وليد بن علي بن محمد خـزام
بسم الله الرحمن الرحيم وبعد :
تَعْجَبُ كل العجب في هذه الأيام مما نراه ونسمعه عن كثرة الطلاق أو الخلع ..
وتعجب أكثر حينما تعرف الأسباب لذلك والمبررات السخيفة التي تصدمك ..
وكأن للزواج صلاحية زمنية ثم تنتهي هذه الصلاحية بنهايات لا يُصَدّقَها من زال عقله ، فكيف بمن لديه عقل ؟
نعم الطلاق مشروع للطرفين ولكنه أبغض الحلال الى الله ، ولا يُلْجَأ إليها إلا بعد محاولات من الصدق والعزيمة للوصول الى حلول ، فإن عجزا فيما بينهما انتقلا الى مرحلة أخرى وهي الأسرة ( الوالدين ) لمساعدتهما ، فإن عجزت الأسرة عن الحل ، فيمكن الاستعانة بعد الله بجمعيات تختص بشؤون الأسرة ، فإن عجزت فآخر المطاف الوصول الى المحاكم .
لكنّ كل ذا يسير بتأني وصبر للرغبة في إيجاد الحل ، بخلاف ما يحصل اليوم وهو التخطي السريع وتجاوز المراحل الى إنهاء العلاقة وهذا شيء غريب …
فقد نسي كل طرف من هذه العلاقة بأنه جزء لا يتجزأ عن الآخر ، بل قد غفل وعمي كل منهما عن عظم الاحتياج لبعضهما مسيرة زواجهما لاسيما بعد وجود الأبناء في حياتهما ، قال ربنا تبارك وتعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } ( الروم 21 ) .
فالآية تشير الى أمور منها :
1 ـ أن هذه العلاقة الزوجية آية من آيات الله ، ويحتاج كل منّا الى تأملها ومعرفة أسرار الله في
تشريع هذه العلاقة ، فهي أية في ابتداء الآية وآيات في خاتمتها لمن تدبر وعقل .
2 ـ أن المرأة خلقت من الرجل من ضلعه ، فهما ككيان واحد يحتاجان لبعضهما ، وكما جاء في
الحديث : [ إنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لكَ علَى طَرِيقَةٍ ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بهَا اسْتَمْتَعْتَ بهَا وَبِهَا عِوَجٌ ، وإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا ] ( صحيح مسلم 1468 ) ، وجاء أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:[ خُلِقَت المرأةُ منَ الرَّجلِ ، فجعلَ نَهْمتَها في الرَّجلِ ، وخلقَ الرَّجلُ منَ الأرضِ ، فجعلَ نَهْمتُهُ في الأرضِ ، فاحبسوا نساءَكُم ] ( عمدة التفسير بإسناد صحيح 1/455 ) ، أي حافظوا عليهنّ .
فهل الاستغناء عن جزءك أمر سهل ؟
3 ـ الآية تشير أيضاً إلى السكن الذي يبنيه الزوجان ، وهو السكن النفسي والسكن المكاني
وكلاهما مسئول لتواجده واقعياً لتحقيق السعادة في الحياة الزوجية .
4 ـ إلفات نظر الزوجين الى أهمية المقصد لهذه العلاقة الزوجية المباركة ، وأن سرّ دوامها هو
تعزيز المودة والرحمة بينهما ، فبمجرد نقص أو اختفاء هذا المقصد يبدأ الانهيار يسري في
العلاقة الزوجية .
هل صلاحية الزواج قد انتهت !!! ؟
إن ما يدفع كثير من الأزواج والزوجات الى التخلي عن هذه العلاقة هو الوهم والسراب الذي يركضان خلفه دون طائل له ، وتقليد من ليس لديهم وازع ديني أو ثوابت قيمية .
فالتخلي أمر يسير لديهم لأنهم لا يتعبّدون الله بهذه العلاقة المقدسة العظيمة ، ولا يهتمون بمشاعر أبناءهم ، ولا يقدّرون علاقاتهم الاجتماعية بين الأسرتين في التعارف والتناغم والترابط ، والله سبحانه وتعالى يقول : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } ( الحجرات 13 ) .
فوا عجباً ما الذي تغير ..
قد كنّا نحلم بالزواج ، ونسرح بخيالنا في فضاء الأحلام الجميلة ، نعد الأيام بل الساعات ، متى يأتي موعد الزواج ؟
نخطط لتجهيز السكن ، ونتشاور مع بعضنا حول ليلة العمر ، وكيف يكون منظرنا أمام الناس ونحن في غاية سعادتنا ؟
مقدمات وتجهيزات كثيرة قبل الزواج ، وتشتيت للأفكار ونسيان شيء وتذكر آخر ، مع هذا القلق وهذا الاضطراب لكنّ الجميع سعداء ، ما أجملها من ذكريات !
إنها اللحظات الجميلة التي تبقى عالقة في ذاكرة كل زوجين وفي مذكرات حياتهما ، وإذا كبر الأبناء ، كانت قصصاً تروى لهم ليأنسوا بها وكأنهم عايشوا أحداثها .
بعد هذا الجمال وتلك السعادة التي عايشها الزوجان مع بعضهما تنقلب الموازين وتتبدل الأحوال فبدلاً من كون العشرة تزيد تماسكنا نجد أنفسنا بعد مرور الأعوام وبعد توسع الأسرة بالأبناء.
يأتي بكل سهولة من يصدّع البنيان ، وينزع السعادة من الجنان ، ويشتت الأبناء لأتفه الأسباب والله المستعان .
أبعد هذه العشرة والماضي المليء بالذكريات الجميلة ، وتلك الروعة في جمال الأسرة تنتهي صلاحية الزواج عندهما ويتخليان بسهولة عن بعضهما .
هل صلاحية الزواج قد انتهت !!! ؟
لا أدري .. يتشنج العقل عند مثل هذه المصائب ، ويحتار الحليم عند سماع تلك الفجائع التي أصبحت تتكرر وبكثرة في الآونة الأخيرة .
وما ذاك إلاّ لأسباب وراءها فيا ترى ما هي تلك الأسباب ؟
ولعل الإجابة على ذلك في نقاط منها ما يلي َ :
1 ـ ضعف الوازع الديني .
2 ـ الجهل بأهمية العلاقة الزوجية .
3- الأنانية المحضة بزعم الحرية المزعومة .
4 ـ الجشع المادي .
5 ـ الانحراف السلوكي .
6 ـ المخببين والمخببات من شياطين الإنس والجان .
7-الانفتاح المعلوماتي عبر التواصل الاجتماعي والتأثر بالمشاهير .
8 ـ قلة الناصحين الصادقين .
9 ـ العمى والغفلة عن عواقب الأمور .
10 ـ تخلي الأولياء عن مسؤوليتهم تجاه أبناءهم بقولهم ( هم أحرار في قرارهم ) .
إن ما يحصل اليوم من تفكك أسري يريده أعداء الإسلام أن يتحقق أصبح جلياً لا يخفى على أحد ، وهذا نذير بعواقب وخيمة تتضرر منها المجتمعات ، وتنذر بالويلات ، مثل : ( كثرة الفواحش ، وانحراف الأبناء نفسياً وسلوكياً ، وقطع العلاقات وصلة الأرحام ) وغيرها مما يؤثّر على الجيل الحالي وأجيال المستقبل .
هل صلاحية الزواج قد انتهت !!! ؟
لذلك كان لزاماً على كل عاقل وناصح أن يكون أداة حماية ووقاية وبناء لسلامة البيوت من الضياع .
لذا أقترح أموراً قد تسهم في الحد من هذه الظواهر المحدثة على مجتمعاتنا ومنها :
1 ـ تكاتف الجهات المعنية حكومية متمثلة في محاكم الأحوال الشخصية ، والجهات الغير ربحية
مثل الجمعيات المتخصصة في جانب الأسرة لدراسة المشكلة والبحث عن حلول لمعالجتها .
2 ـ دور الأئمة والوعاظ وأهل العلم بتوعية المجتمع ، والقيام بدورهم الفعّال في نشر الثقافة
الصحيحة لوقاية الأسرة ونماءها وعلاج مشكلاتها .
3 ـ قيام الجمعيات المختصة ببرامج إرشادية للوالدين ، وتوعيتهم بدورهم في اصلاح الأسرة
واستقامتها .
4 ـ مزيد نشر للدورات التثقيفية للمقبلين على الزواج ، فالزهد فيها لازال موجوداً بين أوساط
المقبلين على الزواج .
5 ـ البث أكثر وأكثر عبر التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي بجميع أنواعها لنشر الوعي بين
الناس لأهمية وقاية ونماء وعلاج مشكلات الأسرة .
6 ـ مشاركة كل صاحب قلم سيّال لكتابة الرسائل القصيرة والمقالات النافعة عبر مواقع
التواصل الاجتماعي لينتفع بها كل قارئ ، وكذلك كل صاحب صوت شجي نقي زلال أن
يساهم بقراءة نص أو إنشاد أو ما شابه ذلك ليصل الوعي الى كافة البيوت والأفراد .
فإذا شعرنا بالمسؤولية وتكاتف الجهود بين الجميع ، فستنعم كل أسرة باستقرارها وراحتها ، وأصبحت المجتمعات أكثر أنساً وانسجاماً ومحبة وترابطاً ، فقًصْرُ الشر أمر مهم للغاية ، لأن الشر يعم ، والخير يخص .
[ ] اللهم احفظ بيوت المسلمين من التفكك والشتات وضياع الأبناء ، وأعنّا جميعاً على العمل بما يرضيك عنا ، وألهمنا رشدنا ، وقنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنك القادر على كل شيء .