماضي.

إن كان الفارق العمري قليلاً لا يكون له عليهما تأثير كبير – بإذن الله – (وهذا أيضًا موجود في حالتها).

وعلى ذلك أفضِّل أن تُكرِّري مع ابنتك جلسات المصارحة، وأن تتعرَّفي على وجهة نظرها, وهل هي راغبة في تأجيلِ الزواج بوجه عام, أو أنَّ لها صفاتٍ مُعينة تحلُم بها في شريك حياتِها, وعليك كأم التقرُّب إليها، وتَفهُّم مشاعرها, ولْيَكُن النصحُ بأسلوب غير مباشر, وبأسلوب ودود رقيق, فبيِّني لها أن الزواج قد يكون متاحًا الآن, لكن مع تقدُّم العمر, سيقل عددُ الخطاب، وستقل الفرص في الحصول على زوجٍ صالح, والرزق بيدِ الله وحدَه الذي تَكفَّل برزق كل حي, وكتب المقادير علينا قبل أن نولد.

بيني لها أيضًا أنَّ تَمسُّك الشاب بها لا يدل إلا على رغبته الصادقة فيها، وتغاضيه عن الفارق العمري بينهما, وبإمكانكم التحري والسؤال عنه؛ ليتبين لكم إن كان أهلاً للمسؤولية أم كما تعتقد هي، فشابٌّ في الحادية والعشرين من عمره قد لا يكون أهلاً لتحمُّل مسؤولية الزواج بالفعل.

على كل حال, يفضل ألاَّ يزيد الأمر على حوارات مُتكررة سريعة لا يتم فيها التأثير أو الضغط عليها, ولا يزيد على نصائح متناثرة تُعينها على إعادة التفكير في أمر الخاطبِ بصفة خاصة، والزواج بصفة عامة، وإعادة النظر من جديد.

وأمَّا بخصوص الأم التي تعلَّقت به كأحد أبنائها، وترغب فيه زوجًا لابنتها، فأقول لها ما قال ربي – عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

فالله الذي خلقني وخلقك وخلق ابنتَك وزوجَها، الذي لا يعلمه سواه الآن – قد أخبرنا بعلمه السابق لما فيه الخير لنا, وإن بدا لنا العكس, وكم من أمرٍ ظننا فيه الخيرية المحضة لنا، وإذا به الشر المستطير!

 

فلا تشغلي بالَك بذلك, وتوكَّلي على الله, وما يدريك – عزيزتي الأم – أنَّ هذا الشاب باطنه كظاهره؟!

 

وما يدريك أنَّ ابنتك ستسعد به وسيسعد بها؟!

إنَّ قلوب بني آدم كلها كما ورد في الحديث: ((إنَّ قلوبَ بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن, كقلب واحد, يصرفه حيث يشاء))؛ رواه مسلم.

فإن كان هذا الشاب متعلقًا بها اليوم, فلا ندري ما يكون حاله غدًا، أو عندما يكون عمره أربعين سنة، وهي في الحادية والأربعين، ولعلَّ الفرق بين الرجل في الأربعين والمرأة في العمر نفسِه لا يخفى عليك.

فأكثري من الدُّعاء لها ولكم جميعًا أنْ يرزقَكم الله بزوجٍ صالح لها, يكون لها ولكم نعمَ المعين على بلاءات الدُّنيا، وأن يسعد الله قلبها به, وفَّقك الله وإياها لما فيه الخير والصلاح، ونسعد بالتواصُل معك في كل وقت.



المصدر : شبكة الألوكة .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم