الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

المقاهي.. ثقافة أم ترف؟!



لم أكن مرغما ولا مرتاحا كثيرا بارتياد المقاهي لأني أراها مجرد ترف تمضي وقت ورشف قهوة بمبلغ باهظ وقطعة كعكة لا يتعدى حجمها قبضة اليد والقهر فيها أنها لا تسمن ولا تغني من جوع أي أنها في الأخير صرف ما في الجيوب في انتظار فرج علاّم الغيوب، وأن في اعتقادي أن مثل حالاتي الريال المعدني له قيمته عندي على أقل تقدير مصروف أولادي في صباح ذهابهم إلى مدارسهم، وأن من يجلس في تلك المقاهي هم من الطبقة المخملية في المجتمع.. ولا أخفيكم سِرّا أن ولدي الكبير -الله يحفظ لكم أحبابكم- أفقر مخبأ جيبه، كل صباح يصرف مبلغا كبيرا على قهوة سوداء يرشفها ويذهب ضحيتها، طبعا كلما احتاجني كما جاء في المثل «مكره أخاك لا بطل» أغذّيه نقودا وهذا بطبيعة الحال تهزّ ميزانتي الشهرية التي لم أكن أتوقع حسبانها في ظرف كتبت عليها «المصروفات» عموما الله يهديه ويصلح لكم ذرياتكم.

المهم صديق مقرّب لي أهلكني صورا يرسلها لي وهو يرشف قهوته في أحد المقاهي التي طابعها الهدوء وأرى بجانبه كتابا يقرؤه وأوراقا مبعثرة في وسطها قلم فاخر وكأسا بداخله لون أحمر تفوح من غطائها دخان كلما يعلو أشبهه بالسحابة أو دائرة على هيئة إعصار فهو يملك جوالا بثلاث كاميرات فيه دقّة فلاش كاميرته، هذه المرّة أغراني بأن ألتقيه هناك في الحقيقة بادئ الأمر ترددت إحجاما مقدما رجلا ومؤخرا اخرى، حتى أخذني الفضول عنوة لأثبت له أن نظرتي في مكانها بأن المقاهي مجرد ترف فقط واستنزاف ما في الجيوب وأنها مضيعة للوقت بلا فائدة يرجوها المرتاد لهذه المقاهي، في الأخير حزمتُ أمري ووصلت، نزعت مفتاحي من رقبة سيارتي القديمة، أطفأت المكيّف بالقوة بيدي ثم استقبلني بالترحاب مبالغا فيه حتى لاحظ الجالسون ذلك، أحرجني وجلست مطأطئ الرأس معاتبا إياه، أول ما لفت نظري كثرة الحضور من الجنسين والكل تقريبا يقرأ كتابا وفي آخر زاويته مرسما تجلس عليه فتاة تكمل رسمتها الظاهر منها علم السعودية، النادل من الجنسية الآسيوية في غاية الرقة والأدب، المكان هادئ جدا، في طرف هذا المقهى يوجد ركن فيه أدوات تراثية الصراحة جذبني كثيرا، وقمت بتصويره من هاتفي ذي الكاميرا الواحدة وصديقي أرى في ملامحه ابتسامة صفراء لاحظته وأعرضت عنها، طلب لي قهوة يطفو في أعلاها رغوة على شكل قلب، ثم تحدثنا كثيرا سرقنا الوقت وأخذت قلما وجلست أكتب مقالي هذا وصاحبي تركني مع أوراقي في توأمة غريبة حين قال لي: هيه هل انتهيت؟ رفعت رأسي، شعور غريب مريح جدا انتابني، طاقة إيجابية لم تمر عليّ في حياتي حين أردنا الانصراف قمت هكذا لأول مرة أدفع الحساب في ضحكة مدوية من صديقي، تركنا المكان وحين هممت بالجلوس على مقعد سيارتي التقطت عنوان المقهى وصاحبي في سيارته يلوّح بيديه والأخرى يضعها على فمه ضاحكا.

وأخيرا….

اللهم اجعلنا عندك مشهورين، وعند الناس محظوظين، وحين نقرأ مبتسمين، وعند الكتابة فرحين، ‏اللهم أبعد من قلوبنا الحسد، واملأ عافيتنا بالجسد، ‏وطهّر أناملنا من النفاق والرياء، وأعنا يارحيم الأرض والسماء، ‏وأكرمنا برضاك، ‏وازرع حب الوطن فينا، وقادته آمانينا.

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم