الأحد 24 نوفمبر 2024 / 22-جمادى الأولى-1446

اختلاف القيم بين الزوجين



 

عدنان بن سلمان الدريويش

القيم تمثِّل أخلاقيات الشخص وسلوكياته، وطريقة تفكيره، وتربيته، وشخصيته، وخبراته، وتجارِبه، والبيئة الاجتماعية والدينية والثقافية التي نشأ فيها، وعند تكوين الحياة الزوجية، فإنها تبدأ من طرفين كلٌّ منهما تربَّى ونشأ على قيم وعادات وتقاليد، قد تتوافق مع الشريك الآخر وقد تختلف، والاختلاف هنا لا يمثل مشكلة كبيرة، إلا عندما يكون اختلافًا فيه تناقض تام في نفس القيم؛ لأنه سيكون لكلٍّ منهما أولوياته في الحياة، التي قد تختلف عن أولويات وطموحات ورغبات واحتياجات الطرف الآخر؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].

تقول هديل: “أثناء فترة الخطوبة والأسابيع الأولى من زواجنا كان جلُّ اهتمامنا منصبًّا على الكلمات الرومانسية، والأحلام الوردية، والمتعة الجسدية، لكن مع مرور الأيام بدأت تتكشف لي قيم وأخلاق وعادات زوجي؛ فهو لا يشعر بالمسؤولية ومنعدم الإحساس خاصة نحو أسرته وأسرتي، فهو يبخل في تقديم أي نوع من المساعدات إليهم، ويرى أن مثل هذه المواقف مضيعة للوقت والجهد والمال، بينما أنا أؤمن بأهمية العطاء للأسرة والبذل من أجل إسعاد الآخرين، خاصة إسعاد أسرتي ووالدي وأقاربي”.

والسؤال هنا: ما أسباب اختلاف القيم بين الزوجين؟ مع أنهما قد يكونا من بلد واحد ومن بيئة واحدة ومن أسرة واحدة، والجواب على هذا السؤال فيما يلي:

  • التفاوت في العادات الاجتماعية، بعض الأسر تتقبل مناداة المرأة باسمها أمام الغرباء، وأخرى ترى ذلك عيبًا وأمرًا شائنًا.
  • التفاوت في التدين، هناك من يرى العلاقات الاجتماعية بين الجنسين منفتحة، ولا مانع من اللقاءات والسهرات والضحكات، بينما يجد الآخر أن هذا السلوك منضبط بتعاليم الدين والشرع.
  • التفاوت في طريقة التربية والتوجيه والإرشاد، قد يكون أحدهما نشأ بين أبوين مهملين ومنشغلين عن التربية، بينما الآخر نشأ بين أبوين حريصين على أولادهما، ومتميزين في التوجيه والإرشاد.
  • التفاوت في الاستقرار الأسري، فهناك من تربى في أسرة مفككة، والده في بيت مع زوجة أخرى، وأمه في بيت آخر، وهذه التربية أثرت في نفسيته وعلاقاته ونظرته للمجتمع.

وحتى يستطيع الزوجان التغلب على اختلافات القيم بينهما، وما يصاحبه من خلافات زوجية ومشاكل أسرية وتربوية قد تصل إلى الفتور العاطفي أو إلى الطلاق؛ عليهما بالآتي:

  • الاتفاق بينهما أثناء الخطوبة وفي الأسابيع الأولى من الزواج على القيم والمبادئ، خاصة ما يتعلق بالدين والحياة الأسرية والاجتماعية وتربية الأولاد من خلال تبادل الآراء والحوار والنقاش عن مستقبلهما؛ حتى لا يحدث صراع بينهما بعد الزواج، فما يمثل قيمة أساسية لطرف قد يمثل قيمة ثانوية للطرف الآخر.
  • تقبل الطرف الآخر والصبر عليه، وعدم الاستعجال في تغييره ومساعدته في تبنِّي قيم وأخلاق مغايِرَة على ما نشأ وتربى عليها، ومحاولة صناعة قيم جديدة مشتركة خاصة بهما وبأسرتهما، مع عدم إنكار حق الآخر في الاحتفاظ بقيمه، ما دامت قيمًا نبيلة، ولا تؤدي إلى ضرر للطرف الآخر.
  • الاحترام المتبادل بينهما، مع التركيز على النقاط الإيجابية في الطرف الآخر، تجعله يتقبل عاداته وسلوكياته، ويقتنع بالقيم الجديدة.
  • تنمية الحب بين الزوجين، كلما كانت العاطفة صادقة بين الزوجين، وكان كلاهما حريصًا على إشباع رغبات الآخر جسديًّا وعاطفيًّا، كان هناك قبول في تغيير القيم والعادات إلى ما هو أفضل.
  • الإقبال على الله وتعلم أحكام الدين وآدابه، والتأثر بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وتكوين صحبة صالحة للأسرة، هذا كفيل بأن تغير الأسرة قيمَها وأخلاقَها وعاداتها للأفضل.

أخيرًا على الزوج والزوجة الحرص على اختيار شريك الحياة بما يتوافق مع قيمه وعاداته؛ حتى لا يقع مستقبلًا في خلافات أسرية، ومشاكل تربوية وسلوكية؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك))؛ [رواه البخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا خُطب إليكم من ترضَون دينه وخُلُقَه، فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض))؛ [رواه الترمذي].

أسأل الله أن يصلح الشباب والفتيات، وأن يجمع بين قلوب المتزوجين والمتزوجات على طاعة الله والحب والتواصل السليم، وأن يخرج من تحت أيديهم من يعبد الله على الحق، وأن يجعل أولادهم لبنات خير على المجتمع والوطن، وصلى الله على سيدنا محمد.

 

تصميم وتطوير شركة  فن المسلم