السبت 21 ديسمبر 2024 / 20-جمادى الآخرة-1446

مستقبل التعليم مع تطور الذكاء الصناعي والتكنولوجيا



 

 

فؤاد عبدالله الحمد

كيف سيؤثر تطور الذكاء الصناعي على التعليم والمدارس! تعرف إلى تطبيقات الذكاء الصناعي في التعليم وتأثيره على مستقبل التدريس؟؟

مستقبل التعليم مع تطور الذكاء الصناعي والتكنولوجيا

يتزايد كل يوم دور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في مختلف مجالات الحياة المعاصرة، ويمكن القول أن التعليم من أهم المجالات التي ستتأثر عاجلاً أم آجلاً بتطور التكنولوجيا وخصوصاً تقنيات الذكاء الصناعي، وهذا التأثير يحمل بطبيعة الحال الوجهان الإيجابي والسلبي، فكيف يمكن الاستفادة من الذكاء الصناعي والتكنولوجيا في تطوير التعليم وتطبيقاته، وكيف سيتغير مستقبل المدارس مع تطور الذكاء الاصطناعي.

كيف ستتغير أنظمة التعليم مع دخول الذكاء الصناعي؟

قد يكون التغير الأكبر الذي ستشهده أنظمة التعليم مع تطور تقنيات الذكاء الصناعي في المستقبل هو استبدال الكثير من عناصر التعليم بالآلة، يشمل ذلك المعلمين والأساتذة وقد يشمل الإداريين المسؤولين عن تنظيم العملية التعليمية!

لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة يمكن ملاحظة تغيرات سريعة في التعليم والنظام المدرسي مرتبطة بالذكاء الصناعي، مثل تحديث وسائل البحث والوصول إلى المعلومات، وتغيير طرق التصحيح والمراقبة، وربما تحليل المهارات والقدرات الخاصة والفروق الفردية مع تقديم توصيات معينة للمدرسين.

ونذكر من التغيرات في أنظمة التعليم مع تطور الذكاء الصناعي:

تخصيص التعليم بشكل فردي: يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل سلوك واحتياجات الطلاب وغيرهم من المتعلمين وتخصيص التعليم والتدريب وفقاً لهذه الاحتياجات، وهذا يعني أنه يمكن توفير تعليمٍ مخصّصٍ لكلِّ طالبٍ على حدة! يساعد ذلك بشكل كبير في تسهيل عملية التعليم التقليدية من خلال فهم حاجات الطلاب وتنظيمهم في مجموعات مناسبة، وقد نشهد في المستقبل القريب شكلاً جديداً من الاختبارات التي يصممها الذكاء الصناعي بشكل فردي لكلّ طالبٍ لوحده، بناء على معرفة قدراته واهتماماته وميوله.

تسهيل الوصول إلى المواد التعليمية: يساعد الذكاء الاصطناعي وأنظمته في تحليل البيانات التعليمية وتقديم مقترحات للمواد التعليمية المناسبة للطلاب والمدرسين والمدارس، حتى الآن لا يمكن الاعتماد على أدوات الذكاء الصناعي -وأشهرها Chat GBT- كمصدر موثوق لأي معلومة، لكن من المتوقع أن تتطور هذه الأدوات لتتمكن من تحليل البيانات بشكل أفضل بحيث تصبح مصدراً موثوقاً يستند إلى قاعدة بيانات ضخمة جداً وديناميكية في نفس الوقت، فيتمكن مصممو المناهج الدراسية من معرفة عدد الدراسات ونقاط التقاطع بين نتائجها حول موضوع معين بضغطة زر!

تحسين تجربة التعلُّم: سيفيد الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة التعلم من خلال توفير ملاحظات دقيقة وفورية للطلاب والمدرسين حول أداء الطلاب وتحديد مواطن الضعف التي يحتاجون إلى تحسينها، وقد يقدّم الذكاء الاصطناعي معلومات مهمة جداً تعتمد على جمع لحظي لمجموعة كبيرة من البيانات، منها مثلاً تأثير بيئة التعليم المادية (التهوية والحرارة والضجيج) وقراءة بعض الإشارات التي ترصد مزاج الطلاب في الفصل الدراسي في مرحلة معينة من الدرس مثل لغة الجسد وغيرها.

تعزيز التعليم عن بُعد: يعتمد التعليم عن بُعد على وسائل التواصل الإلكترونية لمحاكاة الفصول الدراسية، لكن الذكاء الصناعي سينقل التعليم عبر الانترنت نقلة نوعية، قد تصل إلى تحقيق تجربة محاكاة واقعية بنسبة كبيرة باستخدام تقنيات الواقع المعزّز، وصولاً للاستغناء عن المعلّم البشري وجعل التعليم آلي بشكل كامل!

تغيير أساليب الاختبار: من التغييرات الكبرى المتوقعة في التعليم والمدارس استعمال تقنيات الذكاء الصناعي لتغيير أساليب الاختبار أو الامتحان، ليس فقط المساعدة في وضع الأسئلة وسلالم التصحيح، وإنما أيضاً في تخصيص الاختبارات بشكل أفضل، والمساعدة في عملية المراقبة ومنع الغش.

تطوير المهارات اللازمة للمستقبل: للذكاء الصناعي وأنظمته قدرة -تحليلية- على التنبؤ بالمستقبل! ومن خلال هذه القدرة تساعد في تطوير المهارات اللازمة للمستقبل من خلال تجميع البيانات وتحليلها وتصميم برامج تعليمية متقدمة تساعد الطلاب على اكتساب المهارات الرقمية والتعلم الذاتي والتفكير النقدي والابتكار، والتي تعد من الأساسيات اللازمة للنجاح في سوق العمل في المستقبل.

كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تطوير التعليم؟

تطوير مناهج تعليمية مبتكرة: سيساعد الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تطوير مناهج تعليمية مختلفة ومبتكرة، حيث يمكن للنظام تحليل البيانات التعليمية لتحديد المفاهيم التي يجد الطلاب صعوبة في فهمها وتحسين طريقة طرحها وتنظيمها وأساليب شرحها للطلاب، يكما يمكن أن يساهم في تقييم المناهج المصنوعة بشرياً وتقديم تقارير مفصّلة عنها.

تحسين منصات التعليم عبر الإنترنت: بالفعل بدأت بعض الدوّل بالتحوّل الرقمي الكامل في مجال التعليم، لن يكون الانتقال إلى التعليم الالكتروني سريعاً أو سهلاً، لكن على ما يبدو فإن الذكاء الصناعي وتطور تقنياته سيقود في النهاية إلى تحوّل كامل في آلية التعليم وطبيعة المدارس، والبدء مبكراً باختبار وتعزيز التعليم عن بُعد إجراء حكيم ومثمر.

تحسين تجربة التعلم الجماعي: على الرغم أن الذكاء الصناعي يهدد البعد الاجتماعي للتعليم في المدارس التقليدية بالتحوّل إلى التعليم في المنزل عبر الانترنت، لكن ما تزال هناك فرص ربما تكون أفضل للتعليم الجماعي باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحديثة.

تحسين تقييم الطلاب: يسهل استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تقييم الطلاب بشكل دقيق وفردي، حيث يمكن للأنظمة المصممة خصيصاً والمعتمدة على الذكاء الصناعي تحليل أداء الطلاب وتقديم تقارير مفصلة حول مستواهم الأكاديمي ونصائح لتحسين أدائهم، والفرص التي يمكن الاستثمار فيها بناء على ميول ومهارات الطالب الفردية الفريدة.

استخدام الواقع الافتراضي والواقع المعزز: تفيد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في توفير الواقع الافتراضي والواقع المعزز، حيث يمكن للطلاب الانغماس في بيئات تعليمية واقعية وتحسين تجربتهم التعليمية، وهذا النوع من التطبيقات يزداد في التطور كل يوم بشكل مستمر.

تطوير المهارات التقنية: لا شكّ أن تطوّر الذكاء الصناعي سيحتّم على الطلاب تطوير مهارات تقنية أعلى وأكثر تعقيداً، ولمجاراة هذه الحاجة الماسة لا بد من تطوير مناهج وطريقة تعليم الطلاب علوم الحاسوب ومنها البرمجة وتقنيات الذكاء الصناعي.

تطوير تعليم اللغات: يستخدم الذكاء الصناعي في مجال تعليم اللغات من خلال التعلم الإلكتروني والمحادثة مع الروبوتات لتحسين مستوى اللغة لدى الطلاب، بالإضافة لتطبيقات الواقع الافتراضي التي تحاكي تجربة المحادثة مع شخص يتكلم لغة أجنبية، وطبعاً بالإضافة لسهولة الترجمة وإعادة صياغة الجمل وإعادة الكلمات باللفظ الصحيح.

تحسين تعليم العلوم التجريبية والتطبيقية: يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد في تعليم جميع العلوم مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء والعلوم التطبيقية والرياضية وغيرها، من خلال عرض المعلومات بطريقة تحاكي أسلوب التعلم المستند إلى الدماغ، ويساعد في ذلك كمية المعلومات الكبيرة التي توفره برامج الذكاء الصناعي، والوسائل التوضيحية التي يمكن إنشاؤها بالاستناد إليه.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم

تعزيز فرص ووسائل التعلُّم الذاتي: يتيح الذكاء الصناعي فرصاً جديدة ومتعددة تحتاج فقط إلى الرغبة بالتعلّم، وللاستفادة من هذه الفرص لا بد من تعزيز قدرة الطلاب على التعلّم الذاتي وتطوير المهارات اللازمة له، ولن نستغرب الوصول إلى مرحلة يصبح فيها التعليم الذاتي هو التعليم الأكثر شيوعاً وأهمية من التعليم التقليدية!

تطبيقات مساعدة المعلمين: من المتوقع خلال السنوات القادمة نمو وتطوّر التطبيقات المخصصة للمعلمين والمستندة لتقنيات الذكاء الصناعي، سيتمكّن المعلمون من خلال هذه التطبيقات من الحصول على تقارير فردية أو جماعية، نصائح وتوصيات، وضع أسئلة واختبارات وتصحيحها، وغيرها من الاستخدامات.

توفير المساعدة لطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة: يمكن للذكاء الصناعي مساعدة الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة للحصول على فرص تعليمية أفضل وأنسب لحالاتهم، مثل الطلاب المصابين بالتوحد أو صعوبات التعلم، من خلال توفير المواد التعليمية الملائمة لاحتياجاتهم ومستوياتهم الأكاديمية، بناء على بعض المعلومات التي يمكن من خلالها تقييم المستوى والحالة والمواد التعليمية المناسبة لها.

تحليل سلوك الطلاب: أيضاً يتم العمل في مجال الذكاء الصناعي على تطوير تطبيقات تساعد في تحليل سلوكيات الطلاب ومعرفة بعض النتائج من خلالها مثل مستوى الذكاء والتفاعل والقدرات الاجتماعية ومهارات التواصل، ومن خلالها يمكن تحديد المجالات أو المواد التي يمكن أن يبدع فيها طالب معين أكثر من غيرها.

تطبيقات توفير التعليم المهني: ويعتبر هذا المجال من أهم تطبيقات الذكاء الصناعي الواعدة، حيث يتم العمل على توفير نماذج شبه حية وتجارب واقعية عن أغلب المهن اليدوية، ووضع كل المعلومات المتعلقة بها كي يتمكن الذكاء الصناعي من محاكتها وعرض كيفية عملها بشكل تعليمي يمكن نقله لأي شخص يرغب بتعلم هذه المهنة، لكن المشكلة أن الذكاء الصناعي قد يحل بنفسه مكان الكثير من هذه المهن في المستقبل!

عيوب استخدام الذكاء الصناعي في التعليم والمدارس

أخطر عيوب الذكاء الصناعي في التعليم والمدارس هو الميل للاعتماد عليه كليّاً، يرى الخبراء أن الاعتماد الزائد والمبالغ به على الذكاء الصناعي في المستقبل قد ينتج عنه ثغرات كبيرة في العملية التعليمية يصعب تداركها، كما أنه قد يقضي بشكل شبه كامل على البعد التربوي والاجتماعي للتعليم في المدارس التقليدية، ومن عيوب الذكاء الصناعي في مجال التعليم:

تقليل قدرة الطلاب على التعلم المتكيف: حيث يمكن أن يؤدي استخدام التعليم الشخصي والمواد التعليمية الملائمة لاحتياجات الطلاب إلى تقليل قدرتهم على التعلّم المتكيف، أي التكيُّف مع مواقف التعلم غير المتوقعة، وذلك بسبب التعامل دائماً على النماذج الجاهزة التي يقدمها الذكاء الصناعي والاتكال عليه في العديد من المهام التعليمية.

عجز الذكاء الصناعي عن فهم العواطف: يعتمد التعلم بالتفاعل على فهم العواطف والتعامل معها، وهو ما يعتبر غير متاح للذكاء الاصطناعي وقد لا يكون متاحاً أبداً، فالذكاء الصناعي روبوت وأي تقييمات أو أحكام يطلقها يعتمد فيها على معادلات منطقية ورياضية صرفة تمت برمجتها مسبقاً، وهذه يجعله عاجز عن فهم العواطف وبالتالي تقدير بعض المواقف التعليمية، أضف أن ذلك يهدد الذكاء العاطفي عن الطلاب الذين سيعتمدون على الذكاء الصناعي بشكل كامل.

عرقلة تطوّر المهارات الاجتماعية عن الطلاب: يمكن أن يؤدي تحليل سلوك الطلاب وتوفير المواد التعليمية المناسبة لاحتياجاتهم إلى تقليل قدراتهم على تطوير المهارات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين، وهذا قد يزيد حالة العزلة لدى الطلاب وعدم القدرة على التفاهم مع الآخرين.

عدم القدرة على تقديم التعليم بشكل مبتكر: يمكن أن يؤدي الاعتماد الشديد على التكنولوجيا إلى تقييد قدرة المعلمين على تقديم التعليم بشكل مبتكر وتفاعلي، فهو يعتمد على التطبيق الذكي في مختلف المراحل والخطط التعليمية ويتم تحييد دور المعلم بشكل كبير.

قضايا الخصوصية: الاعتماد على الذكاء الصناعي يعني أن الطلاب سيقضون وقتاً أطول على الانترنت ببيانات مكشوفة إلى حدّ بعيد، وذلك ما يزيد من مخاطر ومشاكل اختراق الخصوصية والقرصنة والجرائم الإلكترونية.

الفجوة التعليمية: تتفاوت الدول في إقبالها وقدرتها على تطوير أدوات الذكاء الصناعي في التعليم، وحتى بعض الدول التي تعتمد على التكنولوجيا بشكل أكبر في التعليم تواجه مشكلة في وصول أعداد كبيرة من الطلاب لهذه التكنولوجيا، بسبب ظروفهم المادية أو مشاكل البنية التحتية، ما يعني أن التحوّل للتعليم الرقمي وإن كان تدريجياً يهدد بتوسيع الفجوة التعليمية بين الطلاب على مستوى العالم وعلى المستوى المحلي.

شروط استخدام الذكاء الصناعي في التعليم والدراسة

تحديد الأهداف التعليمية: قبل الاعتماد على الذكاء الصناعي في التعليم بشكل كلي أو جزئي، لا بد من إعادة النظر في الخطط والأهداف التعليمية على أعلى مستوى، لتحديد الأهداف من استخدام تقنيات الذكاء الصناعي في التعليم، ثم تحت التطبيقات التي تلبي هذه الأهداف، وبالطبع تحديد آليات للتقييم.

الاهتمام جودة البيانات: يتوقف عمل الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على جودة البيانات المتاحة للآلة، لذلك يجب توفير بيانات دقيقة وموثوقة عن الطلاب والمعلمين والمدرسة والعملية التعليمية، وإلا قد يتسبب الذكاء الصناعي في نقل معلومات خاطئة أو غير دقيقة للطلاب، كما يجب أن يظل المراقب البشري حاضراً بقوّة.

تدريب المعلمين: لا بد من تدريب المعلمين على كيفية استخدام التقنيات الخاصة بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات التي تولدها، وكذلك على كيفية تأثير هذه التقنيات على العملية التعليمية وعلى الطلاب، وهي مرحلة ضرورية قبل إدخال أي أدوات أو تطبيقات تعتمد على ذكاء الآلة في العملية التعليمية.

التكامل مع العملية التعليمية: أفضل سيناريو مطروح للاستفادة من الذكاء الصناعي في التعليم والمدارس يعتمد على تحقيق وضمان التوازن بين استخدام التقنيات الحديثة والتعليم التقليدي.

الحفاظ على الخصوصية: مشاكل الخصوصية تشكّل تهديداً حقيقياً لتطور ونمو استخدام الذكاء الصناعي في التعليم، ولذلك من شروط إدخال الذكاء الصناعي في التعليم والمدارس التعامل مع مشاكل الخصوصية والأمن السيبراني بجديّة.

تحقيق تكافؤ الفرص: بما أن التعليم بالذكاء الصناعي سيتطلب بنية تحتية مختلفة يجب أن تتوفر في المدارس وربما في البيوت، فلا بد من العمل على تحقيق تكافؤ فرص التعليم لجميع الطلاب قبل اعتماد الأساليب أو التقنيات التي تحتاج إلى متطلبات خاصة.

التحديث والتطوير المستمر: العلم بطبيعته ومتطور وتقنيات التعليم أيضاً لذا من الضروري العمل بشكل مستمر على تحديث وتطوير التقنيات الخاصة بالذكاء الاصطناعي لتحسين جودة العمل وتحسين النتائج التعليمية.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم