الخميس 26 ديسمبر 2024 / 25-جمادى الآخرة-1446

حواراتي الخيالية، وذاكرتي، ومشاكلي الأسرية



السلام عليكم ورحمة الله.

جزاكم الله خيرًا على هذا الموقع المحترم، وفَّقكم الله، لا أعرف كيف أبدأ وكيف أشرح؟ سأُحاول الترتيب والاختصار قدر الإمكان، ولكن أرجو أن يتَّسِع صدرُكم، وشكرًا، وسأقسمها لمراحل: 1 – مشكلتي مع نفسي: فأنا كثيرةُ التَّفكير في المواقف السلبيَّة التي مرَرْت بها في حياتي منذ الطُّفولة، أتذكَّرُها، وأُعاتب نفسي على عدم قيامي بالردِّ المناسب، وأتَّهم نفسي بالضَّعف، وأنِّي غبيَّة! وأتذكَّر مواقف، وأعمل لها حوارًا كاملاً، وأخذًا ورَدًّا مع أطرافها في خيالي، وكثيرًا ما أبكي تأثُّرًا من هذا الحوار! 2 – أفكِّر في مواقف لَم تحدث أصلاً، وكيف سأتصرَّف؟ وماذا أقول… مواقف سلبيَّة أو إيجابيَّة، قد تتَّصل بمن حولي، أو يكون حوارًا سياسيًّا، أو تعليقًا على مسلسل (ويُمكن أن أُدخِل نفسي في أحداث المسلسل)، وأتعَب وأصاب بالصداع، فهل أنا مريضة أو أنها تفاهة، وفراغ وقت؟ وكيف أكفُّ عن ذلك؟ أحيانًا أحاول أن أشغل لساني بالذِّكْر، بدل الحوارات الخياليَّة، ولكن لا أستمر كثيرًا، وأضبط نفسي متلبِّسة بالأفكار ثانية! 3 – ذاكرتي ضعيفة جدًّا، لدرجة أني أحيانًا أنقل شيئًا من مكانه إلى مكانٍ آخَر، ولا أتذكَّر أصلاً أني أمسكت بذلك الشيء! وفي المواقف القريبة أنساها، وعندما يعاتبني أحد أنسى الحوار، فلا أستطيع الرَّد؛ مِمَّا يضعف موقفي وحُجَّتي، ثم أتذكَّر بعد مُدَّة من عصر تفكيري، فأرجع للحالة سابقة الذِّكر. 4 – مشكلتي في حياتي الأُسريَّة: أني لا أعمل بناءً على اشتراط زوجي ذلك قبل الزواج، وكنتُ أعمل مدرِّسة. * زَوجي إنسانٌ كريم طيِّب محترم وحَنون، ولكن أحس أنه يرى عيوبي أكثر من ميزاتي، فعندما أسأله عن ميزاتي يفكِّر، ثم يجيب بواحدةٍ أو اثنتين، أمَّا عيوبي فيُجيب سريعًا، وأهَمُّها أنِّي مهملة وغير منظَّمة، وكَسُول شيئًا ما، وأنا أحاول أن أتفادى هذه العيوب، وأنفِّذ كلامه في بعض التعليقات، لكنَّه لا يُلاحظ ذلك إلا قليلاً، ويقول: إن أخطائي متكرِّرة، وتقدُّمي في إصلاحها بطيء، (والأخطاء مثل: طعام يفسد، أو الولد يَكْسر أو يَسْكب شيئًا، وأشياء لا أتذكَّر مكانها, وأشياء من هذا القبيل)، أنا أغضب، وأحسُّ أنه متحامل عليَّ شيئًا ما، فماذا أفعل؟ وكيف أصلح هذه الأخطاء؟ 5 – أشعر أني أمٌّ فاشلة؛ فلا أعرف كيف أعلِّم ابني أشياء جديدة من خلال اللَّعب, أترُكه يلعب وحده كثيرًا، أو أَفْتح له قنوات الأطفال، فأشعر بالتقصير، وأني لا أصلح أن أكون أمًّا لأكثر من طفل؛ لأني مؤكَّدًا سأظلم أحدهما، أحلامي في تربية أولادي أكبر من قدراتي؛ فإنْ كنتُ مقصِّرة في عباداتي، فكيف أربِّيه؛ ليصبح صلاحَ الدِّين، أو الفاتح؟! أفيدوني جزاكم الله عنِّي خيرًا، وشكرًا جزيلاً لسعة صدرِكم في قراءة رسالتي، رغم إطنابها الزَّائد، والسَّلام عليكم. الجواب بِسْمِ اللهِ الهادي للحق وهو المُستعان أيَّتُها العزيزة، خفِّضي عليكِ؛ فلكلِّ داءٍ دواء، ولكلِّ مُشكلة حَل – بإذن الله تعالى – وصحيحٌ أنَّ في مُشكلاتكِ كَثْرة، إلاَّ أنَّ حُسْن الإعدادِ لها بما استطعتِ مِن قُوَّة، واستفراغ كامل المَجْهود، مع صدق التَّوكُّل على الله – عزَّ وجلَّ – والرَّغبة إليه بالدُّعاء – سيُنْهي حتمًا كلَّ مُعضلة تعكِّر عليكِ صفو حياتكِ. أوَّلاً – التَّفكير في المواقف السَّلبيَّة: إنَّ إِعمالَ الخَاطِر في الحياةِ والأشياءِ والنَّاسِ جِبِلَّة، جُبِل عليها الإنسان؛ لِمَزِيَّة العقلِ التي امْتَاز بها عن سَائِرِ الحَيوان، ولذلك كانت الدَّعوة القرآنيَّة مُحرِّضة على إعمالِ الخَاطِر – لكونه في عمَلٍ دَائِم – بحثًا عن الحقيقة التي تقود إلى الإيمان بالله – عزَّ وجلَّ – والتَّصديق بدعوة رُسله وأنبيائه – عليهم الصَّلاة والسَّلام – ففي التَّنْزيل العزيز: ﴿ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50]، ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ﴾ [الأعراف: 184]، ﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]، ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]. إلاَّ أنَّ اشْتِغالَ الفِكْرِ بالأمور السَّلبيَّة أسهل عند كثير من النَّاس من اشْتِغَالهم بالأمور الإيجابيَّة، بخاصَّة إذا وَجدوا أنفسهم في بيئات مُتشائِمة وظُروف مُحبِطة، ويبدو أنَّ لديكِ العديدَ من الظُّروف المُحبِطة التي تحثُّ عقلكِ على هذا النَّوع من التَّفكير السَّلبيّ، ولأنَّنا لا نملك إلا أنْ نُفكِّر؛ فإنَّ حلَّ هذه المُشكِلة لا يتمُّ بصرف الذِّهن عن التَّفكير جُملةً، بل بتحسين عادات التَّفكير لدينا، واستبدال التَّفكير الإيجابيّ مكان التَّفكير السَّلبيّ؛ حِفاظًا على صِحّتنا النَّفسيَّة والبدنيَّة؛ فالتَّفكير السَّلبيّ سببٌ لكثير من الأمراض كالصُّداع النِّصفيّ، وآلام المَعِدَة، واضطرابات النَّوم، وعوضًا عن التَّفكير بالأخطاء التي ارتكبتِها في طُفولتكِ، أو المواقف التي حدثَتْ بينكِ وبين زوجكِ، ومدى فشلكِ في تربية طفلكِ؛ فكِّري كيف تتصرَّفين إذا تكررَتْ مثلُ هذه الأخطاء مُستقبلاً، وضعي لها توقُّعات إيجابيَّة، وراقبي عواطفَكِ في كلِّ مرَّة تصيدين فيها نفسكِ وأنتِ تفكِّرين؛ لأنَّ العاطفة هي التي تسوق الألَم إلى تفكيركِ، وكلمَّا شعرتِ بتدخُّل العاطفة، فأوقفي التَّفكير في تلك النُّقطة، وانشغلي بعملٍ ذهنِيٍّ إيجابيٍّ، أو عمل بدنيٍّ آخَر، كذلك راقبي الكلمات التي تَطْبعينها على عقلكِ الباطن، انظري مثلاً ماذا تقولين لنفسكِ عن نفسكِ في هذه الاستشارة: “أنا مجموعةُ مشاكل”، “أتَّهِم نفسي بالضعف، وأنِّي غبيَّة”، “أشعر أني أمٌّ فاشلة”، “لا أصلح أن أكون أمًّا لأكثرَ مِن طفل؛ لأني مؤكدًا سأظلم أحدهم”، “أحلامي في تربية أولادي أكبر من قدراتي، فإن كنتُ مقصِّرة في عباداتي، فكيف أربِّيه ليصبح صلاح الدين أو الفاتح؟”. هذه الإملاءات السَّلبيَّة تنطبع على العَقْل كما هي، فيتبنَّاها العقل، ويعمل على أساسها؛ لذلك كوني واعيةً بنوع الذَّخيرة التي تُزوِّدين بها عقلكِ الباطن. النُّقطة المُهمَّة هنا: ألاَّ تقضي مُعظم الوقت في التَّفكير، وإلاَّ تعطلَّت حياتكِ. ثانيًا – ضَعْف الذَّاكِرة: كما أنَّ البدَن بحاجةٍ إلى غذاء صحِّيّ ليعمل بكفاءة، فكذلك الدِّماغ بحاجةٍ إلى مُغذِّيات ليستمرَّ في عمله بكفاءة، ومن أهمِّ هذه المواد الغذائيَّة التي تحتاج إليها الذَّاكرة: 1 – فيتامين (B) المُركَّب: • B1: (البطاطس، والمأكولات البحريَّة، والكَبِد، والفاصوليا، والخُبْز، والحُبُوب الكاملة) • B2: (الألبان، والكَبِد، والخضراوات الورقيَّة الخَضْراء، والحُبُوب الكاملة) • B3: (الكَبِد، والسَّمَك، والدَّجاج، واللُّحوم الحَمْراء الخالية من الدُّهن، والمُكسَّرات، والحُبُوب الكاملة، والفاصوليا المُجفَّفة). • B5: (مُعظَم الأطعمة) • B6: (السَّمَك، والكَبِد، والدَّجاج، والبطاطا، والقَمْح، والمَوْز، والفاصوليا المُجفَّفة). • B7: (الفُول السُّودانيّ، والكَبِد، والمُحّ “صُفْرَة البَيْض”، والمَوْز، والفُطْر، والبِطِّيخ، والليمون الهنديّ “جريب فروت”). • B9: (الخضار الورقيَّة الخَضْراء، والكَبِد، والحمضيَّات، والفُطْر، والمُكسَّرات، والبازلاء، والفاصوليا المُجفَّفة، والخُبْز، والقَمْح). • B12: (البَيْض، واللُّحوم، والدَّواجن، والأسماك الصَّدفيَّة، والحَلِيب ومنتجاته). 2 – الأحماض الأمينيَّة: (الدَّجاج، والسَّمك، والبَيْض، ومنتجات الحَلِيب، ولحم البقر، والفُول المُجفَّف، والفاصوليا البَيْضاء، والبازلاء، وفُول الصُّويا، والمُكسَّرات، والبذور، والحُبُوب الكاملة مثل الأرُزّ). 3 – البُورون: (البُنْدُق، والعَسَل، والعَدَس، والزَّيتون، والبَصَل، والبرتقال، والخَوْخِ، وزبدة الفُول السُّودانيّ، والكمثرى، والبطاطس، والزَّبِيب). 4 – اللِّيسيثين: (المُحّ “صُفْرَة البَيْض”، الكَبِد، والفُول السُّودانيّ، والحُبُوب الكاملة، والحَلِيب، وفُول الصُّويا). 5 – فيتامين (C): (الجوافة، والفُلْفُل الأَحْمَر الحُلْو، والكيوي، والبرتقال، والفُلْفُل الأَخْضَر الحُلْو، وعصير الليمون الهنديّ “جريب فروت”، و”كوكتيل” عصير الخضروات، والفراولة، والكرنب، البِطِّيخ الأَصْفَر). 6 – البيوفلافونويدس: (المادة البَيْضاء تحت قشور الحمضيَّات، والفُلْفُل، والعِنَب، والصَّنَوْبَر، والبَصَل، والثُّوم، والتُّوت الأَزْرَق، والتُّوت الأَحْمَر، والشَّاي الأَخْضَر، والحِنْطة السَّوداء). 7 – النُّحاس: (المَحار، والحبَّار، وبلح البَحْر، ولحوم البَقَر، والكَبِد، والكليتين، والقلب، والكاجو، والبُنْدُق، والجَوْز، واللَّوْز، والفُسْتُق، وفُول الصُّويا والعَدَس، والفاصوليا، والفُول السُّودانيّ، والشُّوكولا غير المُحلاَّة، والشُّوكولا نصف المُحلاَّة، والكاكاو، ورقائق النُّخالة، والقَمْح، والزَّبِيب، والفواكه المُجفَّفة، والفُطْر، والطَّماطم، والبطاطس، والبطاطس الحُلْوة، والمَوْز، والعِنَب، والأفوكادو، والدِّبْس، والفُلْفُل الأَسْوَد). 8 – الزِّنك: (المَحار، وسيقان البَقَر المطبوخة، وحُبوب الإفطار، وأَفخاذ الدَّجاج المشويَّة، والفاصوليا المطبوخة والمعلَّبة، والكاجو، والزَّبادي قليل الدَّسم، والفواكه، والحِمَّص، واللَّوز المُحمَّص، والحَلِيب، وصُدور الدَّجاج، وجُبْن التشيدر، والموزاريلاَّ، والجُبْن السُّويسريّ، والفاصوليا المَطْبوخة، والبازلاء المَسْلوقة، والشُّوفان). ثالثًا – إعادة الأخطاء مرَّة بعد أُخرى: قبل أن أجيبكِ عن هذه النُّقطة، أوَدُّ قبل ذلك أن أعلِّق على مسألة استِخْبار زوجكِ عن مَحاسنكِ ومساوئكِ، وتركيز زوجكِ على رؤية مساوئكِ أكثر من مَحاسنكِ، وما سأقوله لكِ – أيَّتها العزيزة – ثقيلٌ على النَّفْس، وكذا ديدَنُ الحقائق، ونحن في الألوكة إنَّما نريد إصلاحَ العُيوب، ومُعالجَة المُشكلات، وليس مُجرَّد “الطَّبطبة” على الأكتاف، فالْتَمسِي لي العذر إذا قرأتِ في جوابي شيئًا يؤذيكِ في قلبكِ؛ فليس من وراء كلماتي إلاَّ الموَّدة، التي لا أقبل فيها اختبارًا أو مُساومة؛ لأنَّ ودِّي لِمُستشيري الألوكة أبْيَنُ مِن أنْ يُبيَّن. من الجميل – أيَّتها العزيزة – أن يَصْدُقنا النَّاس عن أنفسنا بإخبارنا بعُيوبنا، ولكن أنْ يَقْوى إنسانٌ على النَّظر إلى عيوب غيره، وإحصائها عليه كلَّ مرَّة، فإنَّما يدلُّ ذلك على نُضوب غدير المودَّة في قلبه؛ لأنَّ عَيْن الحُبِّ لا تَجِدُ العُيُوبَ كما يقول الشَّاعر: وَعَيْنُ البُغْضِ تُبْرِزُ كُلَّ عَيْبٍ وَعَيْنُ الْحُبِّ لاَ تَجِدُ العُيُوبَا ونحوه قول عبدالله بن مُعاوية بن جعْفَر الطَّالِبِيّ: وَلَسْتَ بِرَاءٍ عَيْبَ ذِي الوُدِّ كُلَّهُ وَلاَ بَعْضَ مَا فِيهِ إِذَا كُنْتَ رَاضِيَا فَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ وَلَكِنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي الْمَسَاوِيَا يُذْكَرُ أنَّ لَيْلَى العامِرِيَّة كانت قصيرة، جاحظة العَيْنين، شَهْلاء “وعَيْنٌ شَهْلاء إِذا كان بَياضُها ليس بِخَالص فيه كُدورة، وقيل: هي أَن تُشْرَب الحَدَقةُ حُمْرةً ليست خُطوطًا”؛ “لسان العرب”، وكذلك كانت فَوْهَاء “والفَوَهُ سَعَةُ الفمِ وعِظَمُه، والفَوَهُ أَيضًا: خُروجُ الأَسنانِ من الشَّفَتينِ وطولُها”؛ “لسان العرب”، ومع ذلك جُنَّ عليها قَيْس بن المُلَوِّح؛ لأنَّ الإنسان إذا أحبَّ إنسانًا لا ينظر في عيوبه مهما بدَتْ واضحة وجليَّة، يقول مجنون ليلى: يَقُولُ لِيَ الوَاشُونَ لَيْلَى قَصِيرَةٌ فَلَيْتَ ذِرَاعًا عَرْضُ لَيْلَى وَطُولُهَا وَإِنَّ بِعَيْنَيْهَا – لَعَمْرُكَ – شُهْلَةً فَقُلْتُ كِرَامُ الطَّيْرِ شُهْلٌ عُيُونُهَا وَجَاحِظَةٌ فَوْهَاءُ، لاَ بَأسَ إِنَّها مُنَى كَبِدِي، بَلْ كُلُّ نَفْسِي وَسُولُهَا فَدُقَّ صِلاَبَ الصَّخْرِ رَأْسَكَ سَرْمَدًا فَإِنِّي إِلَى حِينِ الْمَمَاتِ خَلِيلُهَا وفي الأمثال: “حَسَنٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ مَنْ تَوَدُّ”، ومن ثَمَّ أرى تركيزَ زوجكِ على عيوبكِ هو جرسَ إنذارٍ يَجْدر بكِ ألاَّ تُهمليه، فأرجو أن تُراجعي نفسكِ، وتعيدي حساباتكِ من جديد، وتلتفِّي على زوجكِ، فثمَّة أخطاء في علاقتكما ينبغي تداركُها، ومنها تلك الأخطاءُ التي يَلْفت نظرَكِ إليها على الدَّوام، ومع ذلك تُكرِّرينها، فلماذا تُكرِّرينها؟! أحسب أنَّكِ تسألين زوجَكِ عن مَحاسنكِ ومساوئكِ؛ لِيُثني على مَحاسنكِ فقط، وليس رغبةً منكِ في التَّغيير الحقيقيّ، ثم تكون النَّتيجة أنَّ زوجكِ لا يلتفت إلى هذه المَحاسن، فيُحبطكِ الأمر، فلا تقومين بتعديل هذه العُيوب، وسأخبركِ بأمرٍ آمُل أن يكون مُعينًا لكِ لفهم طبيعة العَلاقة بينكِ وبين زوجكِ: إنَّ من طبيعة المرأة مَيْلَها لسماع الغزَل، والثَّناء الحسَن، والمَديح، والإعجاب، وكلمات الشُّكر… إلخ؛ “وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ” كما يقول شوقي، ولذلك تُثمِّن المرأة كثيرًا كلمة “أُحبُّكِ” حين تسمعها من الرَّجل؛ فالحبُّ كل الحبِّ عند المرأة أن تسمع هذه الكلمة آلاف المرَّات، وهذا ما يُفسِّر تشبُّث بعض النِّساء بعلاقات الحُبِّ التي هي مجرَّد “كلمات عاطفيَّة، ووعود برَّاقة بالزَّواج”؛ لكونِها أوفقَ لأمزِجَتِهنَّ وطرق تفكيرهنَّ، في حين يحبُّ الرَّجل “رؤية الأفعال”، ولذلك لا يجد الرَّجل في كلمة “أُحبُّكِ” دليلاً كافيًا على حبِّه لزوجته، فيستخفُّ بقول هذه الكلمة، فلا يقولها، أو يقولها من دون أن يكرِّرها، على اعتبار أنَّها لا تعبِّر عن حقيقة مشاعره، لا على اعتبار أنَّه لا يُحبُّ امرأته؛ فالحبُّ عند الرَّجل “فِعْل”، وليس مجرد “كلمة” تُقال، ولأجل ذلك؛ يُعدُّ الزَّواج عند الرَّجل دليلَ حُب، وكذا الجِمَاع، وشراء مُستلزمات البيت، ونحوها من الأفعال، ومن ثَم؛ لا يجد في نفسه الحاجةَ إلى أن يقول لزوجته: “أُحبُّكِ”؛ كي يثبت لها أنه يُحِبُّها، ما دام أنَّه يعبِّر بأفعاله عن حبِّه! ما يحدث – أيَّتها العزيزة – أنَّ الرَّجل لا يعبِّر عن مشاعره للمرأة بالصُّورة التي تُرضيها هي؛ بل بالصُّورة التي تُرضيه هو، وكذلك المرأة لا تعبِّر عن مشاعرها لرَجُلِها بالصُّورة التي ترضيه هو؛ بل بالصُّورة التي ترضيها هي، فيَحدث الخلاف بينهما، برغم وجود الحبِّ الحقيقيّ بينهما. وفي حالتكِ مع زوجكِ، فأنتِ تريدين من زوجكِ أن “يُسمعكِ كلمات الثَّناء والاستحسان”، إلا أنَّ زوجكِ لا يُرضيكِ من هذه النَّاحية؛ لأنَّ أعظم الثَّناء عند زوجكِ أنَّه تزوَّجكِ من بين نساء الدُّنيا برغم كلِّ هذه العيوب التي يراها فيكِ! وبدوره يريد أن يرى “تغييرات فعليَّة في تصرُّفاتكِ وعاداتكِ” تثبت له أنَّكِ تحبِّينه وتحترمين رغباته، إلا أنَّكِ لا تُرضينه من هذه النَّاحية، ولا تتصرَّفين بالطَّريقة الذي يفضِّلها، فيعسر عليه رضاكِ ويعسر عليكِ رضاه، الأمر الذي يجعل العلاقة بينكما بكلِّ هذا الجفاف. من الواضح – أيَّتها العزيزة – أنَّ زوجَكِ رجلٌ مُنظَّم، وعمليٌّ، وذو عقليَّة هندسيَّة، وهو ينظر إلى هذه الصِّفات التي تميِّزه فلا يجدها فيكِ؛ ولذلك لا ينفَكُّ يحدِّق فيها، فإنْ أردتِ الحفاظ على عَلاقة زوجيَّة دافئة ونَابِضة، فكوني جادَّة في مُداواة بعضِ ما فيكِ ببعضِ ما في زوجكِ، وتدريب نفسكِ، وتعويدها على النِّظام والتَّرتيب والحيويَّة، فهي أشياء مُتعلَّمة، وبإمكانكِ اكتسابُها مع الدَّأب الشَّديد، والمودَّة الخَالِصة. لاَ خَيْرَ فِي القَوْلِ إِلاَّ الفِعْلُ يَتْبَعُهُ وَالفِعْلُ لِلقَوْلِ مَا أَتْبَعْتَهُ أَدَمُ ثم اصرفي هِمَّتكِ عن سؤال زوجكِ عن مزاياكِ وعيوبكِ إلى الثِّقة بنفسكِ وبحسناتكِ، فإنَّكِ متى امتلأتِ بالثِّقة بنفسكِ امتلأ هو بالثِّقة بكِ، وضاء ما بينكِ وبينه، وأرجو أن تكوني من التعقُّل بحيث لا تفهمين من كلامي غيرَ ما أردتُ؛ فأنا لَم أقل: “إن زوجكِ لا يحبُّكِ”، ولكن قلتُ: “هذا الأمر دليلٌ على نُضوب المَودَّة”، والنُّضوب مُرادِفٌ للغَوْر والبُعدِ والنُّقصان، لا العُدْم والذَّهاب بغير رجعة، والحُبُّ كما هو معروفٌ يَزِيد وينقص، وإذا نقص يومًا كان بالإمكان زيادته بفعل كلِّ ما يمكن أن يزيده وينمِّيه. فَسَامِحْ إِنْ تَكَدَّرَ وُدُّ خِلٍّ فَإِنَّ الْمَرْءَ مِنْ مَاءٍ وَطِينِ من المهم جدًّا أن تتعلَّمي كيفيَّة التصرُّف بشكلٍ مُختلِف؛ كي تتجنَّبِي الوقوع في نفس الأخطاء، ضعي خُطَّة واضحة، واعقدي قلبكِ على تطبيقها، فمُشكلة ترك الطَّعام خارج الثَّلاَّجة فيتعفَّن، تُعالَج بمعرفة حقيقة أنَّ الطَّعام عُرضة للعُفونة متَى ما تُرِك خارج الثَّلاَّجة، كما أنَّه سيتعفَّن بعد مُدَّة من وضعه في الثَّلاَّجة؛ لذا تأتي الضَّرورة بوضع خُطَّة عمليَّة في كيفيَّة التَّصرُّف مع الأطعمة بعد طَهْوِها، أو بعد شرائها مباشرة، ثم قومي بتنفيذها في نفس الوقت، دون إبطاءٍ أو تسويف؛ لأنَّ هذه الأطعمة نِعَمٌ ينبغي شُكر الله – جلَّ ثناؤه – عليها بالمُحافظة عليها، وسوف تَجِدين على الشَّبكة طُرقًا عديدة لحفظ كلِّ نوعٍ من أنواع الأطعمة على حِدَة، فسجِّليها عندكِ، واشتري الأدوات التي تعينكِ على أداء هذه المُهمَّة: (أكياس لحفظ الأطعمة، حافظات الطَّعام المعدنيَّة، ونحو ذلك)، وقومي بهذا العمل مرارًا حتَّى ترسخ لديكِ العادة الجيِّدة، وتزول العادة السَّيِّئة، فيَقِلَّ الخطأ مع مرور الوقت – بإذن الله تَعالى. والأمر نفسه ينطبق على مُشكلة كسرِ ابنكِ للأطباق، فينبغي أن تضعي خُطَّةً لإنشاء بيئةٍ مَنْزليَّةٍ آمِنة تحفظ ابنكِ من المخاطر؛ فهو ينمُو الآن ويدرُج، ومن خصائص هذه المرحلة بدء الطِّفل بالتَّعرُّف على الأشياء واستكشافه البيئة من حوله، فكوني واعيةً بذلك، وثقِّفي نفسكِ حول سلامة طفلكِ وخصائصه المرحليَّة. ثَمَّة كتب ومقالات جيِّدة على الإنترنت تُعالِج هذه المسألة، فابحثي عنها، وتعلَّمي منها، يمكنكِ مُطالعة كتاب “دليل سلامة الطِّفل” عبر الرَّابط التَّالي: http://www.yasa.org/ar/Sectiondet.aspx?id=26&id2=586 ثم تذكري أنَّ ارتكاب الخطأ من طبيعة البشر؛ فهو أمرٌ وارد لا يَسْلَم منه أحد، ولكنَّ تكرار الخطأ كثيرًا يدلُّ على مشكلة حقيقية. رابعًا – تربية الطِّفل في عُمُر السَّنتين: خبِّريني: ألستِ أحقَّ بتأديب ابنكِ من التِّلفاز؟! بلى؛ لأنَّ هذه مُهمَّة وكلها الله – سُبحانه وتَعَالَى – إلى المرأة وحدها؛ ((أنتِ أحقُّ به)) كما قال النَّبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: “وهي أحقُّ بولدها” كما قال أبو بكر – رضي الله عنه – فلا التِّلفاز بإمكانه أن يحلَّ محلَّك، ولا باستطاعة زوجكِ أن يربِّي ابنكِ في هذه المرحلة الحَرِجة من عُمُره، فأرجو أن ترعي هذه الأمانة حق رعايتها، وأن تؤدِّي هذا الحق بصادق ضميركِ؛ لأنَّ المُوكِّل هو ربُّ البَشر، فاقبلي عن ربكِ – جلَّ وعزَّ – واعملي بما أمَركِ به، ولكِ منه الأجر والمثوبة. تُولَدُ الأنثى حين تولد وهي مُزوَّدة بعاطفةِ أُمومةٍ غريزيَّة، ولكنْ للتَّربية والتَّأديب أصولٌ يَأتي بعضها من الغريزة، ويُكتسَب بعضها من خبرات النَّاس والتَّعليم والتَّثقيف، فتزَوَّدي بكتب التَّربية الحديثة، واقرئي جيِّدًا فيما يختصُّ بنموِّ ابنكِ الحركيِّ واللُّغويّ والعقليّ والانفعاليّ والاجتماعيّ، ولعلَّ مِن أجود هذه الكُتب: 1 – كتابَ “المُربِّية المثاليَّة: كيف تَحْصلين على الأفضل من أطفالك؟” تأليف: جو فروست، ترجمة: منيرة سوار، وهو كتاب مُعتمَد أكاديميًّا. 2 – موسوعة “الفراشة للعناية بالأمِّ والطِّفل”. 3 – كتاب “الصِّحَّة النَّفسيَّة لأطفال الحضانة والرَّوضة”؛ تأليف: عدنان السبيعيّ. 4 – كتاب “دُستور الأم”، تأليف: بنجامين سبوك. أيضًا تابعي مقالات “طفلك الدَّارِج” على موقع “مركز الطِّفل” باللُّغة العربيَّة على الرَّابط التَّالي: http://arabia.babycenter.com جاء في “لسان العرب”: “ويُقال للصَّبي إِذا دَبَّ وأَخذ في الحركة: دَرَجَ، ودَرَج الشَّيخُ والصَّبي يَدْرُجُ دَرْجًا ودَرَجانًا ودَرِيجًا، فهو دَارِج: مَشَيا مَشْيًا ضعيفًا ودَبَّا”. كنتُ قد تابعتُ مرَّةً برنامجًا وثائقيًّا ماتعًا على “الجزيرة الوثائقيَّة” بعنوان: (مِن الوِلادَة حتَّى العَامِ الخَامِس) على عدَّة حلقات، ولعميق فوائده؛ أنصحكِ بمُشاهدته، ابحثي – عوفيتِ – عن هذه الحلقات على الشَّبكة. وسأُلَخِّص هنا بعض المهارات والأفكار التي يَنصح بها المُختصُّون بتعليم طفل الثَّانية، ولو ذهبتُ أستقصي آخِرَها لمدَّ بي الجواب، وطالت بك الاستشارة، وبالله التَّوفيق: 1 – لقِّني ابنكِ كلمةَ التَّوحيد؛ فقد قال ابنُ القيِّم – رحمه الله – في “تحفة المودود”: “فإذا كان وقتُ نُطقِهم فليُلَقَّنوا: لا إله إلا الله، مُحمَّدٌ رسُول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وليكن أوَّلُ ما يقرع مسامِعَهم مَعْرفة اللهِ – سُبحانه – وتَوْحيدِه، وأنَّه – سُبحانه – فوقَ عَرْشِه ينظرُ إليهم ويسمعُ كلامَهم، وهو معَهُم أينما كانُوا”. 2 – عُمُر الثَّانية هو عمر التَّأسيس للقراءة والكتابة، فاقرئي على ابنكِ بصوتٍ عالٍ، وشجِّعيه على القراءة عبر شراء القصَص المُصوَّرة ذاتِ الورَق المُقوَّى، والصُّور الكبيرة، والمفردات القليلة. 3 – شجِّعيه على التعرُّف إلى الأصوات التي يُدركها بسمعه كمُواء القطَّة، وخرير الماء، وصَرير الباب… إلخ. 4 – اتركي له الفُرصة لمعاونتكِ في الأعمال المَنْزليَّة الصَّغيرة؛ مثل: جمع الدُّمى، ووضع ملابسه المُتَّسخة في سلَّة الغسيل… إلخ. 5 – خيِّريه بين الأشياء، قولي له مثلاً: “تريد شُرْب الحَلِيب أو العَصِير؟”، “تريد لُبْس الجَوْرَب الأَخْضَرِ أو الأَبْيَض؟”، وقد لا يُحسِن الاختيارَ في هذه السِّن، وإنَّما القصد تدريبه على حُسن الاختيار. 6 – تعامَلي بحكمةٍ مع نَوْبات الغضَب التي تكثر في هذه المرحلة، بعيدًا عن أساليب العُنف؛ كالضَّرب، أو الصُّراخ. 7 – أبعِديه عن أوراق الصُّحف وقُصاصات الحاسوب وأكياس القُمامة. 8 – خصِّصي مساحةً آمنة في بيتكِ تُمكِّن ابنَكِ من قضاء وقته بحريَّة، ووفِّري له لعب أطفال آمنة ومناسبة لعُمره، وتجنَّبي تضييق حريته فوق السَّرير، أو داخل الدَّرَّاجَة “العربة”، (والدَّرَّاجَةُ في “لسان العرب” التي يُدَرَّجُ عليها الصبي أَوَّلَ ما يمشي)، وساعديه أيضًا على صُعود السَّلالم ونزولها. 9 – لا تضغطي عليه لاستعمال يده اليمين؛ ففي هذه السِّن يَستعمل الطِّفل كلتا يديه. 10 – ساعدي ابنكِ لمعرفة العلاقة بين السَّبب والنَّتيجة؛ من خلال مَنْحِه فرصة اللَّعب عن طريق التَّعبئة والتَّفريغ، والمنح والإخفاء، وشجِّعيه على اللَّعب من خلال الرَّمل والطِّين والعَجين والماء، ووفِّري له كرات بأحجام مُختلفة لتنمية مهارات الرَّكل والرَّمي، وكذلك عربة صغيرة؛ كي يملأهَا بألعابه الصَّغيرة، ويسحبها معه من مكان إلى آخر. 11 – دعيه ينظر إلى وَجْهِه في المرآة؛ ليتعرَّف إلى نفسه وأعضاء بدنه. 12 – نَمِّي مهاراته الكلاميَّة من خلال إعطائه بعض التَّوجيهات البسيطة: “أغلِق الباب”، “التقط الدُّمْيَة”، مع استعمال اللُّغة الوصفيَّة للتَّعريف بالوقت “السَّاعة الثَّامنة موعد النَّوم”، والأعداد “خمسة أصابع، ثلاث بيضات”، والألوان “تُفَّاحة حَمْراء، قَمِيص أَزْرَق”، والأحجام “أَحْمَد أكبر من خَالِد”، والأوزان “الكِتاب أثقل من المِنْديل”، مع الاهتمام بتسمية الأشياء؛ كأعضاء البدن، وأسماء الحيوانات، وأنواع الفواكه… إلخ، وكذلك اطلبي منه أن يتعرَّف على أسماء الأشياء التي يشاهدها في الصُّور والقصص المُصوَّرة وعلى التِّلفاز. 13 – السَّماح للطفل باللَّعِب مع الأطفال الآخرين. 14 – قد يكون الطِّفل جاهزًا لتعلُّم الحمَّام في عمر 18 شهرًا، وهو العمر المناسب لتدريب الطِّفل على غَسْل اليديْن والفَم والأسْنَان. والله – سُبحانه وتَعَالَى – أعلم بالصَّوَاب، والحمد لله الموجب الشَّاكرين مزيدًا كما هو أهله.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Fatawa_Counsels/0/37360/#ixzz1jQRxfbr5

 

المصدر : شبكة الألولكة .

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم