بسم الله ، وبعد – أبناءنا فروعنا .. تنمو في أحضاننا ..
والفرع يتمم مسيرة الأصل ويحيًّ ذكره الى أمد الدهر ..
كم هي الروعة والجمال في احتواء الأبوين لأبنائهم وسترهم بجناحهم كما يفعل الطير مع أفراخه ، وكم هي السعادة أن تبقى الأسرة تعيش في هدوئها واستقرارها هانئة مطمئنة !!!
إن التربية الحسنة تقوم على رعاية النشء منذ بزوغ فجره عند ولادته ، وتتبّع مراحل نموه ، وصيانته بتلقينه وتدريبه تعاليم الدين والقيم الصحيحة السليمة النبيلة ، وتحرص عليه كما تحرص على طعامه وشرابه ، لأن الطعام الوصول إليه فطري ، أما العلم فمكتسب يحتاج الى سعي وجهد وبذل .
يا بني .. لا تكسر ظهر والديك !!!
إن دور التربية على الوالدين كبير والمسؤولية عظيمة ، وعليهما السعي الحثيث بكل إمكاناتهما المتاحة بأن يرعوا أمانة الذرية والحفاظ عليها من الشبهات والشهوات ، من خلال حسن التعليم وحسن التربية ، والتوفيق بعد ذلك ليس لهما إنما هو من رب العالمين ، فعليهما الغرس والله يتولى الإنبات ، قال تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } ( القصص 56) ، وقال جلت قدرته : { وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم } ( الأنفال 63 ) .
يا بني .. إن الأبوين ينظران إليك بنظرة النعمة والكرامة من الله عليهما ، لذلك يبذلان الغالي والنفيس من أجل سعادتك ورؤية البسمة على وجهك ، ولأجل راحتك ومتعتك ، ودفعك نحو التقدم والرقي والنجاح والتألق لمستقبلك الذي هو مرآة عطائهم المستمر باكتساب المعرفة وحسن الخلق .
أنت الفرع وإن الفروع قد تشتد وتزهر أكثر من الأصول لأنها استمدت قوتها من الأصل ، وسلبت كامل طاقتها منه ، ولكن يبقى الفضل مستمراً للأصل ، والذي لولا الله ثم الأصل لما استمر الفرع ولا وجد .
لذلك فإن الأصل يترقب ماذا يتفرع منه لتستمر السلالة في النمو ؟ وليستمر البناء المجتمعي في النمو السليم والنضج والازدهار .
فهل بعد كل هذه التضحيات بالنفس والمال ، وسهر الليالي ، وتحمل أعباء الحياة وصعوباتها من أجلك لتنعم وهما يشقيان ، ولترتاح وهما يسهران ، ليبكيان وأنت تضحك ، كل ذلك فقط لأجلك لتكون الأفضل في كل شيء يتمنيانه لك ، فلم تكسر ظهرهما وتدمر أحلامهما ؟
قل لي بالله عليك لم ولم ولم ؟
يا بني .. لا تكسر ظهر والديك !!!
إنهما ينتظران وصولك للقمة ، ويترقبان فرحتهما لفرحك عند قطف ثمرة نجاحك ..
لماذا جعلت الحلم لهما سراباً ؟ ويا ليته وقف عند السراب !!
بل صدمة أرّقت مضجعهما ، وأذهبت النوم من عينهما ، وجلبت الهموم والغموم لهما ، فبدلاً من وقوفك بجانبهما وأمناً وأماناً وسندناً لهماً ، أصبحت مصدر رعب وتهديد أمن وسرقة مال لحياتهما .
سلكت طريق الضياع بكل أنانية بحثاً عن متعت لحظية زائلة ، وأصبحت في مستنقع المخدرات المدمرة لنفسك ولمجتمعك ، أياً كان اسمها فكلها سموم قاتلة ، لذاتك وقاتلة لم حولك ، فقدت بها عقلك ، وسلبت صحتك ، وضيعت كل ما تملك ، وضاعت أسرتك ، كل هذا لأجل وهم المتعة التي تقضي عليك تشعر أو لا تشعر .
أ هذا جزاء والديك ؟
أ هذه مكافئتهما على صنيعهما معك ؟
يا بني .. لا تكسر ظهر والديك !!!
كم كنا نحذرك من الصحبة السيئة والإفراط فيها ؟
وكم كنا نمنعك وننصحك من السهر وكثرة العبث ، لأن مفاسدها تتراكم وتأثر على تفكيرك ولم تصغي لشيء ؟
وكم كنا نرشدك الى استثمار وقتك فيما ينفعك ، وتبتعد عما لا ينفعك ؟
فكنت تكابر وهذه نتيجتك لا صديق يعطف عليك ، وعدوك يشمت بكل ، وحياتك قد تذمرت من كل جانب صحياً وعملياً واجتماعياً .
كم كنا نحاول مساعدتك لرسم أهدافك ، ودفعك لتحقيقها ؟
فكنت تتهرب وتتكاسل وترفض أحياناً ، لأن عقل الكبار لا يصلح لعصر الصغار ، فهذا ما تقوله ويقوله أصحابك ، فالكبار عاشوا أكثر منكم وفهموا الحياة وجربوها أكثر منكم ولا يمكن الاستغناء عن مشورتهم والاسترشاد برأيهم .
كم وكم وكم تساؤلات كثيرة يطرحها العقل ولا يجيب عليها إلا أنت ، فهل تفتح عقلك للتفكير ولتعرف الحق من الباطل وتستنير به ؟
أم أن الكبر والعناد وطغيان الشهوة ، والفراغ الذي سيطر عليك والصحبة التي تسيء لك وأنت تظن أنها تنفعك ، وهي تضيع أوقاتك وتدفعك الى السقوط في الهاوية يجعلك تتجاهل النصائح.
هل نظرت يوماً في المرآة فتلاحظ كيف أصبحت صورتك ؟
هل تأملت لحظة في أمرك ، وكيف أصبحت حالتك ، ولما ، والى متى سيستمر الوضع هكذا ؟
تساؤلات كثيرة توجع قلب والديك وتزيده كمداً ، وتملئه ألماً وحسرة ، وأنت في غفلة لا تبالي .
يا بني .. لا تكسر ظهر والديك !!!
أي بني .. اعلم أن لكل بداية نهاية ، وأن من لم تردعه النصيحة ستقمعه الفضيحة ..
فاستيقظ قبل فوات الأوان ، وقبل الوقوع في الخسران ، وابحث عن الحلول الميسرة في منطقتك لتنجوا من هلكتك ودمار أسرتك .
وبفضل من الله فإن مملكتنا الحبيبة قد يسرت سبل العلاج فهي متاحة ، ووفرت المرشدين الناصحين للأخذ بيدك الى طوق النجاة وبر الأمان ، لتعود الى نفسك وأسرتك ومجتمعك بثوب جديد تبني ولا تهدم ، وتصلح ولا تفسد .
وما يتبقى منك سوى العزم والجد والحرص ينطلق من ذاتك ، وينبثق من وعيك وحسن إدراكك لمخاطر واقعك الحالي ، لتنجوا وتنتقل الى وضعك الصحيح الطبيعي بين أهل ومجتمعك .
فتخرج من الأوهام الى الحقيقة ، ومن الضياع الى السلامة والهداية ، وتكون بذلك راضياً لربك ثم والديك ثم وطنك .
وتذكر والديك دوماً .. فلا تكسر لهما ظهراً ، بل ارفع لهما رأساً ، كما كانا في حياتهما كلها يرفعان رأسك ويحرصان على ذلك حتى تكون الأميز والأفضل بين أقرانك .
فهل لازلت تنتظر ؟
ما بك هل تفكر ؟
هل ترى أن الأمر الذي فيه سعادتك يحتاج هذا البطء وهذا التفكير ؟
بادر وبأقصى سرعة ، فأنت تتجه نحو الطريق الصحيح ، نحو الأفضل لك ولأسرتك ومجتمعك ، فلا تتردد وكن الأقوى والأعقل ، فالسلامة لا يعدلها شيء .
دمت يا بني رافعاً الرأس ونفخر بك ونفاخر بك كل أحد ،،،
أسأل الله أن يلهمك الرشاد ، ويوفقك لحسن البر ، وحسن العمل ، وأن يحليك بزينة الأخلاق
____________________________________
وليد بن علي بن محمد خـزام